لكل نتيجة مقدمتان أو أكثر، إما صدق أو كذب النتائج، فيعتمد على صدق أو كذب المقدمات، هذا ماتعلمناه في المنطق الأرسطي، ومن هذه القاعدة ننظر الى ما يأتي به المحللون أو حملة الاقلام- كتاباً أو أدباء أو مفكرين- ومايتوصلون اليه من نتائج أو استنباطات أو استقراءات أو مايمكن ان نقول عليها تنبؤات أو توقعات، على الصعد السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.. الخ. تكون امام المرء حيثيات ومستجدات ينظر اليها بتأمل ويربط فيما بينها، ويجعل منها مقدمات لنتائج أو توقعات لايتردد في الاعلان عن اقتراب حدوثها.. اما صدق هذا التوقع أو كذبه فيعود الى المقدمات وعدم تعرضها لما يخل بمسارها وما أكثر التوقعات التي صدقت في نتائجها أو كذبت. خواطر اصطادها الخاطر وأنا استمع صباح الخميس 8/6/2006م إلى خبر تمكن القوات الامريكية واجهزة الأمن العراقية من اصطياد أبي مصعب الزرقاوي وقتله بقنبلة يزيد وزنها عن مائتين وخمسين رطلاً.. وماسبق هذا الحادث من توقعات خاصة بعد ظهور أبي مصعب بذلكم الخطاب أو البيان والاستعراض الكامل عبر قناة «الجزيرة»، وكيف ظهر بكامل ملامحه وهيئته والسماح لعدسة الكاميرا التلفزيونية بالتقاط الصور الواضحة الملامح المختلفة الاوضاع لوجهه وهيئته بما في ذلك مشيته وهو المقاتل الملزم بالتخفي. ذلكم الخطاب الذي بثته «الجزيرة» للزرقاوي قد أثار الكثير من التكهنات وردود الفعل المختلفة التي تباينت في نتائجها، كمن رأى في ذلك مؤشر ضعف، ومن رأى فيه عامل قوة، ومن اعتبره يأساً واحباطاً، ومن اعتبره حرباً نفسية للامريكيين والعراقيين معاً. ولقد كنت واحداً ممن كانت لهم قراءتهم لذلكم الخطاب.. وانه خطاب وداع ناتج عن شعور بطوق استكملت حلقاته، وان الزرقاوي قد أحس بذلك بشعور المقاتل وموهبة المدرك، وهذا ما تضمنه عمودي الاسبوعي في صحيفة «26 سبتمبر» بعنوان (هل هي خطبة الوداع) المنشور بتاريخ الخميس 11/5/2006م العدد (1255) ومما جاء فيه «ان عوامل الشك وبواعث التساؤل كثيرة، منها الباعث لمقاتل كالزرقاوي ان ينشر على الملأ تسجيلاً يبرزه ويقدمه للجميع مبرزاً صورته وملامحه من جوانب مختلفة كما يبرز قامة وهيئة وطريقة مشيه لتتأملها وتحللها وسائل استخبارات عالمية تطلب رأسه. كيف يفعل ذلك وهو المقاتل المقاوم المتنقل أي لايتحصن في جبهة أومنطقة معينة بل يعمل متخفياً عن أعين الجميع عدا نفر من خاصته. كيف يقدم على ذلك وهو في شعب غير شعبه، وهو المتخفي المتنقل بين قوم أقدم على استفزاز وتكفير معظمهم وهم من أسماهم بالرفض أو أهل الشيعة والمارقين من أهل السنة والعلمانيين من الأكراد؟ ألا يخشى كل هؤلاء ان كان لايخشى اجهزة الاستخبارات التي تلاحقه والجيش الذي يبحث عنه؟ كيف يظهر ملامح وجهه ويدعو الناس للتعرف عليه وهو المقاوم المحتاج الى التخفي والتنقل بسرية تامة. هناك من يقول ان ما أقدم عليه الزرقاوي فيه عامل ضعف لاقوة وان احساسه بمرحلة التشديد في تضييق الخناق عليه واقتراب السيطرة على حركته قد أخذت طريقها نحوه.. وأن الرجل الاسطورة يرغب في التعريف بنفسه وصورته حتى لايرحل مجهولاً ومشكوكاً في وجوده من عدمه، يقول البعض إنها خُطبة الوداع- فهل حقاً هي كذلك». هكذا كان توقعي لنهاية أبي مصعب الزرقاوي الذي ظل منذ تزعم تنظيم القاعدة في أرض الرافدين مالئاً للدنيا وشاغلاً للناس.. وهو توقع ناتج عن تأمل في مقدمات جمعتها من مسارات لما يجري مجاوراً للرافدين في أرض الرافدين، ولكم ينشغل كل ممسك بالقلم بمتابعة وجمع مايجعل منه مادة للاستقراء والاستنتاج، أو مقدمات لنتائج يريد التوصل اليها. لحظة حرية: مأزق احزاب (( اللقاء المشترك )) بين عمليتين انتخابيتين 2003 2006 «2-2» -احمد الحبيشي من حق الذين يتذكرون وقائع المؤتمر الصحفي الذي عقدته قيادات أحزاب «اللقاء المشترك» في منتصف عملية القيد والتسجيل عام 2002 على طريق الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2003 وما انطوى عليه ذلك المؤتمر الصحفي من اتهامات مصحوبة بأحكام قاطعة ومانعة من حقهم ان يروا فيه دليلا ً آخر على انعدام التوازن في سلوك أولئك السياسيين الذين قدموا صورة سوداوية لعملية القيد والتسجيل آنذاك ، على نحوٍ طافحٍ بالخيبة واليأس والإحباط، إلى الدرجة التي خلقت انطباعاً لدى بعض الدبلوماسيين والمراقبين الأجانب بأنّ محصلة القيد والتسجيل ستكون بالغة السوداوية والهزال، بينما جاءت النتائج النهائية مخالفةً لأهداف ذلك المؤتمر الصحفي الذي اتضح الآن بأنّه كان أشبه بمناحة يائسة على مقربةً من عرس كبير وهو ما يكررونه هذه الايام في الطريق الى الانتخابات الرئاسية والمحلية التي ستجري في الثلث الاخير من سبتمبر القادم 2006 م !! كان بإمكان قادة أحزاب « اللقاء المشترك» أن يضعوا حدوداً معينة لحالة الهيستيريا التي طغت على تصرفاتهم خلال المشهد المؤسف الذي ظهروا فيه اثناء مؤتمراتهم الصحفية التي سبقت الانتخابات البرلمانية قبل ثلاث سنوات ، وبشروا فيها دول العالم وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة الاميركية بنصر مؤزر واستعداد مطلقلتعاون بلا حدود مع واشنطن ، على نحو افضل من المؤتمر الشعبي العام .. لكنا نتذكر ايضا أن الهيستيريا «المشتركة» فاقت كل تصور، وبلغت ذروتها عندما أخطأ قادة تلك الأحزاب في حق القوات المسلحة والأمن، وأفرطوا في إطلاق سيل عرمرم من التصريحات المتشنجة التي أنطوت على غمز ولمز تجاه موقف القوات المسلحة إزاء عملية القيد والتسجيل والانتخابات، وبالتالي إزاء العمليات الانتخابية اللاحقة!!. لم يكتفِ قادة «اللقاء المشترك» آنذاك بذلك الكم الهائل من التصريحات والحملات الإعلامية المحمومة تجاه القوات المسلحة والمؤسسات والأجهزة الأمنية ، بل أنّهم اقتحموا منطقة شديدة الحساسية والخطورة ، حينما وجهوا نداءً ملتبساً استغاثوا فيه بالقوات المسلحة ودعوها إلى الانحياز للشعب وحماية الديمقراطية ؟؟!! ولا يحتاج المرء إلى جهدٍ كبير ليكتشف ما اشتمل عليه ذلك النداء الملتبس من تحريض مموّه للقوات المسلحة ضد السلطة المنتخبة وحزب الأغلبية !! بوسع الذين يتذكرون مضمون ذلك النداء الذي اثار جدلا كبيرا قبل ثلاث سنوات ، ان يعودوا اليه حيث سيتوصلون إلى قناعةٍ بأنّ الذي كان يتحدث عبر ذلك النداء الموجه إلى القوات المسلحة هو « لا عقل» أحزاب « اللقاء المشترك « وليس عقلها !. لاريب في ان معنى ذلك النداء – الاستغاثة هو وقوع خطر متحقق وملموس على الديمقراطية ، يستدعي قيام القوات المسلحة بواجبها الدستوري لحماية الديمقراطية ، وردع الخارجين على شرعيتها الدستورية أو المتآمرين عليها بعد ثبوت الواقعة ، ولعل ذلك يفسر تحول احزاب (( اللقاء المشترك)) من محاولة تحريض القوات المسلحة للانقلاب على الديمقراطية عام 2003 الى محاولة تحريض الشارع عام 2006 للانقلاب عليها عبر ما اسماها احدهم وروجت لها صحافتهم (( الثورة الشعبية )) !!! والثابت أنّ ثمّة آليات دستورية واضحة تحدد الأسس والوسائل والمؤسسات التي يتم بواسطتها واستناداً إليها طلب تدخل القوات المسلحة او طلب العودة الى الجماهير لأداء واجبها الدستوري والانحياز للشرعية الديمقراطية في حالة الخروج على الأسس الدستورية للنظام السياسي التعددي، وحدوث خطر بائن أصابها بضرر متحقق.. ولعل قام به قادة أحزاب «المشترك» عام 2003 وكرروه مرة اخرى عام 2006 في هذا الصدد ، يُعد قفزاً على هذه الآليات الدستورية ، وتجاوزاً للوظائف الشرعية التي تضطلع بها المؤسسات الدستورية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، و لا نبالغ حين نقول إنّ أحزاب (( اللقاء المشترك )) لجأت بسبب عجزها المزمن وكساحها المشوه إلى آليات التشكيك بالقوات المسلحة أحياناً ، وتحريض الشارع للقيام بالثورة الشعبية ضد النظام السياسي أحياناً أخرى ، وهو سلوك ملتبس وغير ديمقراطي وغير دستوري في آنٍ واحدٍ!!؟ لا يجوز – بأي حال من الأحوال – التوجه إلى القوات المسلحة او الجماهير الشعبية بطلب أداء واجبها الدستوري في الدفاع عن الديمقراطية وحمايتها انطلاقاً من افتراضات يصدرها اللاعقل السياسي لبضعة أحزاب خارج المؤسسات الدستورية المعنية بهذا الاختصاص، لأنّ إعلان انحياز القوات المسلحة والجماهير الشعبية للدستور أو طلب تدخلها لحماية الديمقراطية من خطر الانقلاب عليهما يتمّان من خلال المؤسسات الدستورية فقط أو الانقلاب عليها بطريقة غير دستورية ، وبشرط وقوع الخطر بصورة بائنة وقاطعة، وليس بناءً على أوهام مريضة أو حسابات مفترضة أو مكايدات حزبية. يقيناً أنّ نتائج الحراك السياسي الذي تحقق الآن تُعد مكسباً عظيماً للديمقراطية في بلادنا ، والمطلوب هو الحفاظ عليها وتطويرها.. وإذا كان من حق حزب السلطة وأحزاب المعارضة تسجيل نقاط ومكاسب سياسية وحزبية في الطريق الى الانتخابات القادمة ، فإنّ هذا الحق لا يبرر الالتفاف على الديمقراطية بوسائل غير قانونية. ويبقى القول إنّه من حق الديمقراطية على الأحزاب السياسية الاحتكام دائما في حل المنازعات السياسية الى مائدة الحوار او إلى الجهة الوحيدة التي يقع على عاتقها واجب تطبيق القانون ومحاسبة الخارجين عليه ، وهي السلطة القضائية .. وحين يتحقق ذلك ، ويقول القضاء كلمته العادلة ستكسب الديمقراطية نقاطاً جيدة وزخماً جديداً ، على نحو افضل من تلك النقاط التي يتم تسجيلها بالمساومات والابتزازات عبر الابواب الخلفية والغرف المغلقة !!. [email protected]