لا بدّ من العودة مجدداً الى انتخابات الرئاسة الاميركية، ما يفرض مثل هذه العودة الصعود المفاجئ للمرشح باراك أوباما الذي يتجه الى التغلب على هيلاري كلينتون ليصير مرشح الحزب الديموقراطي في مواجهة الجمهوري جون ماكين في مطلع نوفمبر – تشرين الثاني المقبل. كذلك ما يفرض العودة الى الانتخابات، والى أوباما تحديداً، تحول الرجل الى ظاهرة على الرغم من أنه أسود وأن أعداءه يركزون على أنه من أصول اسلامية، اذ اسمه الكامل باراك حسين أوباما وقد أخذه عن والده الذي جاءت عائلته من كينيا... ودفع ذلك المرشح الأسود الى القول صراحة أنه "لم يكن يوماً مسلما"، فعل ذلك بعدما بدا أن هيلاري فقدت أعصابها وباتت على استعداد لاستخدام أية فكرة يمكن أن تخطر في البال للنيل من منافسها، تبدو زوجة الرئيس الأميركي السابق كمن تخلى على الحد الأدنى من السلوك الأخلاقي من أجل انقاذ حملتها الانتخابية.. في كل الأحوال، سيتبين يوم الرابع من مارس- آذار الجاري في مناسبة الانتخابات الحزبية في ولاية تكساس المهمة هل ستتمكن من ذلك، أم تفقد أي أمل باللحاق بأوباما؟ سيكون الرابع من مارس يوماً حاسماً للمستقبل السياسي لهيلاري كلينتون نظراً الى أن فشلها في تكساس سيعني أن عليها اتخاذ قرار نهائي يقضي بالانسحاب من المعركة الرئاسية والاكتفاء بدور ثانوي في مجلس الشيوخ حيث تمثّل ولاية نيويورك. من يراقب جيداً صعود نجم أوباما، يكتشف أن هناك التفافاً شعبياً كبيراً حوله. انه قادر على حشد الآلاف في خلال وقت قصير خلافاً لهيلاري كلينتون.. والأهم من ذلك يمتلك قدرة على جمع التبرعات بسهولة فائقة في حين أن منافسته تواجه صعوبات في هذا المجال. والى اشعار آخر، يلعب المال دوراً في غاية الأهمية في الانتخابات الاميركية. من دون المال الذي يشكل عصب الحياة لأية حملة انتخابية، لا قدرة لأي مرشح على الاستمرار في المعركة وحشد التأييد.... قبل أسابيع، في مطلع يناير- كانون الثاني الماضي تحديداً، كانت استطلاعات الرأي تشير الى تقدم كبير لهيلاري على جميع المرشحين الديموقراطيين الآخرين، يوماً بعد يوم، قلّص أوباما الفارق وفاز في كل الانتخابات التي أجريت في فبراير- شباط الماضي ناشراً الذعر في أوساط حملة منافسته التي لم تعد تتردد في اللجوء الى ضربات تحت الزنار من نوع اثارة مسألة الأصول الاسلامية لأوباما.. تشير حال الذعر التي أصيبت بها هيلاري واضطرارها الى الاستعانة باثارة الغرائز الى أن وصول أوباما الى البيت البيض بات أمراً مطروحاً على الرغم من أن المجتمع الأميركي محافظ في العمق ويتخوف من أي تغيير ذي طابع جذري يمكن أن يعتبره مغامرة، وهذا ما جعل الجمهوريين يلتفون باكراً حول جون ماكين بصفة كونه المرشح الوحيد الذي يمكن أن يبقى لهم أملاً ما في الاحتفاظ بالسلطة بعد ثماني سنوات عجاف كان فيها جورج بوش الابن في الرئاسة. في الواقع، يعكس صعود أوباما انقساماً واضحاً داخل المجتمع الأميركي في ضوء وجود رغبة جامحة لدى كثيرين من الاميركيين في التغيير، علما بأنه تبقى مشكلة أساسية أمام الرجل الذي بات يجسد هذه الرغبة، تتمثل المشكلة في المؤسسات الاميركية، على رأسها المؤسسة العسكرية، التي جرها بوش الابن الى حرب العراق، تدرك هذه المؤسسة أن الشعارات التي طرحها أوباما في حملته الانتخابية ليست واقعية.. على رأس الشعارات الرغبة في تنفيذ انسحاب فوري من العراق، مثل هذا الكلام يمكن أن يستهوي ملايين الاميركيين، لكنه لا يرضي في أي شكل المؤسسات الأميركية ذات العلاقة بالأمن ومستقبل الوجود الأميركي في منطقة الخليج من قريب أو بعيد.. ان أي انسحاب أميركي سريع من العراق سيعني بطريقة أو بأخرى فراغاً ستستغله ايران وتركيا، الأولى في الجنوب وحتى داخل بغداد نفسها والأخرى في الشمال حيث يقاتل جيشها المتمردين الأكراد داخل الأراضي العراقية. أكثر من ذلك، ان انسحاباً أميركياً من العراق في ظل وجود حكومة فاشلة برئاسة نوري المالكي تبث الروح المذهبية البغيضة بين العراقيين، تعني بكل بساطة انسحاباً من المنطقة كلها، سيكون بوش الابن غيّر بالفعل خريطة الشرق الأوسط، ولكن في غير مصلحة الولاياتالمتحدة بكل تأكيد. جديد الانتخابات الأميركية أن وصول أوباما الى البيت الأبيض صار وارداً. وقد أخطأ كل من استبعد قبل أسابيع قليلة أي فرص له في أن يكون على رأس القوة العظمى الوحيدة في العالم، ومن بين الذين أخطأوا كاتب المقال، لكن السؤال ما الذي سيفعله رجل يريد التغيير فعلاً وخاض معركته تحت هذا الشعار بالتركة الثقيلة لعهد بوش الابن؟ الثابت أن التركة التي يخلفها بوش الابن لن تترك لأوباما أو لأي رئيس آخر خيارات كثيرة. لا مجال لانسحاب أميركي باكر من العراق في أي شكل من الأشكال. سيكون أي رئيس جديد للولايات المتحدة، أكان اسمه جون ماكين أو هيلاري كلينتون... أو باراك أوباما أسير ما ارتكبه بوش الابن الذي غيّر التوازنات التي قام عليها الشرق الأوسط منذ رسم خريطته اثر انتهاء الحرب العالمية الأولى في العام 1918 من القرن الماضي وانهيار الدولة العثمانية. كان بوش الابن الذي تنتهي ولايته بعد أقل من أحد عشر شهراً رئيساً استثنائياً بكل معنى الكلمة. سيترك لخليفته كمية من الأزمات لم يواجه أي رئيس أميركي ما يشبهها، شعار التغيير يمكن أن يوصل أوباما الى البيت الأبيض، لكنه لن ينشله من كارثة العراق التي وصفتها وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت بأنها "أكبر كارثة" واجهت الولاياتالمتحدة منذ قيامها.