تنشط أمانة العاصمة هذه الأيام بتنفيذ مشروع تسمية وترقيم الشوارع، وهو المشروع الذي تأخر كثيراً، رغم إلحاح الطلب والحاجة، فكلنا إلى الآن بدون عنوان، وكلنا نكتب عناويننا باستخدام كلمة «جوار» محل كذا، جوار مسجد كذا، و«ادخل شمال» و«اكسر يمين» و«ستجد هناك أطفالاً يلعبون اسألهم عن عنوان مَنْ تبحث عنه». المشروع هام من الدرجة الأولى، والاهتمام به يجب ألا يتوقف بعد انتهاء تركيب لوحات الأسماء والأرقام، لأن أيدي العابثين لن تهدأ حركتها حتى تنتزع اللوحات من أماكنها، وبالمناسبة هي مشكلة يشكو منها عدد من المدن والعواصم في الدول الأخرى. أريد أن أركِّز على نقطة مهمة في هذا السياق، تتعلق بالتسمية، فالعمل الجاري قائم على تسمية الشوارع بأسماء المدن والمديريات والقرى اليمنية، وعرَّابو المشروع يشيرون إلى هدفهم، وهو تعميق الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية بإطلالة أسماء المدن والقرى اليمنية على رأس كل شارع، وفي اعتقادي أن هذا مفهوم خاطئ تماماً، لعدة أسباب، أبرزها أن مجالات تعميق الوحدة الوطنية وتعزيز الشعور بالولاء للوطن لا يأتي من خلال رفع أسماء المدن والقرى، وكي تتأكد صحة كلامي من عدمها أقترح إجراء بحث عن عدد الأفراد والمواطنين الذين تعزز إيمانهم وتعمق فيهم الشعور بالوحدة العربية بعد إطلاق أسماء دول وعواصم عربية على شوارع حيوية بأمانة العاصمة منذ سنوات عديدة. إن تعميق الوحدة الوطنية قضية لا يمكن أن تحلها قامات لوحات أسماء الشوارع، وبالمقابل فإن حب شهداء الثورة لا يمكن الحكم على وجوده أو غيابه من عدم اشتمال مشروع تسمية الشوارع على أسماء الشهداء. وبالنسبة لمشروع الترقيم والتسمية فلتكن التسمية أيَّاً كانت، المهم ألا يُغفِل المشروع الترقيم، وأكرِّر الترقيم، لأن الترقيم أهم من التسمية، ولأن الترقيم متبوع والتسمية تابعة، والمعروف أن عملاً كهذا أساس هدفه خدمي بحت، وأي شيء آخر بعد الخدمي يعتبر هدفاً ثانوياً، والأسماء لا يمكن أن تسهّل الوصول إلى الشارع المطلوب إذا غاب الرقم، لأنك تستدل على أن هذه المنطقة تبدأ من الشارع رقم كذا وتنتهي برقم كذا، ولا يمكنك أن تستدل عليها من بدايتها باسم المديرية الفلانية وانتهائها بالمديرية الفلانية فالتسلسل قائم رقمياً ومنعدم اسمياً. أضف إلى ذلك سيبقى هذا المشروع شبه عديم الفائدة إذا لم يتلوه مشروع ترقيم المباني والمساكن ضمن ما يعرف بمشروع أو أعمال الرقم العقاري، والرقم العقاري للمبنى مثل الاسم للإنسان لا يفنى إلا بفنائه، وأحسب هيئة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني ماضية في هذا المشروع بعد إقرار البدء في تنفيذ أعمال مخطط ل «مايستربلان» لأمانة العاصمة، والذي يجب أن يعقبه مشروع الترقيم العقاري، الذي بدوره يتطلب سرعة إقرار مشروع قانون السجل العقاري الموجود في أدراج مجلس النواب. وهذا القانون ومثله مشروع ترقيم المباني، لا ينبغي الاستهانة بهما، فهما سيعملان على القضاء على مشاكل الأراضي تماماً، ولا يخاف منهما إلا الجالسون نهباً و«بسطاً» على أراضي الدولة وأراضي الأوقاف وأراضي الغير - أيضاً - وهذه فقط إحدى الفوائد، كذلك هذه الأشياء تعتبر من أهم مدخلات عوامل جذب الاستثمار وشعوره بالأمان والاستقرار، والحاجة إليها في 2010م مخزية نوعاً ما، لأن المفترض أن تكون قوانين ومشاريع كهذه قائمة منذ عقود، والعالم اليوم يضع لمدنه خرائط رقميه تتجاوز رقم الشارع وتصل إلى رقم الشقة السكنية، فيما نحن لا نزال نبحث عن قصاصي الأثر كي نصل إلى عنوان معيّن وباستخدام تقنية السؤال : «يا أخي، تعرف بيت فلان؟».