في بيئة تتجاذبها الضغوط السياسية والثقافية والاجتماعية والعقائدية بمختلف أشكالها وأنواعها, إلى جانب التحديات الاقتصادية والفوضى الاجتماعية, تجد نفسها قيادة جامعة عدن مثقلة بهموم لا تساعدها البتة في انتهاج فكر استراتيجي حرصت دوماً على وضعه نصب أعينها. وبما إننا نعيش في مجتمع يتفرد بعلاقات شديدة التعقيد والتغير, فان الحاجة للتفكير الاستراتيجي تغدو أكبر لأنه يستهدف المستقبل ويحاكيه . والمستقبل لن يكون كما نريده إلا إذا استطعنا ان نواجه مشاكل الحاضر ونحلها . وقد لا يختلف اثنان حول أهمية التفكير الاستراتيجي لمنظماتنا ومجتمعاتنا وضرورته لخلق واقع أفضل. ولكن الاختلاف يكمن في فهم متطلباته والطرق المختلفة التي يُعترف بها. وبالذات من محدودي القدرة على استيعاب وفهم أن لا مستقبل لمن لا استراتيجيه له. وان الدفع بالأمور نحو الانشغال بما يقع مباشرة بين أيدي قيادات تلك المنظمات وابطائهم أو إلهائهم عن الرؤية الأبعد مدىً لمستقبل منظماتهم, إنما يقود إلى الانزلاق بتلك المنظمات والحط من قدراتها على ممارسة مهامها وتحقيق أهدافها المصاغة. وان كان ذلك يبدو اضعف أثرا في بعض المنظمات, فانه في المنظمات التعليمية عكس ذلك تماماً بل أن الأمر غاية في الخطورة. لان بها وفيها يتشكل الوعي. وبدونها لا وعي ولا معرفة ولا تنمية ولا رقي إنساني . والأمر هنا يتعلق بجامعة عدن والجنوح نحو كبح جماح قياداتها عن الانتقال السريع والمتميز بها إلى لعب دور يخالف ما يُرسم لها. وهنا ادعو كل من يعنيه أمر جامعة عدن للاطلاع على مصفوفة الأنشطة والفعاليات العلمية والأكاديمية والثقافية والأنشطة اللا صفية بأنواعها للعام 2010م ، وحجم المهام التي كلفت بها الكليات والأقسام العلمية ومراكز ومعاهد الجامعة. ومنطق الأمور أن كل ذو نظرة ايجابية تفاعلية, لابد أن يقيم الأمور كذلك. وهم بالتأكيد الفئة الغالبة. وان كل ذو نظرة سلبية, أو كل من يتمترس خلف مواقف لا تنسجم أو تتعارض مع ما يطلق عليه ايمانويل كاستلز (فضاء التدفقات أو space flows ). والأمر هنا يتعلق بالتدفقات من والى الجامعة من مخرجات بشرية وعلمية .. الخ. حيث يجد هولاء أنفسهم مستبعدين فينصرفوا لتشكيل كوميونات صغيرة كأسلوب من أساليب التعامل ومواجهة ظروف الاستبعاد. وهم مقتنعون أن لا سبيل لديهم سوى هذا الأسلوب لحماية أنفسهم ومصالحهم. وأنه بالتأكيد لن يجدوا إلا الوسائط والوسائل الإعلامية الورقية والالكترونية لتجاوز أو تهميش كل ماهو ضخم, وتضخيم كل ما هو ومن هو هامشي. وهؤلاء هم بالتأكيد قلة. ولكنهم مزعجون ومبدعون. ولكن إبداعهم يكمن في قدراتهم على التشويش على الآخرين. وصرف الأنظار عن الحقائق, وتقديم انفسم لدى أطراف خفية تستخدمهم مطيات ولهم مآرب منهم مثلما لسيدنا موسى عليه السلام في عصاه. أن جامعة عدن لها في القلوب طابع الرمزية لمدينة ووطن. وأن أخيار هذه المدينة وهذا الوطن لن يرضيهم استمرار الإساءة لجامعتهم أو لرئاستها, الذي برز كحالة قيادية لن تكرر. والشاهد على ذلك إدارته لقطاع التربية والتعليم في فترة دللت فيها حنكة فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح حفظة الله باختياره هو دون سواه للتصدي لكل تعقيداتها وتشعباتها التي كانت تميز تلك الفترة. إن ما تحاول القيام به جامعة عدن حالياً إنما هو إعادة تشكيل وتصويب ماضيها بموضوعية. سبيلاً لفهم حاضرها والتأسيس لمستقبل يتيح لها مشاركة أفضل في تشكيل وعي المجتمع وتحقيق تنمية حقيقية له . ولكن الأمر لا يبدو سهلاً. فالتغيير تواجهه مقاومة. وتتعدد الأسباب لذلك. ويمكن لنا عرض بعض من أهم المشكلات بالغة التعبير عن العلل التي يرفث بنا البعض من خلالها للوصول لكل ما لا يمت بصلة للأخلاق ولا للقيم ولا للدين ولا للتنمية. مثل :- 1) الاستخدام غير اللائق أو التوظيف غير السوي ( بوعي أو بدون وعي ) لما يتاح من حرية التعبير في وسائل الإعلام المختلفة .والناتج عن الفصل بينه وبين حرية المعتقد، والحريات السياسية الثقافية. 2) الشوفينية والعصبية للقبيلة، والمنطقة. والتي تمثُل كخيارات أكثر قبولاً, وبديلاً عن الدولة المركزية القوية والعادلة . 3) غلبة الذاتية في الحكم على الأمور، والتي تأتي مسنودة بدعائم عاطفية في الغالب. وتأتي على حساب الموضوعية والحيادية. مما يقود إلى مواقف عدمية من الآخرين ممن يحملون ماهو نافع للعامة. 4) منهجية تزييف الوعي الفردي والمجتمعي وتشويه الإرادة. مقابل الانتفاع أو التربح بفتات العوائد. إن منظومة القيم التي أنتجتها تكنولوجيا المعلومات في عالمنا المعاصر قد أفرزت أنماطاً مستحدثة من الأخلاقيات والسلوك تقع بالضرورة في المنطقة الوسطى بين ماهو عام (مجتمعي), له طابع الموضوعية وما هو ذاتي . والأول يتطلب أداة للرقابة عليه واتخاذ ما يلزم حياله. إذ انه يتعدى في بعض الأحيان الحدود, للمساس بالثوابت الأخلاقية والسلوكية التي جُبِل الناس عليها منذ‘ القدم. والثاني إنما هو سلوك ملتزم بطبيعته لأنه ينبع من الذات. كفئ وكفوا الأذى ، ووظفوا أقلامكم لما يواجهه الوطن من تحديات تستحق وتستدعي التركيز عليها بدلاً من التركيز والبحث عن صغائر الأمور وفتات الموائد. وأعلم يا أبا رامي أنك لن تنجح فيما لم ينجح فيه أبو البدر.. والله من وراء القصد. [email protected]