فتشت في الدفاتر القديمة للأحزاب السياسية اليمنية "حاكمها ومعارضها" فوجدت الثورة والوحدة ثابتين في جميع البرامج. ونبشت في ما تيسر من مجموعة القيم والمعارف اليمنية المكتوبة الأصيلة فلم أجد إلاّ التأكيد على أن الثورة فعل مستمر.. لأنه لولا استمرارية ثورة 26 سبتمبر لما تحققت الوحدة وما سبقها من ثورات الانعتاق من فواجع الكهنوت والاستعمار. * قد تتداعى مجاميع الفتن لتنفيذ أعمال تخريبية هنا أو هناك في مساعي تحاول القبض على لحظة ارتداد عن الجمهورية أو الوحدة لكنها تبقى مجرد مظاهر سلوك شاذ يحاول استنطاق المستحيل معبرة عن جفاف وطني وضمور فكري.. وشطحات ترهب المواطنين هنا وهناك وتعيق وصول الخدمات إلى بعض المناطق وتعطل التنمية لكنها أضعف من أن تحقق أوهام الحاقدين والفاشلين المسكونين بالشر. * قرابة خمسة عقود على الثورة لا يعني إلا أن عودة الكهنوت والجن وسيف الوشاح أشبه بعشم إبليس في الجنة. ومرور عقدين على انتصار منطق الدين والتاريخ والجغرافيا ومنطق النبض ممثلاً في وحدة يمنية التأمت بها الأسرة المشطرة وتشابكت فيها العواطف والمصالح والأوجاع والأحلام لا تعني إلاّ رسوخ الوحدة في الضمائر والعقول ومجرى الدم.. * قبل أيام خرج أحدهم من الحافلة وقال وهو يغادر مسرعاً وينك يا أيام الإمام فطاردته عيون وألسنة السخرية من جميع الركاب.. وقد نسمع من يغادر الحافلة ويترحم على أيام بريطانيا فتصيبه نفس نظرات التهكم بينما تواصل الحافلة حركتها صوب محطات العمل والأمل. * وهنا يجدر أن لا نستقي تقديراتنا للأمور من كلمة يطلقها معتوه.. أو قذيفة يفجرها بائس.. يائس من رحمة الله وإنما ننطلق في النظرة إلى الغد من منظور إدراك حقيقة أن هذه البلاد لا تدفع فاتورة أنها أقامت ثورة على أنقاض حكم كهنوتي ظالم ولا فاتورة أنها حققت الوحدة في زمن كان العالم من حولها يتشظى.. لكنها ثقافة الإفراط في تحولنا في اليمن إلى ماضغين للسياسة وكيدها في المقيل ومقر العمل وسوق الخضرة.. وأمام باعة الزعقة وحب العزيز.. * ولاحظوا كيف أن من يغضب من مسؤول فاجر أو من زوجته غير العاقر أو من مغالطة المقوت أو من حالة فقر أو وضع بطالة يتحول إلى سياسي عنيف يخوض في كل شيء.. ويكيل أحداث الكرة الأرضية من شرقها إلى غربها.. ولا ينسى في كل الأحوال أن يسيء إلى أكثر من ثابت وطني. * هي سلوكيات شاذة لا تمثل القاعدة العريضة لليمنيين الذين يكسبون من عرق جبينهم.. ويثنون على اللقمة الحلال ولا يغفلون أن يحفظ الله النعمة من الزوال - رغم المعاناة- وهؤلاء غالباً لم يتأثروا بالآلات السياسية والإعلامية التي أدمنت بث فيروسات القنوط.. وبكتيريا تفجير الإحباط بالعدوانية خارج قواعد الدين والنظام والانتماء.. ألا تلاحظون أننا نتفرد في اليمن بأنه حتى الحوادث الجنائية تتحول إلى حكايات ذات طابع حزبي وسياسي. * على أن استناد هذا الشعب العظيم على مجموعة من القيم والمعارف كعملية تراكمية متوارثة يستدعي أن تعمل الدولة اليمنية على تعزيز هذه القيم على طريق تأكيد الفعل الحضاري الذي يتم به محاربة روح الانهزام والإيمان بأن الثورة اليمنية ليست مجرد موعد مع احتفال وإنما يجب أن تكون فعلاً مستمرّاً يتم فيه تجسيد العمل المؤسسي وتفعيل أنظمة الرقابة وتطهير البلاد من المخرّب والعابث والفاسد وتنفيذ الأحكام على كل مدان في إطار إصلاح إداري ومالي شامل. * الثورة اليمنية تحتاج لأن تكون فعلاً مستمراً تبرز فيه قيم القدوة.. ويحضر فيه ميزان الثواب والعقاب.. وتؤكد فيه الدولة على أن الهيبة تتحقق في احترام المعايير وخضوع الكبير والصغير للقانون وحينها ستتحول كل مظاهر التخريب إلى فقاعات لا تقوى على الصمود أمام الاصطفاف فهل نستحضر الثورة كفعل مضارع.. ومستمر..؟!. كل عام والوطن اليمني بألف خير