يفترض في أي حزب أو أحزاب تستمد مشروعية نشاطها السياسي من الدستور والقوانين النافذة أن تحرص على ضبط إيقاع عملها وتوجهاتها وفقاً لمحددات وثيقة الدستور التي وفرت لها الضمانات لممارسة العمل السياسي والحزبي باعتبار أن أي خروج على هذه الوثيقة التي استفتي عليها الشعب وصارت بالنسبة له بمثابة العقد الوطني والاجتماعي، انتفاءً لمشروعيتها التي تسقط عنها كنتيجة طبيعية لأية تجاوزات أو خروقات تحدث منها. ولعل مثل هذا الأمر هو ما أغفلته قيادات أحزاب "اللقاء المشترك" أو بعضها، والتي صارت تتعامل مع مجريات العمل السياسي بمزاجية منفلتة وشطحات غير مسؤولة وشطط لا ضابط له ولا معيار، فهي ترفض الانتخابات لمجرد خوفها من انتكاسة جديدة تُمنى بها في صناديق الاقتراع بعد أن فشلت في الدورات الانتخابية السابقة في كسب ثقة الشعب وإقناعه بتوجهاتها والسياسات التي تتبناها. مع أن هذه الانتخابات ليست حكراً على هذه الأحزاب حتى ترفضها وإنما هي حق من حقوق الشعب البالغ عدده خمسة وعشرون مليون مواطن ومواطنة، وليس من حق هذه الأحزاب أو غيرها الوقوف في مواجهة هذا الحق أو السعي إلى تعطيله تحت أي مبرر من المبررات. وإذا أردنا أن نتحدث عن نماذج حية تدين تصرفات هذه الأحزاب المنتهكة للدستور، فإنه يمكننا أن نتحدث عن أربعة نماذج صارخة تجسد بالدليل القاطع أن هذه التوليفة قد تجاوزت الدستور في التفافها على العملية الانتخابية التي تشكل جوهر الديمقراطية، حينما اتجهت إلى معارضة هذا الاستحقاق واستخدام كل الوسائل غير القانونية بهدف تعطيله مع أنه حق سياسي وديمقراطي كفله الدستور لكل مواطن، والمنطق أن أي أحزاب في المعارضة هي من تطالب الانتخابات لا ترفضها باعتبار أن الانتخابات هي الوسيلة المتاحة للتبادل السلمي للسلطة. كما أن هذه الأحزاب - أو بعضها- قد ارتكبت مخالفة صريحة للدستور تضعها تحت طائلة المساءلة حينما قامت بالتحالف وجعل نفسها غطاءً لعناصر التخريب والتمرد التي أعلنت العصيان على الدولة ورفعت السلاح في وجه سلطة القانون وارتكبت العديد من جرائم القتل والإرهاب التي راح ضحيتها العشرات من المواطنين الأبرياء الذين سُفكت دماؤهم ظُلماً وعدواناً، ما يجعل هذه الأحزاب شريكاً فعلياً في كل تلك الجرائم والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسقط بالتقادم، ولن تستطيع هذه الأحزاب وقياداتها إعفاء نفسها من تبعات هذه الجنايات، قانونياً أو أخلاقياً، طال الزمن أو قصر!. وفي الوقت ذاته، فإن هذه الأحزاب قد تخطت الدستور حينما تبنت بعض الأطروحات الارتدادية والتآمرية على الوطن ووحدته التي تعد ثابتاً من ثوابت الشعب اليمني، وهذا الفعل المُدان والمحظور دستورياً وقانونياً هو ما أفصحت عنه هذه الأحزاب علانية في ما أسمته "وثيقة الإنقاذ" ودأبت على الترويج له في مؤتمراتها الصحفية بطرحها لمشروع "الفيدرالية" أو "اللامركزية السياسية" مع أن هذه المصطلحات الملغومة ليست سوى مدخل للانفصال وإعادة تمزيق هذا الوطن تحت غطاء ناعم. أما الأنموذج الرابع الذي يدين هذه الأحزاب - أو بعضها- بالخروج على النظام والدستور، فيتجسد في ما صرحت به بعض قياداتها أن هدفها الأساسي في هذه المرحلة هو إسقاط النظام السياسي المنتخب من الشعب والذي لم يأت على ظهر دبابة أو فوهة بندقية، وإنما عبر صناديق الاقتراع، مدفوعة بتلك الروح العدائية التي عبر عنها أحد قياداتها حينما قال: إننا إذا ما دمرنا اليمن من أجل هذه الغاية فإننا سنعيد بناءه. مع أن من يهدم ويخرب لايمكن أن يكون أداة من أدوات البناء!!. ونعتقد أن من يرتكب كل هذه الجنايات والتجاوزات والخروقات للدستور، لا يحق له التشدق باسم الديمقراطية أو ينصب نفسه وصياً على هذا الشعب أو يجعل من نفسه متحدثاً باسم مكونات العملية السياسية والحزبية على الساحة اليمنية، والتي تشكل أحزاب "المشترك" الجزء المريض فيها وهي بالفعل كذلك. فأحزاب لاتلتزم بالدستور ولا تحترم الثوابت الوطنية ولا تمتثل لإرادة الشعب، هي أحزاب - من الناحية العملية- فقدت مشروعيتها وتحللت كلياً من هذه المشروعية، وإذا كان هناك مسوغ لبقائها فليس سوى مسوغ التسامح والعقلانية والحكمة والحلم من جانب القيادة السياسية التي ما زالت تأمل في أن الديمقراطية كفيلة بإعادة هذه الأحزاب إلى الصواب والرشد ودفعها إلى تصحيح مواقفها والخروج من زواياها وأقبيتها المظلمة، وأن هذه الأحزاب سوف تعتاد مع الزمن على ممارسة الديمقراطية وتُطيع نفسها على قواعدها وأخلاقياتها وقيمها الحضارية، وذلك باستيعابها لحقيقة أنه لا ديمقراطية بدون الامتثال للدستور باعتباره العقد الاجتماعي لكل اليمنيين.