استعير جملة للإعلامي المصري يسري فودة فحواها: «بات علينا سحب رؤوس تدفن نفسها في الرمال» العبارة تتطابق مع ما نعيشه حالياً في واقعنا اليمني الذي تشابكت فيه الحالة الثورية مع الحالة السياسية مع حالة جمود في تصور المستقبل غير الآمن مع كيمياء المادة الرابطة الأساسية المتمثلة في ضرورة التغيير الجوهري ووجوب شموله لكل أشكال تلبد غيوم العيش الكريم وبئر الأزمات الذي لا ينضب. فكل ما يجري من قتل وهدم وحرق يطال الإنسان والقيم والأخلاق يفرض على كل الرؤوس الخروج من مدافنها سواء كانت مدافن صمت أو مدافن تمترس وأمزجة حولت الخط السياسي إلى خبط وضرب حتى على رغيف الخبز. المسؤولية أمام الله سبحانه ثم أمام دماء الناس وأرواحهم وحياتهم تطرق الأبواب طرقاً شديداً، وعلى كل من يحمل مثقال ذرة من الإنسانية أن يستشعرها وأن يصنعوا معروفاً في البلاد والعباد ويقدموا على خطوات تجنِّب الشرور ووعيد الويل والثبور التي ترشح من بثور وتقرحات الأنا والثقافة المزمَّلة بثوب تم تغييره بدون اغتسال. واجب الجميع نحو الوطن ومديونية القلة النفوذية التي أكل المن والسلوى أن يرأفوا بحاله وأن لا يعمقوا جراحه المثخنة. بأمر قداسة الوطن يكفي إلى هنا، يكفي قهراً لإنسانه وأرضه. تجرعنا الكفوف والكفاف من كل ألوان التنفذ والتسلط والتعنتر فيكفي. يكفينا دولة ضعيفة وقانون يخجل خيال المآتة من تشبيهه به لما له من أثر لم يصل تطبيق القانون إلى مستواه إلا إذا ضربت العروق في الجبين فيتم تطبيقه على من لا حول له ولا قوة وعلى لا يعرف حُمرة العين إلا سهراً وقهراً. ماعاد أكثر الأشياء محتملاً ولا كل المقايضات والمناورات مستساغاً، فالدوامة تتسع ولا تنتج غير استنساخ دوامات أخرى بداخلها الدم المسفوك والأفواه الجائعة. والناس تواقون للانعتاق من الواقع المرير لكن ليس بالخنق وعدم القدرة على إعادة التخلق وإنتاج أساطين جديدة وليس بالانجرار وراء حكاوي (ظل رجل ولا ظل حائط)، والتنادي للتظلل بالمظلات ذاتها التي قام التنفذ في كنفها وترعرع تحتها، ومنها زحف على كل شيء من الأبرة حتى الصاروخ. عدم قدرتنا على التخلي عن معدتنا المجترة التي تلوك القديم مشكلة تحتاج إلى إخراج رؤوسنا والاعتراف بها.. هذه هي الواقعية التي يجب أن تكون، ومنها يجب أن نؤسس للمستقبل الذي إن لم يكن واضح المعالم من الآن فلن يكون ذا معالم لفترة طويلة جداً خاصة أننا نعتضد بالخارج على الداخل ونلعب على الإرادات والترضيات والإمدادات الخارجية أكثر من الجد في التعامل مع حوائج الداخل، والفرق بين اللعب وبين الجد كبير، وعلى مستوى ومصير الوطن يكون الفارق كارثياً ونحن لا تنقصنا الكوارث. سحب الرؤوس من الرمال عملية غير سهلة خاصة من الرمال المتحركة التي تصور للرؤوس الغارقة فيها أنها ليست غارقة وغير هاربة من المواجهة الحقيقية مع كامل الواقع الأعمى والذي يظنه البعض أعوراً فقط.