لقد أدى التقدم العلمي الى نقل معدلات التقدم الحضاري البشري الى مستويات غير مسبوقة من التطور والتسارع , وبما غير النظرة التي كانت سائدة في الماضي والتي تتضمن حجم السكان , والارض , والمواد الخام , والقاعدة الصناعية , والقوة العسكرية. وبالرغم من اهمية هذه المعايير إلا ان هناك معياراً اصبح هو الحاكم والاهم بلا منازع والذي يمكن له ان يفعل المقومات التقليدية للقوة وهو التقدم العلمي والتكنولوجي.. وكما قال الكاتب الامريكي ديفيد اغناتيوس: عندما يفكر الناس في القوة الامريكية فإنهم يذكرون عدد الطائرات القاذفة وحاملات الطائرات والقوات العسكرية بمختلف اشكالها, غير ان مصادر القوة الاستراتيجية الاعظم لأمريكا تكمن في سياستها التعليمية والبحثية والفكرية. ويرى خبراء التعليم أن إصلاح التعليم هو أساس التغيير المنشود وأمل النهضة المنتظرة في اليمن وأنه يتصل بحلم اليمن في التنمية الشاملة المستدامة بكل ابعادها (الاقتصادية, السياسية, الاجتماعية, البشرية, الصحية.. الخ) وهنا يجب على المؤسسات التعليمية والفكرية مواجهة مناهجها على جميع المستويات للتعرف على ما مدى انسجامها مع القاعدة العلمية والمعرفية السليمة التي تبني كيان الفكر البشري، بحيث يكون هذا البناء مدعما بالتجديد والابتكار في الفكر، بداية من الطفل إلى مراكز البحوث. ولكي نبدأ رعاية العقول اليمنية في مراحل مبكرة فإننا يجب أن نرعاها منذ مرحلة التعليم الأساسي والثانوي والجامعي وما بعد الجامعي وأن يحدث ذلك من خلال حلقات متكاملة تهدف إلى توفير الكوادر الفنية وتؤهل المهنيين والمديرين في قطاعات متعددة، وحالة التقزم التي تعيشها اليمن هي ناتجة عن مجموعة من العوامل وابرزها انهيار نظمها التعليمية والتربوية والابداعية والفكرية.. نعم التربية وحدها عاجزة على ان تغير المجتمع, بالتالي يجب ان تضاف الى جهودها ايضا جهود سائر ميادين الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وسواها , فالتربية هي عبارة عن نظام فرعي من نظام كلي وشامل بينها وبينه صلات وروابط تأثر وتأثير متبادلان, وتغيير المجتمع اما ان يكون كليا او شاملا لكل مقوماته او لا يكون , وهذا التغيير الكلي يتطلب العمل المتوازن والمنسجم على تغيير مقومات المجتمع كلها, انطلاقا من الغاية المرسومة.. ودور التربية يظل أساسياً لأنه مرتكز على تغيير الانسان الذي هو صانع التغيير, وتغيير الانسان وتطويره وتنميته شرط جوهري ورئيسي لتغيير اي مجتمع , فضلا على انه هدف في حد ذاته. وفي ظل هذا العصر والمتغيرات السريعة تشتد الحاجة الى ربط التربية بمتطلبات التنمية الشاملة, وخصوصا اعداد القوى العاملة التي تستلزمها التنمية الشاملة في شتى الميادين.. اما وسائل تغيير المجتمع وبناؤه فقد اصبحت وسائل واسعة النطاق, فهي لا تتضمن التربية النظامية وحدها (التربية التي تتم في مراحل التعليم المختلفة) بل وتتضمن التربية شبه النظامية التي تتم خارج نطاق المدرسة في مراكز التدريب ومؤسسات العمل ومواقع التطوير المستمر , وتتضمن ايضا التربية غير النظامية عن طريق ما يسمى بالمدرسة الموازية كالاعلام بكافة اشكاله وألوانه وانواعه , والمؤسسات الثقافية , والتربية العفوية في المنزل . وهناك اثنا عشر مبدأً رئيسياً يجب ان تتضمنه الفلسفة والسياسة التربوية الفعالة وهي كالتالي: المبدأ الانساني: تأكيد مكانة الانسان في نظام المجتمع ونظام الوجود عامة, وتمكين المتعلم من تنمية شخصيته في كل الابعاد الفكرية والوجدانية والخلقية والروحية والجسمية والاجتماعية على نحو متكامل ومتوازن .. المبدأ الايماني: ترسيخ الايمان بالله والعقيدة الاسلامية . المبدأ الوطني والقومي: التوجيه القومي العربي للتربية والثقافة والعلوم من حيث سياساتها واهدافها ومحتواها ومؤسساتها وسائر نشاطاتها, وجعل العمل من اجل الوحدة العربية محورا رئيسيا لها .. المبدأ التنموي: توفير الترابط والانسجام بين التنمية التربوية والتنمية الشاملة المبدأ الديمقراطي: تنمية حس التعاون والتكامل بين المواطنين, والحوار والتسامح, وتمكينهم من المساهمة في اتخاذ القرارات, وتنظيم المجتمع تنظيما يرتكز على ارادة الجماهير , والاعتماد على المشاركة والشورى في ممارسة السياسة والادارة - المبدأ العلمي: عناية التربية بترسيخ العلم لدى المتعلمين منهجا ومحتوى , واسهامها في تطوير البحث العلمي . المبدأ العملي: عناية التربية بالربط بين الفكر والممارسة العملية , وبترسيخ المواقف الايجابية نحو العمل , وباعداد المتعلمين لمطالب العمل في المجتمع وتطوراته المستقبلية. يتبع