من مشاكل اليمن الخطيرة، التي لا تنفع معها التوعية وتبصير الناس بمخاطرها، وما لم يكن ذلك مصحوباً بقرارات حاسمة وملزمة تتخذها الحكومة ونتابع تنفيذها والعمل بها، بما يعكس توجهها العالم لمعالجة تلك المشاكل.. من هذه المشاكل ثلاث تتصدر القائمة، أولها مشكلة المياه الجوفية، وثانيها الانفجار السكاني وتناميه المخيف، اما ثالثتهما فتدني مستوى التعليم، ورداءة مخرجاته. لنأخذ إحداها كموضع لهذا الحديث- أو العمود- وهي مشكلة المياه الجوفية وتناقصها وإهدارها والموقف السلبي من العبث بها، خاصة بعد دخولها دائرة الاستغلال كمصدر للثراء وجمع المال وان مما هو ملك الجميع. قبل أسابيع استبشرت خيراً، عند سماعي للأخوات والاخوة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل يناقشون موضوع المياه والمشاكل والمخاطر المترتبة على تناقصها واستهلاكها غير المرشد وجفاف بعض الأحواض المائية أو قرع أجراس مخاطر جفافها أو نضوبها. أصغيت لأحاديثهم والمعلومات الهامة التي وردت على ألسنة البعض منهم، ولكنني أحسست أني أمام من ينطبق عليهم المثل القائل (لا تشكي لي ابكي لك) سمعت حرصاِ قلقاً وشكاوى كالبكاء. فقلت لنفسي ما عسى هذا أن يفعل أو يضيف.. ازاء مشكلة في غاية الخطورة وتحتاج إلى توجه حكومي عام واجراءات صارمة وحازمة. فمنذ أواخر سبعينات القرن الماضي، وأنا واحد من الذين تعبوا وتعبت أقلامهم كتابة عن المياه الجوفية ومشكلتها ومخاطر ما يترتب على التساهل ازائها، إلى درجة أن زميلة سألتني عند زيارتي لمدينة عدن أو لشطرنا الجنوبي سابقاً- عام 1986 عن سر كثرة كتابتي عن المياه واهدارها وضرورة التعامل معها بما فيه مصلحة اليمن واجياله.. وهل أرمز بذلك إلى شيء معين لا استطيع الافصاح عنه عبر برنامجي الإذاعي اليومي (حديث الناس) كونه يبث من الإذاعة الرسمية للدولة. هكذا بلغ الأمر بالموضوع واصبح موضع تفسير وتأويل خاصة عند من كانوا يستمعون كثيراً إلى ما تبثه إذاعة صنعاء وتركز عليه، كما كان هنا من يصغي إلى إذاعة عدن وما يتصدر اهتماماتها.. وها نحن ندخل قرناً جديداً وينتهي عقده الاول ولازالت المياه مشكلة ماثلة أمام الجميع، ونفاجأ أن نقاش المشكلة في إحدى جلسات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، لم يخرج عن نطاق الشكوى والتحذير من المخاطر ولم يرتق إلي درجة المطالبة باتخاذ الاجراءات العملية التي كثيراً ما طالبنا بها كاجراءات لابد من اقترانها بحملات التوعية بالمشكلة وطرق ترشيد الاستهلاك ومن تلكم الاجراءات المطلوبة من الحكومة ما يلي: - اعتبار الثروة المائية في جوف الارض ثروة مملوكة لكل الناس وللأجيال من بعدنا، وليست ملكية خاصة، وينطبق عليها ما ينطبق على الثروات العامة كالنفط والغاز وغيرهما، وسن القوانين المشرعة والملزمة بذلك. - يمنع حفر الآبار الارتوازية الا بموافقة الجهات المعنية، وفقاً للضوابط والاجراءات والمصوغات القانونية والبيئية المقنعة. - أن يُعمل بما هو معمول به في دول العالم بخصوص ضوابط حفر الآبار الارتوازية، ولن تأتي ببدعة بل بما هو معمول به عند الآخرين بما في ذلك البلدان العربية الغنية بالمياه النهرية والتي تغذي الثلوج الموسمية مياهها الجوفية كمصر والعراق وسورية. - يمنع حفر الآبار الارتوازية بغرض الاتجار بالمياه كون البئر في ملكية خاصة، لأن المياه ملكية عامة، ولهذا نجد بلداناً تضع عدادات المياه على الآبار التي يسمح بحفرها من مزارع خاصة، ويدفع صاحب المزرعة ثمن ما يستهلكه من المياه وان كانت البئر في مزرعته. - الالزام بري المزروعات عن طريق التنقيط عبر الشبكات المخصصة لذلك ومنع الري عن طريق الغمر بالمياه، وإن اقتضى الامر منع زراعة ما يستوجب ريه عن طريق الغمر. - أن تقوم الدولة - وهي ملزمة بذلك- بتوفير المياه للاحياء السكنية والمنشآت عن طريق حفر الآبار الخاصة بها، ووضع حدٍ للتذرع بحفر الآبار بغرض بيع المياه للأحياء السكنية التي لم توفر الحكومة المياه لها واكتفت برخص البناء فقط. هناك معالجات يعرفها كل مختص هي وحدها الكفيلة للتقليل من مشكلة المياه ومنع العبث بمخزون ابنائنا من المياه ومشكلة كهذه لا داعي لطرحها على مؤتمر الحوار الوطني.. ولا يجوز التساهل أمام الاجراءات المطلوبة من الحكومة للحفاظ على الثروة المائية وإلاَّ سخر منا الآخرون وذمتنا أجيالنا إن مشكلتنا مع المياه لا تحتمل التسويف أو مجاملة البعض على حساب شعب بأكمله وأجيال قادمه.