بعد أشهر طويلة من المواجهات الدامية, ومن المحاولات اليائسة لإحراز تقدم أو انتصار عسكري على الجيش واللجان الشعبية وعلى الشعب اليمني المدافع عن القيم والمبادئ وعن السيادة والتاريخ. استطاع مارتن جريفيت أن يقود السعودية من أذنها إلى استوكهولم في السويد وانصاعت تحت ضغط دولي إلى هذه المشاورات وهي كارثية, فيما قبلت القيادة السياسية في صنعاء أن تذهب إلى استوكهولم بعد أن فرضت شروطها في نقل الجرحى الخمسين مع مرافقيهم للعلاج خارج اليمن.. بعد أن حاولت القوى الأخرى المصطفة مع العدوان أن تختلق المعاذير وأن تورد كل مكايدها لمنع سفر الجرحى للعلاج في الخارج, إذ لم تراع تلك القوى المرتهنة لقرار غيرها الجانب الإنساني, وحشرت التعاطي السياسي مع هذا الملف في تحدٍ صارخ لكل المواثيق الدولية الإنسانية التي تكفل للجرحى الحصول على العلاج وعلى الاستشفاء وعلى إنقاذ الحياة.. وهذه روح إنسانية استطاع الوفد الوطني أن يجعلها محورية في مشاركته في مشاورات السويد, وظهر أمام العالم أجمع أن الجانب الإنساني له أهميته القصوى لدى قيادة صنعاء وهو المحور الرئيسي في اهتمامات الوفد الوطني والقيادة السياسية والتوجه الذي تمثله صنعاء العاصمة, وصنعاء المشروع الوطني المستقل.. ومثل هذا السلوك الراقي الإنساني حشر الطرف الآخر في زاوية ضيقة وأظهرهم أنهم يسيرون على غير هدى وأن لا مشروع لديهم وظهروا منقسمين ولا يملكون قرارهم وانكشفوا أمام انفسهم أنهم أقل من موظفين يعملون بالأجر اليومي.. وإن كانت هناك تنازلات قدمها الوفد الوطني ونحن لا نظنها تنازلات، بل هو عمل قدم من أجل الوطن.. من أجل اليمن على طول امتداده الجغرافي من شرقه إلى غربه ومن جنوبه إلى شماله.. المهم في كل هذا الأمر.. إن هناك شعوراً قوياً لدى القيادة السياسية والعسكرية والوفد الوطني المشارك في مشاورات السلام في السويد بمعاناة البلد وإحساس بما يعتري المواطن الذي ظل واستمر في تجشم كل هذا العناء والمشقة, ويظهر كل هذا الاحتمال والاصطبار من أجل الكرامة الوطنية, وفي مواجهة عدوان وغزو ومحاولات احتلال وهيمنة.. وهذه الصفة الاحتلالية والهيمنة حتى أولئك الذين رهنوا إرادتهم وقرارهم بالمتدخل الخارجي الإقليمي, وبدأوا يعلنون عن تذمرهم منها.. يجب أن يفهم الجميع أن مشاورات « استوكهولم» حركت مياهاً كثيرة كانت شبه جامدة, وحررت مواقف أوروبية داعمة لليمن ولمظلوميتها كانت خفية, من أجل رفع المعاناة عن الشعب اليمني كله الذي وقع بين فكي كماشة ولم ينج منها أحد, فالأزمات الطاحنة والإفقار والحصار والتجويع طالت الكل, وأن كان المدافعون عن الكرامة والحرية والاستقلال في صنعاء التاريخ والحضارة والكرامة والسيادة قد تضاعفت معاناتهم إلا أن الجميع دفع الثمن باهظاً, وستكون أمام اليمن عقود من النضال والكفاح والتعب والجهد حتى تستعيد عافيته وحتى يتمكن من ترميم النسيج الاجتماعي الذي مزقته هذه العدوانية العبثية. اليمن في هذا الظرف بحاجة إلى مزيد من تحكيم العقل, وبحاجة إلى مناخ نظيف بعيداً عن أذرع التدخلات جميعها ..وهو بحاجة إلى أن يكون خالياً من القوى الأجنبية التي اندفعت إلى فرض هيمنتها على أجزاء عديدة من أرضنا. اليمن في هذه المرحلة بحاجة إلى قرار مستقل وإلى العودة إلى حكمة أهله التي وصفها رسول العالمين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الأخيار الطاهرين, بعد أن أثخنت جراحاته, وبعد أن بلغ من هذا البلد الطيب الإنهاك مبلغه.. فمتى يصحو أولئك الذين ظنوا أن الدخلاء المتدخلين سيحرصون على استقلال البلد وقراره الوطني, فمتى يعودوا إلى رشدهم لان المآلات التي بدت على أفق أولئك لا تبشر بخير, ولن يفيقوا إلا وقد وقعوا بصورة كاملة في كارثة ذاتية, وفي كارثة وطنية.. لأن العبثية التي ظهرت في ما يسمونها المحافظات المحررة تجعل كل ذي عقل وبصيرة ووعي يعيد حساباته آلاف المرات.. وأن ينظر إلى ما حدث ويحدث برؤية وطنية خالية من كل المغالطات للنفس وللوطن والشعب.. المهم الآن وعلى عتبات هذه المرحلة من مشاورات « استوكهولم» في السويد أنها وضعت الجميع أمام مسؤولية تاريخية عظيمة والعالم اجمع يراقب والشعب اليمني الصابر الصامد يراقب, والتاريخ لن يرحم أحداً.. ولن يجد المتهربون من السلام مفراً من المواجهة مع النفس ومع التاريخ, مهما تحذلق البعض, ومهما حاولوا أن يتنصلوا من الموقف الوطني المسؤول. لأن الذي يجري الآن، بل بعد ساعات، بل وأثناء مشاورات استوكهولم، يكشف أن لا نية حقيقية للسلام لدى الطرف الآخر, وأن قوى التدخل والاحتلال لديها حسابات أخرى ولا تهمها معاناة الشعب اليمني, ولا ترغب أن ترى استقراراً في المنطقة, وأن أزماتها الداخلية قد استفحلت ولا تجد مفراً من استحقاقاتها غير الهروب إلى اليمن ودماء اليمنيين من أجل إشغال المنطقة وإشغال شعوبها بمثل هذه الحروب العبثية.. والسؤال الملح الآن هو أية عقلية وأية رؤية لدى أولئك الذين تحولوا إلى مقاولي قتل, والى متعهدي صراعات, لأن كل دم يراق, وكل ضحية تقع, وكل ألم يتواصل وسط هذا المجتمع المنهك فإن ثمنه سيدفع لاحقاً, ولن يعفى من هذا الدم الذي يسفك أولئك الطغاة المتجبرون, فرب العرش العظيم لا تغيب عنه هذه الفظائع وهذه مسألة بديهية ونأمل أن لا تغيب عن بال أولئك الذين يجدون في استدامة الحرب العدوانية العبثية مصدر عيش, ووظيفة يعتاشون منها وما نود أن نؤكد عليه هنا.. أن خيارات الصمود والتصدي والمواجهة, لم تغب عن بال الذين تصدروا لهذه المواجهة التاريخية, وأن الإرادات شديدة البأس وشديدة المرابطة, وأن الصمود سوف يستمر ويتواصل وذهاب وفدنا الوطني إلى « استوكهولم» لم يأت من ضعف ولم يأت من إنهاك للقوى الوطنية المدافعة عن اليمن وعن صنعاء كما قد يظن البعض.. وإنما جاء من مصدر قوة ومن ثقة في النفس ومن إرادة صادقة في السلام وفي استعادة الثقة, وستثبت الأيام صدق ما نشير إليه, إن ركب العدوان رأسه, أو غابت الحكمة عن عقول قيادة العدوان والغزو.. إنها الفرصة الأخيرة للسير نحو السلام عبر مشاورات « استوكهولم» ونأمل أنَ تقتنصها قيادة العدوان وممولوه وداعموه.. فلدى المواجهين المتصدين للعدوان الكثير, وقدرات المدافعين عن الوطن والسيادة الوطنية والقرار الوطني متجددة, واليمن العظيم أقوى وأشد مراساً وبأساً في مواجهة المعتدين الغزاة وخبرات وتجارب قرابة أربعة أعوام من المواجهات كافية لتفهم من يريد أن يفهم, وكافية لأن يعيد العدوان حساباته قبل فوات الأوان, لان المنطقة ستدخل في دوامة لن تخرج منها دول العدوان دون أن تدفع الثمن باهظاً إن استمر هذا العناد وتواصل هذا العدوان. مساعد وزير الدفاع للموارد البشرية