أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا.. لست مؤرخاً ولا كاتباً كبيراً.. لكنني اجتهد ليس إلا في كتابة هذا الموضوع وما اكتبه هنا من احداث خلال أواخر الستينات من القرن الماضي هو نتف لما تبقى من الذاكرة لما درسته في مدرسة النجمة الحمراء أو الكلية العسكرية أو معهد باذيب للعلوم الاجتماعية، اما احداث السبعينات والثمانينات من القرن الماضي فقد عايشت بعضها بشكل مباشر ولي مشاركات بسيطة فيها ولعل أمرها واقساها احداث يناير الدامية عام 1986م، حيث اكتويت بنارها.. وفي زنزانة الاعتقال شربت في احدى أيامها بولي من شدة العطش. ان الذين قالوا او كتبوا بان تجربة الثورة والدولة في جنوب الوطن حالكة السواد هم مصابين بعمى الألوان لا يرون إلا الأسود منها.. ومن قال إن تجربة الدولة في الجنوب خالية من السلبيات او الهنات فهو نرجسي لا يرى إلا نفسه، لكن الواقع ان تجربة الثورة والدولة في جنوب الوطن لها كثير من الايجابيات وعليها قليل من السلبيات ومن ابرز سلبياتها التباينات الايديولوجية التي كانت تتحول الى صراع مسلح بين الرفاق.. على سبيل المثال انقلاب 20 مارس 1968م وما عرف ب»ضم العين» بأحداث سالمين في 26 يونيو عام 1978م لكن امرها وأقساها كانت احداث 13 يناير عام 1986م.. سيتم عرض مثل هذه الاحداث بشكل تسلسلي حسب تواريخ حدوثها في إطار هذا البحث الحيادي. عودة الى الموضوع قلت في الحلقة الماضية او بالأصح اهم ما قلت وهو اتخاذ قيادة الشطر الجنوبي من الوطن بعد الاستقلال مباشرة إجراءات عاجلة اتسمت بالدقة والعمق وبحسب أولوياتها تمثل ذلك بتوحيد خمسة وعشرين إمارة وسلطنة ومشيخة في إطار الدولة المركزية ان هذا الاجراء يعتبر المرتكز الاول لبناء الدولة. وقد اتخذت قيادات الجنوب بعد الاستقلال إجراءات تدريجية لإنهاء التعصب القبلي أو المناطقي حتى تسميات المحافظات سميت- بضم السين- بالأرقام: عدن المحافظة الأولى- لحج المحافظة الثانية- أبين المحافظة الثالثة- شبوة المحافظة الرابعة- حضرموت المحافظة الخامسة- المهرة المحافظة السادسة. وقد أخذت القيادة حينذاك بعين الاعتبار أخطاء التجربة في الشطر الشمالي من الوطن التي كانت تهيمن أو تسيطر على مفاصل الدولة حينذاك مراكز القوى القبلية والمشايخ، لذلك تم محاربة التعصب القبلي وتم البدء بتأسيس جيش وطني يكون ولائه للوطن والشعب، حيث تم انتقاء أفضل العناصر الشابة من كل مناطق الوطن شمالاً وجنوباً للانتساب إلى المؤسسة العسكرية والأمنية إلى جانب قوام الجيش السابق والذي كان يسمى جيش الجنوب العربي والبالغ عدده 11.000 عسكري تقريباً، وقوام الشرطة السابقة البالغ عدد أفرادها وضباطها 9.000 تقريباً.. وهذا الإجراء يعتبر المرتكز الثاني والمهم في بناء مؤسسات الدولة الفتية ومنتسبي الجيش والأمن منذ الاستقلال في عام 1967م وحتى 22مايو 1990م كانوا من مختلف مناطق اليمن شمالاً وجنوباً. إن واحدية الثورة اليمنية كانت ماثلة للعيان وملموسة في جنوباليمن.. فالثورة الأم ثورة 26سبتمبر 1962م كان اكبر انجاز لها انها هيئت الظروف الملائمة لقيام ثورة 14 أكتوبر 1963م في الجنوب.. وقادة الكفاح المسلح ضد المستعمرين الانجليز التي استمر من 1963م الى عام 1967م هم من الشمال والجنوب أمثال عبدالفتاح اسماعيل ومحمد سعيد عبدالله الشرجبي وسالم ربيع علي وعلي ناصر محمد وغيرهم.. وشهداء ثورة 14 اكتوبر هم من الشمال والجنوب أمثال: عبود وبدر ومدرم والحبيشي وغيرهم، وقادة الدولة بعد الاستقلال هم من الشمال والجنوب أمثال: فتاح ومحسن والضالعي وقحطان الشعبي وعلي سالم البيض والعكبري وغيرهم. لذلك فان الرجعية العربية وعلى رأسها الرجعية السعودية وعملائها في اليمن عملوا جاهدين على إسقاط دولة النظام والقانون دولة المؤسسات التي تكونت بعد استقلال جنوب الوطن عام 1967م واستهدفوا نظامها اليساري تحت مبرر انه «شيوعي» لكن كل المحاولات باءت بالفشل لكنها أثرت سلباً على مسار الثورة والدولة في جنوب الوطن.. أول تلك المؤامرات تمثل في انقلاب 20 مارس الرجعي عام 1968م- أي بعد نيل الاستقلال بثلاثة شهور وعشرين يوم- وهو الانقلاب الذي قام به اليمني الرجعي في الجبهة القومية ونفذه شلة من العقداء أبرزهم حسين عشال وعبدالله أبو سبعة والزربة وغيرهم في مدينة زنجبار عاصمة المحافظة الثالثة- حالياً أبين- وقد كسروا ضلع عبدالفتاح اسماعيل ابرز وزراء الحكومة الوليدة وأمين عام التنظيم السياسي الجبهة القومية لكنهم لم يستطيعوا كسر عزيمة فتاح ورفاقه القادة اليساريين أمثال: سالم ربيع علي وعلي ناصر محمد وجاعم صالح علي صالح عباد مقبل وعلي سالم لعور وسالم صالح محمد وغيرهم.. حيث قام عناصر اليسار بحركة 14 مايو الثورية عام 1968م التي فشلت نسبياً لكنها هيئت الظروف الملائمة لقيام خطوة 22يونيو 1969م التصحيحية المجيدة التي إعادة للثورة والدولة في جنوب الوطن وجهها المشرق وقضت على عناصر اليمين وهرب ما تبقى منهم الى شمال الوطن أو السعودية وبعد أيام قلائل تم إعادة تشكيل الحكومة وتم تعيين القيادة للدولة من التالية أسماؤهم: سالم ربيع- رئيساً لمجلس الرئاسة. عبدالفتاح اسماعيل- عضو مجلس الرئاسة- أميناً عاماً للتنظيم السياسي الجبهة القومية. علي ناصر محمد- عضو مجلس الرئاسة- رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع. وبعد ذلك وجدت دولة مهابة لا يحمل أي شخص السلاح باستثناء الجيش والأمن.