وبالرجوع إلى محفوظات التاريخ وأرشيفه وذاكرته وإلى مراحل وعهود سحيقة وبعيدة منه تعود إلى ماقبل الإسلام وأيام الجاهلية وبعدها والتوقف قليلا عند بعض المنعطفات والمحطات التاريخية الهامة فسنجد ونلاحظ من وحي ذلك ومعه مدى التأثير القوي والكبير لجملة من الأحداث والوقائع والتراكمات التاريخية على شكل وطبيعة العلاقات الثنائية بين عرب شمال الجزيرة العربية في نجد والحجاز حيث البداوة وحياة الأعراب رعاة الأبل وعرب جنوب الجزيرة في اليمن مهد العرب الأول وموطن الحضارات التاريخية العريقة وبناتها وارتفاع وتيرة التنافس والصراع بين الجانبين على الظهور والبروز والنفوذ والسيادة واستمرار ذلك الصراع وديمومة احتدامه على أكثر من صعيد وجبهة مفتوحة وتأثيراته المباشرة وغير المباشرة ونتائجه وتداعياته الكثيرة على الإخوة الأعداء في شمال الجزيرة وجنوبها وعلى العلاقات فيما بينهم في كل مراحل التاريخ قديمه وجديده وحديثه ومعاصره. بيد أن التراكمات التاريخية الكثيرة التي أسلفنا الإشارة إليها فيما تقدم ذكره قد ألقت بظلالها القاتمة على علاقات الشعبين والبلدين الجارين وحددت مساراتها وشكلها وطبيعتها وأثرت عليها سلبا وايجابا وشكلت بيئتها الخصبة وحاضنتها الاجتماعية والسياسية والثقافية القوية ودفعت الجانب السعودي بالتالي إلى التحرك من ذلك المنطلق وعلى ذلك الأساس والخلفية للتعامل مع اليمن وقضاياهم والتدخلات العديدة والمستمرة والمرفوضة في شؤونهم الداخلية دون وجه حق . وكما سبق وأشرنا إليه من قبل فقد أخذ التدخل السعودي الفج في شؤون اليمن خلال المائة عام المنصرمة وحتى اليوم صوراً وأشكالاً متعددة ومتنوعة وتجسد في أكثر من أسلوب وطريقة وممارسة وسلوك ممنهج تصر الرياض على مواصلته والاستمرار فيه وتنمية وتطوير وتفعيل ادائه بما يحقق لها الأهداف المرجوة منه على المدى القريب والبعيد. وقد وجدت مملكة قرن الشيطان في بعض العملاء والمأجورين الذين يدورون في فلكها من أبناء هذا البلد ممن باعوا أنفسهم وذممهم لها بثمن بخس في كل المراحل والظروف ضالتها المنشودة ووسيلتها المناسبة للمضي قدما في التدخل في شؤون اليمن ومحاولة فرض الوصاية والقرار السعودي على أبناء شعبه على حساب خياراتهم الوطنية وسيادتهم على أرضهم بلا تدخل واملاء وتأثير خارجي أيا كان شكله أو نوعه أو مصدره ومبرراته وأسبابه. وقد أدركت السعودية أكثر من غيرها على مدى العقود الزمنية الطويلة الماضية حجم التحدي الذي تواجهه سياستها المنتهجة للتدخل في شؤون اليمن بل وفشلها واخفاقاتها على هذا الصعيد في أكثر من جانب، وإن حققت بعض الأهداف والمكاسب المحدودة على ذات الطريق وفي نفس الجانب والمجال إلا أن ذلك يبقى محدودا وآنيا وأقل بكثير مما تطلعت إليه واعتمدت لها تكاليف باهظة. وقد شجعت المكاسب التي حققتها مملكة آل سعود في حربها على اليمن في عام 1934 ميلادية وسيطرة قواتها على مساحة شاسعة من الأراضي اليمنية التي احتلتها ومن بينها عسير ونجران وجيزان حكومة عاهلها الملك عبد العزيز آل سعود على اتخاذ مزيد من الخطوات والإجراءات المتعاقبة التي أخذت طابعا عدوانيا ونزعة استعلائية توسعية لمزيد من التدخلات المباشرة في شؤون الجار اليمني واقلاقه واشغاله عن أولويات التفرغ والتجرد لعملية البناء والنهوض والتنمية وتغذية وتمويل الصراعات والحروب الأهلية في الداخل اليمني حتى بدت مملكة الشر السعودية هذه في نجد والحجاز جزءاً من المشكلة اليمنية والعقبة الكأداء أمام خروج اليمنيين على الدوام من النفق المظلم وجعلهم لا يبرحون الحلقات المفرغة التي يدورون حولها منذ أمد بلا هدف ولا معنى وما زالوا للأسف كذلك !. وتأسيسا على ما تقدم لا غضاضة أن يقال : أن حرب 34 م ونتائجها بين المملكة المتوكلية اليمنية بزعامة الإمام يحيى محمد حميد الدين والمملكة العربية السعودية بقيادة الملك عبد العزيز آل سعود قد فتحت شهية الأخيرة وشجعتها على المضي والتمادي في شؤون اليمن الداخلية والحضور بقوة وسط المعمعة وعلى امتداد خارطة ومساحة الصراعات الداخلية في العمق اليمني التي وجدت من الرياض دعما وتشجيعا وتدخلا مباشراً في أعقاب تلك الحرب الخاطفة التي كان من نتائجها فقدان اليمن جزءاً من أراضيه التي احتلتها قوات آل سعود بالقوة وضمها إلى مملكة قرن الشيطان السعودية والشروع بعد ذلك في محاولة عبثية في سعودتها وطمس ومحو معالم هويتها اليمنية الأصيلة حتى أنهم عمدوا إلى تغيير بعض اسماء المناطق اليمنيةالمحتلة لفرض هوية وواقع جديدين فيها كجيزان التي استبدل آل سعود اسمها اليمني هذا الذي عرفت به منذ القدم وصاروا يسمونها « جازان « . وفي جملة التطورات اللاحقة التي شهدتها اليمن على الصعيد السياسي ومع تعاقب بعض الحركات والتمردات المناوئة لحكم الإمام يحيى وولي عهده القوي الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين الذي امتاز بشخصيته الكارزمية المؤثرة وصرامته ومهابته وحنكته ودهائه كثورة 48 الدستورية أول محاولة ومؤامرة لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي بزعامة حسن البنا لقلب نظام الحكم في دولة عربية هي اليمن وما تلاها من حركات باءت كسابقتها بالفشل والإخفاق كمحاولة الانقلاب الفاشلة بتعز في عام 1955 م بقيادة المقدم في الجيش احمد الثلايا بمشاركة الأميرين عبدالله والعباس ابني الإمام يحيى حميد الدين للإطاحة بالإمام أحمد واخفاقها واخمادها بعد أيام ومقتل من قاموا بها على ايدي أحمد يا جناه الذي لم يتردد في اعدام اثنين من أشقائه لاشتراكهما في تلك المحاولة الانقلابية وقيل ان الملك السعودي عبد العزيز ارسل طائرتين عسكريتين لقصف معسكر الثوار المنقلبين على الإمام أحمد بتعز وفك الحصار عنه برغم ما بينهما من جفاء وعداء بسبب حرب عام 34 ميلادية . ...«يتبع»