الخسائر الأمريكية في حروبها العبثية في الشرق الأوسط لها تكاليفها الاقتصادية والعسكرية فعملت على خيار القوة الناعمة الحرب الناعمة ترتكز على نقل المعركة من ميدان المواجهة الى ميدان ناعم يعتمد على التكنولوجيا ووسائل الاتصال المختلفة استهداف الهوية الإسلامية العربية ومبادئها وقيمها وتوجهاتها المناهضة للمشاريع الاستعمارية الأمريكية في الاستراتيجيات الأمريكية الحديثة تعتبر الحروب العسكرية أو الصلبة غير كافية أو مجدية إلى حد كبير بأن تحقق الغايات والطموحات الاستراتيجية والعسكرية التي تسعى لها أمريكا كتطبيق الهيمنة على الدول الأخرى وتوسيع دائرة النفوذ والسيطرة على النطاق الإقليمي والعالمي والقضاء على الخصوم والأعداء الذين يمثلون تهديدات قومية على الأمن والمصالح الأمريكية في المستقبل، فطالما وأن الحروب الأمريكية المباشرة أصبحت تمثل خيارا ثقيلا له تكاليفه وتداعياته الباهظة التي تثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي دون أي نتيجة عدا الخسائر الضخمة التي يتلقها الجيش والاقتصاد الأمريكي كما حصل في حرب فيتنام وغيرها سابقا والعراق وأفغانستان لاحقا، إضافة إلى كونها تثير السخط والغضب العالمي عموما والإسلامي على وجه الخصوص على امريكا ودمويتها المهددة للإنسان والحياة كما حصل في حربها على أفغانستان والعراق والتي لم تحصد سوى الفشل والاكتفاء بنشر الدمار والدماء وارتكاب جرائم الحرب والإبادات الجماعية بحق ملايين العراقيين والأفغان. زين العابدين عثمان بالتالي ومن هذا الصعيدين بالتحديد كان لزاما على طبقة المنظرين العسكريين وفلاسفة الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية أن يقوموا بإعادة النظر في استراتيجية أمريكا تجاه دول العالم وفي مقدمتهم خصومها والتي ترى “أن استخدام القوة والحروب الصلبة هي الطريقة المثالية لتوسيع دائرة الهيمنة وتثبيتها والقضاء على التهديدات “، حيث بدأوا العمل على إيجاد وسائل أكثر فاعلية تحقق للولايات المتحدة غاياتها وطموحاتها بتكاليف أقل ودون الرجوع للقوة والتدخلات المباشرة، وكان البروفيسور المعروف جوزيف ناي والذي كان يشغل منصب نائب وزير الدفاع الأسبق بالبنتاغون ، ومدير مجلس المخابرات الوطني الأمريكي، ومستشار الأمن القومي، استطاع بعد عدة دراسات أن يضع مفهوما جديدا في الاستراتيجية الامريكية وهو نمط من الحروب اللاعسكرية واللامباشرة المعروفة “بالحرب او القوة الناعمة SOFT WAR” التي ترتكز أساسياتها على نقل المعركة مع الخصم من الميدان العسكري الصلب حيث المواجهات والحروب العسكرية المكلفة والباهظة، الى الميدان الناعم الذي يعتمد على التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي والإعلامي قليل الكلفة والذي يستطيع ان يحقق اهدافاً مهمة قد لا تحققها القوة العسكرية منها تدمير الخصم من الداخل وفكفكة صموده ونسيجه الاجتماعي وضرب افكار وهوية البيئة الشعبية المقاومة والمتلاحمة واستبدالها بأفكار وتوجهات ومواقف بينية متناحرة خالية من المبادئ والأخلاق والقيم وروح المقاومة.. للعلم أن أمريكا منذ نشأت مفهوم هذه الحرب طبقتها واعتمدتها بشكل كبير جدا في الشرق الأوسط وبالتحديد الدول الإسلامية والعربية، فقد ركزت على أن تصنع مناخا جديدا في العالم الإسلامي يفضي إلى تهشيم هويته ومبادئه وقيمه وتوجهاته المعادية والمناهضة للمشاريع الاستعمارية الأمريكية بشكل دراماتيكي خصوصا بعد عام 2008. حيث بدأ الإدراك والوعي الأمريكي لواقع المنطقة والبلدان الإسلامية وضرورة التغيير من الداخل وليس من الخارج، فبدأ التحول الأمريكي في تحقيق هذه الغاية الخبيثة والمدمرة، وهذا ما نعيشه ونلمسه في مختلف الدول الإسلامية فقد ظهر التأجيج الإعلامي الخالق والفوضى الإعلامية المدروسة والمغذية للتناحر المذهبي والعرقي بين القوميات والمذاهب (سنة وشيعة) ودعم طرف على حساب طرف آخر وجعل الكل يخوضون في صراعات بينية طاحنة لا طائل منها تدفعهم وخصوصا الأنظمة والطبقات السياسية الحاكمة والمعارضة إلى التمسك بأمريكا وبنظرياتها والارتماء إلى أحضانها كطرف مخلص العدوان على اليمن.. مظاهر وخطورة (الحرب الناعمة) التي يعتمدها العدو الأمريكي وحلفاؤه بالنسبة للعدوان والحرب على اليمن والتي يشنها تحالف امريكا والسعودية والامارات منذ 5 سنوات فهي لا تتوقف عند الحرب العسكرية أو حتى الاقتصادية والاستخبارية والنفسية فقط إنما اعتمد هذا التحالف على وسيلة (الحرب الناعمة) التي تمثل ثلاثة أرباع اهتمامه وأولوياته في إطار عدوانه ككل والتي اعتمدها منذ اليوم الأول الذي بدأ فيها عدوانه وحربه على اليمن، حيث اعتمدت الأدمغة الاستراتيجية الأمريكية والتي تقود العدوان وبإشراف مباشر على تفعيل ودمج القوة الناعمة مع القوة العسكرية والتعزيز المباشر بالتكنولوجيا والترسانات الإعلامية الضخمة والمتعددة الوظائف لتحقيق أكبر مستوى من التدمير في سلوكيات وقيم ومبادئ وهوية الشعب اليمني وتحطيمها دراماتيكيا حيث كان لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وكذلك المنظمات الدولية والخلايا النائمة دور محوري ورئيسي في إطار الحرب الناعمة المركزة على الشعب اليمني، وكان من أبرز أهدافها ومساراتها هو: 1- تركيز وسائل الإعلام للخوض في القضايا الداخلية والطائفية والعرقية والقومية وإشعال الفتن والنعرات وإماتة الروح المقاومة والقضايا الاستراتيجية. 2- نشر الرذائل والمفاسد غير الأخلاقية والدفع بالمجتمعات اليمنية الى حالات من الفوضى والانفتاحية المتعارضة مع القيم والمبادئ. 3- زيادة تأثير مواقع التواصل الإلكترونية في صناعة وتوجيه الرأي العام بما يتماهى مع التوجهات الأمريكية واستراتيجياتها. 4- توجيه وتحفيز الإعلام بأشكاله المتعددة في التركيز على الأفكار السطحية والابتعاد عن الأفكار التي تتيح اليقظة والاندفاع نحو ميادين التعبئة الجهادية ونشر التوعية المقاومة للعدوان.. 5- ضرب وهدم المنظومة الامنية والجبهة الداخلية للشعب اليمني وكسر صموده وتماسكه الاستراتيجي بصورة عامة ومحاولة ضرب وتفريغ البيئات الشعبية المقاومة من وحدة الموقف الواحد والتحرك الصلب المقاوم للعدوان.. “سبل مواجهة الحرب الناعمة وإفشالها “ خطورة الحرب الناعمة وما تمثله من تداعيات وآثار تعتبر كارثية على واقع الشعب اليمني ومستقبله كشعب مسلم بالدرجة الأولى الذي يتميز بهويته الايمانية والرصيد الكبير من القيم والمبادئ والاخلاق عن باقي الشعوب الاسلامية وكذلك كعشب مقاوم لحرب كونية عدوانية تشن عليه ،،بالتالي فقد أشار قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله خصوصا في خطابه الاخير الى خطورة المرحلة وأن العدو وخصوصا بعد فشله واخفاقه في الحرب العسكرية على مدار المراحل الماضية انتقل إلى ميدان “الحرب الناعمة ” التي يلقي فيها اليوم كل ثقله وطاقاته لتحقيق غاياته الهادفة إلى تدمير المجتمع اليمني وتفكيكه وطمس هويته الإيمانية ومبادئه وأخلاقه وكسر صموده الاستراتيجي وقوته المعنوية أمام عجلة الحرب والحصار. لذا فالحرب الملحة والتي يفترض أن يندفع إليها اليمنيين اليوم دون استثناء هي حرب الوعي والتعبئة الثقافية العامة على جميع الصعد والمسارات ، ومواكبة كل تحركات العدو الامريكي ووكلائه السعودي والإماراتي وما يضمره من مؤامرات وسيناريوهات هدامة حالية ومستقبلية ومواجهتها بنشر الوعي الاستراتيجي العميق مع مختلف احداث المحيط ونشر الثقافة وخصوصا الثقافة القرآنية التي تعتبر هي المفتاح الوحيد والرئيسي لإفشال هذه المؤامرات وإسقاط كل الهجمات الخبيثة للعدو فالوعي القرآني إذا ما تحقق في المجتمع والفرد اليمني سيكون المنعة والحصن الحصين الذي لا يمكن اختراقه على الإطلاق وبأية وسيلة وأي شكل من الأشكال.