ونتيجة إصرار الإمام يحيى حميد الدين على إجلاء الإدارسة ، وطردهم من الأراضي اليمنية التي يسيطرون عليها ، بمساعدة الإنجليز الذين يحتلون جنوباليمن ، وإعتبار الإمام يحيى الأدارسة بأنهم محتلين ورفضه للتفاوض معهم ، توجه الإدارسة إلى الملك عبد العزيز آل سعود ، وعرضوا التحالف معه ، إلا أن مساعيهم في هذا الجانب باءت بالفشل ، ولم يخسر الأدارسة آنذاك هدية البريطانيين لهم والمتمثلة بتمكينهم من السيطرة على الحديدة فحسب ، بل إنهم خسروا استقلالهم كذلك ، وقد حاول الأدارسة التي كانت الرياح حينها على غير ماتشتهي سفنهم ، حاولوا عبثا التشبث بالبقاء بأي وسيلة كانت ، جتى ولو ظلوا تابعين لهذا الطرف أو ذاك . فيما أوعز البريطانيون إلى صنيعتهم ، وحليفهم إبن سعود بالإستيلاء على منطقة عسير اليمنية التي كانت تحت سيطرة الأدارسة ، ومنحوه الضوء الأخضر لذلك ، بل وقدموا له المساعدات العسكرية اللازمة في سياق ترتيباتهم الجديدة للأوضاع في المنطقة بما يخدم مصالحهم الإستعمارية ، وبحلول عام 1930 م ، نصب عبد العزيز آل سعود حاكما سعوديا على المنطقة التي كانت تحت سيطرة الأدارسة من قبل . وعلى مايبدو فإنه كان من مصلحة البريطانيين في تلك الفترة ، اختفاء الإدريسي كلاعب مؤثر في المنطقة ، وإلغاء المعاهدة التي وقعوها مع الأدارسة عام 1915 م .وكانت عسير حينها دويلة حاجزة أنشأها الإنجليز أساسا ، ولم يكن البريطانيون مستعدين ولا يقبلون أيضا بإستيلاء الإمبراطورية الإيطالية عليها ، وإحتكار حق التنقيب عن النفط في جزر فرسان . وأمام الأخطار المحدقة بهم من كل جانب ، وتخلي حلفائهم السابقين الإنجليز عنهم ، قاد الأدارسة تمردا ضد السعوديين عام 1932 م ، والتحقوا بالإمام يحيى حميد الدين ، إلا أن السعودية المسنودة بقوة من بريطانيا تمكنت من قمع ثورة الأدارسة ، والقضاء عليها عام 1933 م ، في الوقت الذي تمكنت فيه قوات المملكة المتوكلية اليمنية من اقتحام عسير ، ونجران ، وجرت مفاوضات على عودة الادارسة لحكم عسير إلا أنها باءت بالفشل ، ثم أخذت تطورات الأحداث حينها بعدا آخر أكثر خطورة ، حيث تأزمت الأوضاع بين الرياض ، وصنعاء أكثر فأكثر ، وهو ماأدى بالتالي إلى اندلاع الحرب السعودية - اليمنية مابين مارس ومايو من عام 1934 م ، وحاكى ابن سعود حلفائه البريطانيين ، فلم يوجه قواته نحو المرتفعات الشمالية من اليمن ، بل توجه بقواته مباشرة نحو الساحل التهامي ، وأحتل الحديدة ، ومدينة باجل المجاورة ، فيما كانت القوات اليمنية بقيادة الأمير أحمد بن يحيى حميد تتوغل متقدمة في العمق السعودي وحققت تقدما لافتا ، وكانت بعد تقدمها على مقربة من الطائف ، إلا أن الإمام يحيى سارع بعد احتلال القوات السعودية الحديدة ، بالقبول بوقف المعارك بين الجانبين ، وتوقيع معاهدة الطائف التي لاقت رفضا قاطعا من قبل نجله وولي عهده أحمد الذي أعتبرها مهينة ، ومجحفة بحق اليمن ، واتهم عبدالله الوزير بتبني هذه المعاهدة التي نصت على تأجير عسير ، وجيزان ونجران اليمنية للسعودية على أن تجدد الإتفاقية هذه كل عشرين سنة قمرية . وبحسب العديد من المؤرخين والمحللين المهتمين بملف العلاقات اليمنية - السعودية ، وتعقيداته الكثيرة ، فقد استعجل الإمام يحيى بتوقيع معاهدة الطائف مع مملكة آل سعود في الوقت الذي كان ابن سعود حينها يفتقر للإمكانيات اللازمة لإستمرار الحرب أصلا ومع تقدم قوات نجله في العمق السعودي ، ويبدو أن دافع الإمام يحيى للقبول بتلك الإتفاقية وتوقيعها يرجع إلى خشيته من ان تطول فترة سيطرة السعوديين على الحديدة ومينائها وتهويل مستشاريه لحدث سقوط الحديدة بيد ابن سعود ، فيما كان عبد العزيز بدوره يخشى تمردا جديدا من الإخوان المسلمين عليه بالإضافة إلى سبب آخر يتمثل في افتقار قواته الخبرة القتالية لخوض المعارك في المناطق الجبلية ، ولذلك توجه بقواته مسرعا نحو تهامة . وكان بإمكان الإمام يحيى وفقا لعدة مؤرخين : أن يفعل مثلما فعل اسلافه مع الأتراك بإستدراج خصمه السعودي للقتال في مناطق المرتفعات الشمالية ، حيث يتواجد رجال القبائل الأشداء والمقاتلين الشجعان ، وتحويل مناطقهم هذه إلى مقبرة أخرى للغزاة ، وهذه المرة السعوديين الذين يفتقدون لخبرة القتال في مناطق جبلية وعرة يجهلون عنها كل شيئ ، وفق تعبير “ برنارد رايخ “ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن.وعلى الصعيد السياسي ، وضمن ردود الأفعال الساخطة والرافضة لمعاهدة الطائف ، فقد قوبلت المعاهدة هذه بإستهجان ورفض من معظم النخب والقوى السياسية اليمنية آنذاك وأعتبرتها تفريط بحقوق اليمن في أجزاء من أراضيه . ويقال أن معاهدة الطائف التي أنهت الحرب اليمنية - السعودية عام 1934 م قد ألبت الطبقة الثرية في اليمن في تلك الفترة على الإمام يحيى ، وشككت كثيرا في مصداقيته وشرعيته كحاكم ، وقد تزعزعت شرعية الإمام يحيى ومصداقيته كثيرا في نظر النخب السياسية اليمنية بمن فيهم أبناء الإمام يحيى نفسه في أعقاب قبوله بتوقيع اتفاقية الطائف مع السعودية واعتبارها اتفاقية مهينة كان الأولى رفضها او تعديلها وتأجيلها آنذاك لاسيما واليمن كانت حينها في موقف قوة لاضعف . ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا ضمن السياق إلى أن الإمام يحيى حميد الدين الذي يأخذ عليه الكثيرين افتقاده للتصورات الأنسب والأصلح لقيام وتأسيس دولة بسبب محدودية خبرته بذلك توجه في أعقاب جلاء الأتراك عن اليمن عام 1918 م ، إلى تأسيس حكم ثيوقراطي ، وتبنى سياسة انعزالية فرضها على اليمن واليمنيين ، وبررها بخوفه من سقوط البلاد تحت سيطرة وسلطة القوى الإستعمارية المتصارعة عقب الحرب العالمية الأولى ، وكذلك اراد أن ينأى بمملكته ويبعدها عن التيارات القومية التي ظهرت في المنطقة العربية في فترة تاريخية كان من المستحيل أن يثبت فيها شيئ ثابت ويبقى على حاله ووضعه دون أن يتأثر سلبا وايجابا بما يحدث . وقد اعتبر الكثير من المحللين بأن الإمام يحيى بالغ كثيرا في مخاوفه على اليمن مما حدث في عصره ، وكان لسياسة العزلة والإنغلاق التي فرضها على اليمن اثرها السلبي على نظام حكمه وكانت جزء من الأسباب التي عجلت بإنهاء مشواره السياسي اغتيالا وعلى النحو المعروف للجميع وبطريقة مأساوية !.