الريال اليمني لايزال هو العملة الموحدة للجمهورية اليمنية رغم الانقسام النقدي والمالي بين صنعاءوعدن، والعملات الوطنية تعني العملة المعتمد الرسمية للبلد وقوتها الشرائية في السوق أي كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بالعملة المعتمدة ولذلك تقاس العملات بقوة أو ضعف القوة الشرائية . لذلك العملة المعتمدة في صنعاء من العملة الوطنية هي الاوراق النقدية المطبوعة قبل العام 2017م، والأوراق النقدية من نفس العملة المعتمدة في مناطق عدن طبعت بعد هذا التاريخ بشكل مفرط دون غطاء نقدي، إذن ما السر وراء انهيار العملة المطبوعة في مدينة عدن إلى مستويات غير مسبوقة بعد أن تجاوزت 2300 ريال للدولار الواحد، وما سر صمود العملة المتداول بها في صنعاء بسعر 535 ريالاً للدولار، هل التباين الكبير في سعر صرف العملة الوطنية "الريال", بين صنعاءوعدن، يعود إلى السياسات النقدية والمالية، ام أن التباين يعود إلى مجموعة من العوامل منها قدرة السلطات النقدية على إدارة النقد المحلي والاجنبي وكذلك مستوى قدراتها في فرض رقابة على الأسواق، ام يعود ذلك إلى مستوى النفوذ والسيطرة للأطراف في صنعاءوعدن، وهنا المعيار يتمثل بقدرة السلطات المعنية بالحفاظ على إيرادات الدولة وحمايتها من العبث والنهب. فالسلطات الموالية للتحالف السعودي الإماراتي تتواجد في محافظات كانت ايراداتها تغطي نحو 70% من الموازنة العامة للدولة، ومع ذلك تعاني من عجز مالي كبير وحتى نوفمبر الماضي بلغ معدل السحب على المكشوف لتلك الحكومة نحو 7 تريليون ريال من بنك عدن، وهو ما يؤكد أن معظم القنوات الإيرادية التي يجب أن تورد لحسابات الحكومة في البنك المركزي تذهب الى حسابات خاصة وتوجه لصالح كيانات وفصائل وجماعات، وهذه الحالة تحدث عندما تكون الحكومات شبه رمزية لا تملك النفوذ والسيطرة، وتكتفي باستخدام بعض وظائف البنك للحصول على المال، مثل طباعة العملة بكميات كبيرة بهدف تغطية العجز والفشل في إدارة الموارد واستعادة السيطرة عليها، والبحث للحصول على هبات ومساعدات ومنح وودائع خارجية، وتكتفي ببيع الدولار بأسعار السوق الموازي للحصول على السيولة من العملات المحلية ،وهنا يقول قائل اين ذهبت الكتلة النقدية التي تم طباعتها وكلف طباعة كل "1000 ريال مبلغ 100 ريال" فقد استغلت الحكومة في عدن الاعتراف الدولي ومساعدة اللجنة الرباعية الدولية لها بحل أزماتها الداخلية بالإصدار التضخمي، ومع غياب دورة نقدية حقيقية لغياب دولة حقيقية تم صرف تريليونات الريالات كنفقات ولم تعد الأموال مرة أخرى إلى البنك المركزي والى حسابات الحكومة حتى وصل العرض النقدي في الأسواق إلى العرض الواسع، أي أن معظم إن لم تقل كل ما تم طباعتها من العملة صارت خارج نطاق القطاع المصرفي الرسمي . وما زاد ذلك.. اعتماد تلك الحكومة مرتبات ونفقات بالعملات الصعبة لفئة محدودة من كبار موظفيها، وقيامها بشراء العملات الصعبة من الأسواق المحلية لتغطية فاتورة نفقات كبار الهوامير التابعين لها، يضاف إلى تغطية نفقات مجلس العليمي ونوابه السبعة في الخارج، لأن المنح أو الودائع التي تحصل عليها تلك الحكومة من دول التحالف مخصصة لتغطية فاتورة الواردات من الخارج وليس متاح لها السحب منها لغرض تغطية نفقات منتسبيها في الخارج. إذن يمكن القول إن صنعاء حافظت على القيمة الشرائية للعملة الوطنية لعدة عوامل، أهمها امتلاكها السيطرة الكاملة على مناطق سيطرتها، وقدرتها على ضبط الإيرادات وان كانت تشكل نحو 25% من إجمالي الإيرادات التي كانت قبل نقل وظائف البنك المركزي من العاصمة صنعاء، وتعتمد سياسة التعويم المدار بينما اعتمدت الأطراف الأخرى التعويم الكامل للعملة لتعلن في يوليو 2017م، عجزها عن حماية سعر صرف العملة المحلية بشكل كلي وسط عجزها عن فرض سيطرتها على المحافظات الجنوبية ويعود ذلك لأنها حكومة مشكلة من قبل دول التحالف تقوم بتنفيذ ادوار مرسومة من قبل دول التحالف التي تكفلت بصرف مرتبات إضافية لقادتها وكذلك حمايتهم في رقعة جغرافية صغيرة (قصر المعاشيق)، وهناك عامل آخر يتمثل في سيطرة السلطات النقدية في صنعاء على السوق المصرفي والرقابة على السوق ووقف أي انحرافات، واتخاذ إجراءات بين فترة وأخرى تهدف إلى ضبط سعر صرف العملة. وبذلك تمكنت من الحفاظ على القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وهنا يجب أن اذكر ان اليمن عملتها الوطنية الريال اليمني وليس الدولار أو الريال السعودي، ويمكن تقسيم أسعار المنتجات بالريال السعودي في السعودية كون تلك العملة عملتها، نحن في اليمن عملتنا الريال والتباين بسعر صرف الريال اليمني بين صنعاءوعدن يأتي انعكاسا لحضور أو غياب الدولة وحتى البنك المركزي اذا لم يستند إلى دولة حقيقية لن يكتب لسياساته النجاح مهما كانت صائبة، وهناك أيضاً عوامل أخرى منها الفساد الذي لم يعد يخفى في المحافظاتالمحتلة ولعل ارتفاع معدلات الاستثمارات الخاصة بكبار مسؤولي المرتزقة في عواصم عربية وإقليمية لخير دليل . اذا ما يجري من انهيار شبه كلي للخدمات العامة والأوضاع الإنسانية في مدينة عدن نتيجة لصنائع التحالف الوهمية والحكومة التي لا تتحكم بشيء ولا تمتلك رافعة أمنية وعسكرية وتكتفي بإدارة الملف الاقتصادي بأسلوب عبثي غير مسؤول، كتوظيف الاعتراف الدولي أكان بالطباعة للعملة دون غطاء، او التسكع بحثا عن معونات ومساعدات ومنح . وهنا نذكر بأن صنعاء سبق لها أن أطلقت مبادرة اقتصادية ستسهم في الحد من معاناة المواطنين في المحافظات الجنوبية، والمبادرة تتمثل بعرض صنعاء على المرتزقة تحييد قطاع النفط والغاز واعادة انتاج وتصدير النفط الخام مقابل صرف مرتبات الموظفين وفقاً لكشوفات العام 2013م في مختلف أنحاء البلاد، وما زاد عن ذلك يوجه نحو تحسين الخدمات العامة في المحافظات وفق الأوليات والاحتياج، على أن تدار من اطراف محايدة، الا أن هذه المبادرة الوطنية التي لم تعلقها صنعاء ولاتزال متاحة، قوبلت برفض الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تتولى إدارة البنك في عدن وتوجه سياسات المرتزقة الاقتصادية. *صحفي وخبير اقتصادي