القرآن الكريم معجزة السابقين والأولين حتى قيام الساعة، سبق الفلاسفة والحكماء والمفكرين، في شتى مجالات العلوم والمعارف، وما يحدث اليوم من فساد وظلم وجرائم ومجازر، وسفك للدماء، وهتك للإعراض، وإبادة جماعية بحق الأبرياء، حكى عنها القرآن في أمم سابقة.. فالسؤال جاء في القرآن الكريم من الملائكة في قوله تعالى: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء...) البقرة- "30".. وهذا دليل ساطع على ما يحدث الآن من ظلم وإبادة جماعية، وجرائم شنعاء في كثير من الدول والشعوب والمجتمعات على مستوى المعمورة، ومن هنا تجلت الحكمة الإلهية على تصنيف الناس لثلاثة أصناف: صنف منطوٍ متقوقع على نفسه، لا يحل حلالاً، ولا يحرم حراماً، ولا ينشغل بقضايا وأمور المسلمين، همة نفسي نفسي.. صنف عدو لدود للإسلام والمسلمين، يكيد ويمكر وينافق لإشعال الفتن والنزاعات بين الناس.. صنف ثالث: يدافع عن الحق، وحامياً لبيضة الإسلام، يبذل نفسه وماله، وكل ما يملك للدفاع عن نصرة الإسلام والمسلمين.. هؤلاء هم المؤمنون حقاً الذين وصفهم القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين أمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين) آل عمران- "139- 140".. وقد وعد الله عزوجل المؤمنين بالنصر والفوز المبين في الدنيا والآخرة، كما جاء في قوله تعالى: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) الروم- "47".. وجاء في قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) محمد- "7".. وفي هذه الآية تجلى شرط لازم يترتب عليه نصر المؤمنين أولاً للدين ولكتابه في أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تقام حدوده الشرعية على أرضه، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، متى ما توفر هذا الشرط، والتزم المؤمنون تلك الشروط القرآنية، تحقق النصر المؤزر، وزال الضرر.. ومن سنن التدافع بين الحق والباطل، ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين) البقرة- "251".. فالصراع بين الحق والباطل صراع أزلي سرمدي الى قيام الساعة، فالباطل متعدد المذاهب والملل، ظاهره معسول، وباطنه السم الناقع.. هكذا سنة الله في خلقه الى قيام الساعة، فالسجال بين الناس لا ينتهي الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمن رحمته عزوجل أن جعل مداولة الأيام بين الناس سجالاً، ولن يبقى إلا وجه الله مصداقاً لقوله تعالى: (كل شيءٍ هالك إلا وجهه) القصص- "88".. من هنا ندرك أن سنة هلاك الدول والمماليك والأمم والشعوب مرتبط بالظلم والجور والفساد، فما عاث الفساد في أمة من الأمم إلا سلط الله عليها ذلاً وانكساراً، وفشت بينهم أمراض الأمم السابقة، فالذين انساقوا للباطل وحزبه، فمصيرهم الزوال والهلاك عاجلاً أم آجلاً، هذا وعد الله، إن الله لا يخلف وعده.. مصداقاً لقوله تعالى: (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) هود- "104".. صفوة القول: ما من أمةٍ من الأمم، أو دولةٍ من الدول، لم تقم العدل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فيها إلا سلط الله عليها أكابر مجرميها، وتحققت فيها أسباب الهلاك والدمار.. مصداقاً لقوله تعالى: (وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمةً وأنشأنا بعدها قوماً آخرين) الأنبياء- "11".. ومن هنا ندرك أن الله عزوجل لا ينزل سخطه وعذابه إلا على القوم الفاسدين، وليعلم حكام العالم الطغاة أن أعمارهم وملكهم أوشك على الزوال، وهذا من سنن التدافع في هذا الكون، فالابتعاد عن منهج الله، والإعراض عن شريعته، واستبدالها بأنظمة وقوانين وضعية ضالة، فالبلاء والمحن والمصائب تنزل بالذنوب والآثام، ولا ترفع إلا بالتوبة الصادقة، والرجوع الى الله، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.. فلنحذر عواقب الذنوب والمعاصي والإعراض عن منهج الله، فإن عواقبها كارثية وخطيرة، وصدق المولى القدير القائل: (واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصةً واعلموا أن الله شديد العقاب) الأنفال- "25".. ومضات خاطفة: كان لي وطن.. في كل سفح يموسق الزمن يناغي نسائم الفجر يرتشف نخب القمر يحتضن النجوم يصدح مع أنداء حروفنا الخضراء.. يزرع الحنان والأمل.. يصرخ على السفوح..