أمريكا تخوض حرباً بحرية في البحر الأحمر وتحمل أعباء المواجهة بدلاً من تل ابيب حين يقرأ المرء جيوسياسية المنطقة المسماة زوراً الشرق الأوسط يصل إلى حقائق تقول له أن إسرائيل هي المحور وهي المرتكز وهي ربيبة النظام الدولي وفي المقدمة الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولهذا فان أي عطسة في تل أبيب تصاب واشنطن بالزكام، وتتداعى لها بالسهر والحمى وتتحرك من أجلها الاساطيل وتشن دفاعاً عنها الحروب وتخرق القوانين الدولية ويرتعد رهبة الملوك والرؤساء، وتتنافس الدول الأوروبية في تقديم الإسناد لها ومن يرى العالم يعيش اضطراباً واسعاً ويشهد متغيرات عاصفة ليس فقط في علاقاته الدولية وانما في تحديد أولوياته وهي مشتغل الآن في قراءة ما بعد الرأسمالية التي امتدت لتصل إلى ذروة نمائها وتطورها وتحولت الى مشكلة وإلى تحديات جديدة ابرزها المخاوف الواسعة من الكساد وهذا ما أوجد تنافساً بين الاقتصادات الدولية كانت ابرز تجلياتها الصين التي هيمنت على الإنتاجية العالمية. وهذا ما استفز المنظومة الاقتصادية الامريكية التي صعدت من الحكام الأغنياء والمليونيرات والمليارديرات الذين يجسدهم الرئيس رونالد ترامب الذي فاز في الانتخابات الامريكية مرشحاً من الحزب الجمهوري واستطاع أن يحيد الحزب الديمقراطي من مراكز القرار والنفوذ في أمريكا بدءاً من المؤسسة الرئاسية الامريكية واستحوذ الحزب الجمهوري الأمريكي على الشيوخ والكونجرس ولأول مرة يحظى حزب امريكي بهذه السطوة التي وفرت لترامب فرصة الانفراد بالقرار وتمرير ما يريد من قوانين وقرارات ترجم من خلال الأوامر التنفيذية المكثفة التي أصدرها مع استهلال اول أيام ادارته للبيت الأبيض. وليس ذلك فقط كان من نتائج فوز ترامب في الانتخابات الامريكية، بل امتد الى خارج أمريكا والى فرض رؤية ترامبية جديدة أعلنت عن نفسها بإطلاق اقوال ومطالبات القت بظلالها وتأثيراتها السلبية على العالم أجمع نظراً للتأثير الأمريكي الاقتصادي والسياسي والعسكري على المحيط الإقليمي والدولي.. لذلك هناك من يؤكد بان مطالبات ترامب بضم كندا إلى أمريكا لم يأت من فراغ ولم يكن قفزاً إلى المجهول كما يرى البعض، وانما هو توجه اقتصادي امريكي يوفر للاقتصاد الأمريكي فرصة مهمة للتوسع والى امتلاك مكامن قوة بدأ الاقتصاد الأمريكي يفتقر اليها جرى المنافسة التجارية وجراء تغول الصين اقتصادياً وهذا يفسر ايضاً المطالبات الأمريكية "بشراء" جرينلاند وإعلان الرغبة في الاستحواذ على قناة بنما.. ومؤخراً مطالبات ترامب بالمرور المجاني لسفنه العسكرية والتجارية من قناتي بنماوالسويس وليت الأمر انتهى عند هذا الحد.. فالأمريكي ترامب الرأسمالي الغني ورجل الصفقات والعقارات امتدت عينيه إلى غزة واغراه الساحل الجميل واطلالتها على البحر الأبيض المتوسط في رغبته لا نشاء ريفيرا في موقع غزة كمشروع استثماري امريكي وبكل بساطة قال انه يريد غزة وانه سوف يتحرك ليحظى بها كحل رآه للمشكلة الفلسطينية وللصراع العربي الإسرائيلي.. وهكذا العالم بدأ يتشكل بصورة درامية ولا يعلم غداً حين تبدأ الحرب التجارية الدولية بين أمريكاوالصين إلى أين يمكن أن تصل تطورات الأمور والمتغيرات الحرب التجارية بدأت تعلن عن نفسها بين الصين وامريكا واقتصادات العالم بدءاً من أوروبا ووصولاً إلى كل الاقتصادات الدولية والإقليمية ماذا سيكون الناتج من هذا التوجه الترامبي ومدى تأثيره على الثقافات المحلية وعلى الهويات القائمة. الإشكالية الأبرز هو أين سيكون العرب والمنظومة العربية السياسية والاقتصادية في إطار الإشكالية الترامبية التي لا تعبر فقط عن موقف فردي وإنما تعبر عن الرأسمالية الأمريكية التي اصطفت مع ترامب وتحولت إلى مشروع بدأ بفرض نفسه على الواقع تحت يافطة التعرفة الجمركية الأمريكية التي تحولت الى سوط يجلد الظهور ويهز ثقة المستثمرين والمنظومات الاقتصادية العالمية بما فيها المنظومة الاقتصادية العربية التي تعتمد على مصدر المواد الخام وعلى الطاقة الاحفورية وبدى تأثرها بما يصدره ترامب من قرارات تنفيذية ويلحقها بأوامر وإجراءات فيها الكثير من التعسف ومن فرض الإرادة .. اذاً العرب سيكونون امام مرمى ترامب فقد بدأ يفرض اتاوة فرض الاستثمار بالترليون دولار على الرياض وأبو ظبي وكذا فرض المرور المجاني من قناة السويس.. ولا نعلم ما المطالبات القادمة التي سوف يفرضها ترامب من الحكام العرب ومن منظوماتهم السياسية والاقتصادية.. ونكاد نشعر بحجم المخاوف العربية سواء تلك التي تصدر من بيوت وأمراء الحكم في دول الخليج أو في دول الشمال الأفريقي العربي أو غيرهم. وبقراءة سريعة سوف يجد المرء بان رؤية ترامب للشرق الأوسط يتواءم مع الرؤية الإسرائيلية ومن الواضح حجم التسليح الذي وفرته إدارة ترامب لتضمن تفوق إسرائيل عسكرياً ومجاراتها في كل اعمالها سواء في عدوانها على غزة أو عدوانها على لبنان أو اجتياحها للجنوب السوري.. كما انه واضح ان أمريكا تولت المسؤولية كاملة لتوفر الحماية للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن وخوضها لحرب عدائية مكثفة ضد اليمن لم تتوقف الى اليوم.. فما نراه من حرب بحرية ومن تحرك لحاملات الطائرات وتحريك القواعد في المنطقة فان ترامب يصر على حماية إسرائيل وعلى خوض معاركها مهما دفعت من اثمان باهظة في موقف اسناد امريكي لإسرائيل.. رغم ان ترامب يعلن ان ما يقوم به انما هو لحماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، والبحر العربي متجاوزاً مجلس الامن ومتجاوزاً حتى أوروبا حليفته التقليدية.. ولهذا فان المواجهة قد اتسعت لتضرب الاعيان المدنية والاحياء السكنية في اليمن ومازال يصر على موقفه العدائي دفاعاً عن تل أبيب وان كان يغالط ويدعي انه يحمي الملاحة البحرية الدولية.