في شهر مارس شنت السعودية أول عدوانها على اليمن بدافع عقيدة ايديولوجية متطرفة مستغلين التمزق والانقسام الداخلي لليمن, وفي شهر سبتمبر كانت اليمن تفرض شروطها على السعودية بعد هزيمة مذلة لهم في قلب نجد. علي الشراعي مع اعلان الدولة السعودية الأولى في عام 1744م, وعاصمتها "الدرعية" في نجد, والتي هي مزيج من تحالف سياسي- ديني بين محمد ابن سعود مع محمد ابن عبدالوهاب تحت شعار ديني ومبدأ "التكفير والقتال "اعتبروا الأخرين من المسلمين مشركين ووثنيين يجب قتالهم واستباحه أراضيهم وأموالهم إلى أن يتحقق النصر والفتح عليهم. الوجود التاريخي والحضاري قبل وجود السعودية على الخارطة الجغرافية والسياسية في منطقة شبة الجزيرة العربية, كانت اليمن منذ آلاف السنين تنتمي جغرافيا وتاريخيا وحضاريا إلى منطقة شبة الجزيرة العربية, وهي بمثابة البوابة الجنوبية لهذه المنطقة, وتحتل اليمن موقعا جغرافيا متميزا يمثل حجر الزاوية بالنسبة لشبه الجزيرة العربية, فهي تطل على مضيق باب المندب, مما جعلها حلقة اتصال بين قارتي أفريقيا وآسيا, ومعبرا مهما على مر العصور, كما تطل على بحرين مهمين بحر العرب وخليج عدن من جهة الجنوب والبحر الأحمر من ناحية الغرب. وهذان البحران كانا وما يزالان طريقا للملاحة الدولية التي تنافست على التحكم فيها الدول العظمي قديما وحديثا, وعليه اعتبرت اليمن مسرحا للأحداث التاريخية وللأطماع الاستعمارية منذ التاريخ القديم وحتي الوقت الحاضر. الانقسامات والاطماع ومع مطلع التاريخ الحديث تعرضت اليمن لغزو صليبي ممثل بالبرتغاليين ومن ثم غزو مملوكي, وجاء الاحتلال العثماني الأول لليمن واستمر قرابة مائة سنة (1538- 1635م), حيث كانت القوات العثمانية قد دخلت اليمن وتمركزت بالسواحل اليمنية منذ عام 1517م, مراقبة للأوضاع والصراعات الداخلية إذا لم تكن مشاركه فيها, حتى سنحت لها الفرصة واحتل صنعاء 1538م, وبعد انتصار اليمنيين وخروج العثمانيين من اليمن في 22 أكتوبر 1935م, امتدت الدولة اليمنية على جغرافية اليمن ووحدتها من أقصى عسير في الشمال إلى عدن في الجنوبوحضرموت في الشرق, ولكن الصراعات السياسة والانقسامات والنزعات الداخلية أدى إلى سقوط الدولة اليمنية الموحدة بعد أن حكمت مائة عام تقريبا, فبدأت حركات الانفصالات مع مطلع القرن الثامن عشر الميلادي حيث استقلت حضرموت الكبرى, ثم عدن ولحج خلال الربع الثاني لنفس القرن, وما كاد ينتهي القرن الثامن عشر حتي أتمت عملية انفصال جنوباليمن عن صنعاء. ومن الطبيعي أن تشجع حالة الانقسامات والتمزق والانفصال في اليمن الغزاة والمحتلين والطامعين على محاولة السيطرة على اليمن. وقد كانت الدولة السعودية الأولى (1745- 1818م), احد هؤلاء الطامعين في اليمن وقد دفعها التفكير بعد عشرين عاما من قيامها في ضم أجزاء من اليمن مستغله الضعف السياسي لصنعاء. عدوان مارس بعد إعلان التحالف السياسي- الديني بين ابن سعود وابن عبدالوهاب تحت مسمى "الوهابيون لاحقا اسم الدولة السعودية الأولى" عام 1744م, فكان هذا التحالف من أسباب انتشار المذهب الوهابي واتخذ اسم " الوهابيين ", واقتسما بينهما السلطة العليا, فكان للأول السلطة الدينية وللثاني السلطة الدنيوية تحرك آل سعود عسكريا وبصورة نشطة لتبليغ ما يسمى دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب وتمكنوا آنذاك من القيام بعدة حملات عسكرية في عدة اتجاهات من الجزيرة العربية. فقد ذكر "لويس دو كورانسي" في كتابه "الوهابيون تاريخ ما أهمله التاريخ" قائلا: "فعلم أتباعه أن العبادة هي لله وحده, وأن كل من يقدس الأنبياء والأولياء ويعطيهم صفات هي للخالق يكون مذنبا بحق الجلالة, وبين لهم أن السبيل الوحيد لنيل الرضا أمام الخالق هو الثأر من مدنسي ديانته. كما جعلهم يعتقدون بأن هو منفذ غضب الله, وقد أرسل للقضاء على المسلمين الكاذبين... وإن المسلمين الذين يبقون على التعاليم السائدة, ليسوا سوى وثنيين يستحقون القتل لأنهم خاطئون بحق الجلالة, ومدنسون للعبادة التي هي من حق الله". وكانت اليمن وأهلها ضمن المناطق التي اعتبر أهلها مشركون بسبب وجود مزارات لعدد من القبور . يقول مؤرخ آل سعود الوهابي لتلك الفترة " حسين بن غنام "في كتابه" تاريخ نجد": "وأما ما يفعل في بلدان اليمن من الشرك والفتن فأكثر من أن يستقصى, فمن ذلك ما يفعله أهل شرقي صنعاء بقبر عندهم يسمى " الهادي", وأما حال حضرموت والشحر ويافع وعدن فقد ثوى فيها الغي وطمى الفساد ... وعندهم الطامة الكبرى والمعضلة الجسيمة في أراضي نجران وما يليها من البلاد وما حولها ...". فبعد عشرين عاما من قيام الوهابية شن آل سعود أول عدوان لهم على اليمن في شهر مارس 1764م, الهدف منه جس نبض قوة اليمن وردة فعلها واتباع سياستهم التوسعية والعدوانية تحت غطاء الايديولوجية الوهابية مستغلين التمزق والانقسامات الداخلية لليمن . فقد طال عدوانهم جماعة من البدو الرحل ينتمون إلى قبيلة " العجمان " اليمنية بذريعة إنهم اعتدوا على جماعة من " سبيع " مواليه للدرعية . وفي ذلك يقول مؤرخهم الوهابي ابن غنام : " فأشتد عبدالعزيز ومن معه من المسلمين في طلب أهل اليمن حتى وصل إلى فيفاء تسمى " قذلة " والتقى فيها أهل اليمن وقد ألقوا رحالهم هناك, فشد عليهم المسلمون حتى هزموهم وقتلوا منهم نحو خمسين رجلا, وأسروا مائتين وأربعين, وأخذوا ما معهم من الخيل والركاب . ولم يصب أحد من المسلمين .. وكان هذا النصر المبين في شهر رمضان 1177هجرية ) . معركة سبتمبر كانت أول معركة بين اليمن والسعودية في ربيع الآخر 1178هجرية, الموافق شهر سبتمبر 1764م, ومكانها في قلب منطقة نجد وفي القرب من الدرعية عاصمة آل سعود . ويسمى آل سعود المعركة بوقعة " حائر " فيما اعتبرها مؤرخ آل سعود ابن غنام بقوله : " وقد كانت هذه الوقعة ابتلاء من الله تعالى لأهل التوحيد - متناسيا انها نصرة للمظلومين وردا للعدوان –", فقد انطلق من نجا من قبيلة العجمان اليمنية فأتوا والي نجران وشكوا له ما حدث, وناشدوه المروءة والنجدة لكي يثأر لهم ويستخلص أسراهم من الدرعية . فجمع وإلي نجران " الحسن بن هبة الله " جميع أهل نجران من الحضر والبدو, وانضمت إليه قبائل يمنية أخرى و جهز " ألفا ومائتين " مقاتل وسار بهم صوب نجد معقل آل سعود واستطاع جيش نجراناليمني الاستيلاء على بلده " سبيع الحائر " جنوبالرياض حتى نزل في منطقة " حائر سبيع " بين الخرج والرياض . ووصل الخبر إلى محمد بن سعود, فجهز جيشا يبلغ عدده أربعة آلاف مقاتل بقيادة ابنه عبدالعزيز بن محمد, واستطاع جيش نجراناليمني الاستيلاء على بلده " الحائر"- جنوبالرياض– وما أن اقبل جيش أل سعود بقياده عبدالعزيز قوامة "أربعة آلاف" مقاتل والذي يفوق أضعاف عدد جيش اليمن، ويصف المعركة الدكتور "عبدالرحمن العريني" في كتابه "الإمام محمد بن سعود وجهوده في تأسيس الدولة السعودية الأولى" قائلا: "فكر الجند النجرانيون على عبد العزيز وجنده, ووقع بين الجيشين قتال شديد تمكن النجرانيون إثره من تحقيق نصر كبير على جيش الدولة, إذ قتل منه خمسمائة رجل, وأُسر ستمائة, واستولى على تسعمائة بندقية وأربعمائة سيف". تحذير مسبق يبدو أن موقف الجناح الديني لأبن عبد الوهاب في حلفه مع ابن سعود كان يخشى مواجهة اليمنيين في ميدان المعركة مباشرة, بل كان لا يريد الانصدام معهم نهائيا, حيث تشير بعض المصادر إلى انه أوصى بلغة التحذير القائد السعودي للجيش عبد العزيز قائلا له: "سر له بهذا الجيش ونازله ولا تحاربه حتى يقع بيننا الصلح, فإني لا أتوسم خيرا من وراء قتال هؤلاء القوم, ما تقول في أناس مسكنهم اليمن ويدخلون في قلب نجد في هذا العدد القليل مع أنهم عرفوا شوكتنا فلم يبالوا بها, فإياك والحرب معهم وإنما أمرتك بالخروج إليهم حتى لا يختلف علينا فيقال ضعف أمر هذه الدعوة". طلب الصلح (تتميز العلاقات السعودية الخارجية بأنها تتغير وتتبدل في أدوارها المختلفة حسب منطق القوة والإمكانية.. فعندما يشعر النظام السعودي بضعف في قدراته الداخلية العسكرية منها أو السياسة فإنه يعقد التحالفات والمعاهدات والاتفاقيات الثنائية والجماعية, ويقدم التنازلات ويلهث وراء سبل دعم استقرار بلاده، أما عندما تتعزز قدراته ويشعر بتنامي قوته فإنه يسعى إلى التملص من الاتفاقيات وعقد اتفاقيات أخرى تتناسب والحالة الجديدة التي يعيشها.. وتطبيقا من النظام السعودي لهذا المنطق يسعى إلى مضاعفة عقد صفقات التسلح الضخمة وذلك من أجل تعزيز حالة القوة)، (السعودية تبتلع اليمن, يوسف الهاجري)، وعلى آثر معركة سبتمبر والانتصار الساحق للجيش اليمني في قلب نجد على آل سعود, وفرار قائد الجيش السعودي عبدالعزيز ومن تبقى من جنده صوب عاصمتهم الدرعية, قرر القائد اليمني "الحسن بن هبة الله" التوجه نحو عاصمة آل سعود "الدرعية" للقضاء نهائيا على كيانهم المسمى- بالوهابية أو بالدولة السعودية الأولى فيما بعد-، وفي طريق زحف الجيش اليمني نحو الدرعية استطاع تطويق حامية "الغذوانة" والاستيلاء عليها ومقتل بعض رجال حاميتها، وعند وصول اخبار تقدم الجيش اليمني صوب عاصمتهم الدرعية سرت موجة من الذعر والرعب والخوف لدى قادة آل سعود وابن عبدالوهاب وأتباعهم من أن يقضي الجيش اليمني على عاصمتهم وينهي كيانهم الديني والسياسي الوليد، وما أن بدأ الجيش اليمني بحصار الدرعية تمهيدا لاقتحامها، وكما هو السياسة الخارجية لآل سعود اليوم في حالة هزيمتهم عسكريا, اتباع أسلوب الدبلوماسية والخديعة والمكر وطلب الصلح والتوسط من قبل طرف ثالث قد يكون أقرب لخصمهم, والاستعطاف عبر تقديم هدايا وابتعاث رسائل مسبقا فقبل الصلح ارسل حاكم الدرعية محمد بن سعود رسالة لقائد الجيش اليمني "الحسن بن هبة" مع هدايا بصحبة بعض النساء والأطفال حتى يلين ويجنح إلى السلم !، وطلبوا من "فيصل بن سويط" أن يتوسط لهم لدى قائد الجيش اليمني بطريقة تكفل للدرعية مكانتها وأمنها وسلامتها, مقابل تلبيه كل مطالبه وشروطه، فسلم آل سعود جميع أسرى قبيلة العجمان اليمنية واعادوا كل اموالهم وبعيرهم وخيولهم المنهوبة في موقعة "قذله", ودفع آل سعود مبلغا ماليا "خمسمائة أحمر نقد ذهبي", وكذلك مائة وعشرين فرسا، وبعد تحقيق شروط الجيش اليمني المحاصر للدرعية فكوا وثاق الأسرى السعوديين الستمائة الذين تم اسرهم في المعركة. نجاح الدبلوماسية يصف صاحب كتاب "الإمام محمد بن سعود وجهوده في تأسيس الدولة السعودية الأولى", ذلك الصلح انه انتصار للدبلوماسية السعودية حيث قال: "تمكن الإمام محمد بن سعود بكياسته وحسن تدبيره وسلوكه سبيل الدبلوماسية الناجحة في أواخر حياته أن ينقذ الدعوة من خطر محقق, وأن يوصل سفينة الدولة إلى بر الأمان، وعُد إتمام الصلح بمثابة تعويض عن تلك الهزيمة, وبذلك نظر إليه على أنه انتصار للدولة في مهماتها الدبلوماسية لا يقل أهمية عن انتصارها في أعمالها الحربية، والواقع أنه يمكن تحقيق مكاسب كبيرة عن طريق الدبلوماسية الناجحة ما لا يمكن تحقيقه عن طريق المعارك والحروب، ولعل أبرز مظاهر ذلك الانتصار ما حققته الدولة من تشتيت شمل ذلك التحالف المناوئ لها". الوفاء بالعهد بعد موافقة القائد اليمني "الحسن بن هبة الله" على الصلح وصلته رسالة من أمير الاحساء يعبر فيها عن سروره بالنصر على "الوهابيين" ويخبره أنه سيصل بجنده لتعزيز ذلك الحصار, فرد عليه القائد اليمني: "لو كان هذا قبل أن يجرى الصلح بيننا لانتظم الأمر وفق خاطرك, لكن الآن وقد حصل مرادنا, وقد طلب منا العفو ونحن أهل له عند القدرة وأعطيناه فلا يمكن إبدال القول"، ولما وصل أمير الاحساء هذا الرد أرسل ثانية إلى القائد اليمني يغريه بأنه سيدفع له "مائة ألف" قطعة من الذهب تصله إلى نجران على أن يساعده في القضاء على الدرعية، ومع أن الفرصة سانحة, والذهب يسيل اللعاب, إلا أن القائد اليمني رفضه قائلا: "لا يكون ذلك كيف والشيمة هي حُسن الوفاء بالقول" (عبدالرحمن محمد الوجيه, عسير في النزاع السعودي اليمني). آثار المعركة 1- أدت معركة سبتمبر 1764م, إلى نزع هيبة الدرعية. 2- نجد بعثت في نفوس اعداء الدرعية الأمل في مهاجمتهم واسقاط دولتهم كحاكم الرياض دهام بن دواس, وحاكم الأحساء ابن خالد وغيرهم 3- ترتب عليه توقف التوسع السعودي لمدة طويلة حتى أن الرياض لم تحتل ويسيطر عليها آل سعود إلا في عام 1774م, أي بعد عشر سنوات من وقوع تلك المعركة. 4- عم الحزن والأسى والخوف والهلع لدى جميع اتباع آل سعود وخشيه قادتها السياسيين والدينيين من سحق الجيش اليمني لهم ولدولتهم . وقد عبر عن ذلك ابن غنام بقوله: عين جودي بواكف هتاف واسكبي عبرة من الأجفان وأفيضي على الخدود دموعا تحكي صوب الغمام في الهملان واهجري لذيذ الكرى في الدياجي قد كفى ما جرى من الأحزان واذكري معشرا وابكي مصابا ما جرى مثله بماضي الزمان . روح الانتقام لقد أذكت الهزيمة روح الانتقام لدى قادة الدرعية -بالرغم ان اليمنيين لم يكونوا هم من شنوا العدوان والحرب وارتكبوا القتل والسلب بل كان موقفهم ردا للعدوان ونصرة الحق وأهله مع نواياهم للسلام والصلح بدليل رفع الحصار عن عاصمتهم الدرعية-، لكن الهزيمة جعلتهم يتحينون الفرص للتنكيل باليمنيين, خاصة إن معركة سبتمبر 1764م, وما لحق بآل سعود من هزيمة نكراء من قبل قلة قليلة من اليمنيين في أول مواجهة ومعركة معهم أثرت على قادة تحالفهم السياسي والديني, فقد توفي محمد بن سعود بعد عام من الهزيمة في سبتمبر 1765م, وقد أشار بعض الباحثين من ان معركة حائر قد احزنته كثيرا وجعلته يخشى على الدولة من الاخطار التي تحيق بها وخاصة من آثار غزو حاكم نجران, فيما ابن عبدالوهاب فارق الحياة في 22 يونيو 1792م، وفي نفسه حسرة من تلك الهزيمة. العقيدة العدائية كذلك من اهم نتائج معركة سبتمبر 1764م, والتي اعتبرت إلى اليوم بمثابة العقيدة العدائية السعودية تجاه اليمن أنها نبهت آل سعود إلى أن اليمن يمكن أن تكون مصدر الخطر الحقيقي الذي يمكن أن يواجهوا من داخل الجزيرة العربية, ففي الوقت الذي حدثت فيه المعركة كان لآل سعود صولة وجولة, وكانوا هم الذين يبادرون الآخرين بالحروب والتنكيل, ثم تأتي مجموعة قليلة من اليمن لتكبح جماحهم وتحاصر عاصمتهم ولا تتركهم إلا بمراضاتها والاذعان لها وتنفيذ شروطها، ويؤكد تلك العقيدة العدائية تأسيس الدولة السعودية الثالثة إلى سنة 1932م, إلى يد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود, فاستندت الدولة السعودية في إرساء دعائم الدولة الثالثة في التمسك بالأيديولوجية الوهابية ومطامعها التوسعية في شبة الجزيرة العربية، لذلك فإن ما يتداول ويقال من اسطورة ما جاء على لسان الملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة وهو على فراش الموت حين جمع أبناءه الأكبر سنا, وقال لهم: (إن أي شر أو خير لنا مصدره اليمن)، ما هي إلا مقولة تضليل عن حقيقة الإيديولوجية الوهابية وأطماعها بشبه الجزيرة العربية وكياناتها عامة واليمن خاصة. من الخليج إلى البحر تضم اليوم شبه الجزيرة العربية خمس دول صغيرة ودولتين كبيرتين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية, فنظرة السعودية لشبه الجزيرة العربية خاضعة إلى دينامية التوسع السعودي- منذ قيام كيانهم الأول في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي تحت مسمى الوهابية ثم تحول إلى مسمى الدولة السعودية الأولى-, التي تنطلق في الواقع من أطروحتين متكاملتين: 1-إن السعوديين بسبب صحة موقفهم الديني والرسالة التي اطلعوا بها- الدعوة الوهابية- بتوحيد الجزيرة العربية لهم الحق في مهاجمة أي جزء من شبه الجزيرة والإقامة فيه بشكل نهائي. 2- إن سيادة السعودية ولو كانت ظرفية بفعل الخلافات الداخلية في الأسرة المالكة والثورات المحلية- الدولة السعودية الثانية– أو تدخل قوات من خارج شبه الجزيرة- قوات محمد علي باشا وانهاء دولتهم الأولى في 6 سبتمبر 1818م– تبرز في فترة نهوض المملكة– الدولة السعودية الثالثة– واقع إن ترافق هذا النهوض استعادة أي جزء من الأرض كانت القوات الوهابية قد أخضعته في فترات توسعها الماضية- خاصة في الدولة السعودية الأولى-، (السياسة السعودية تجاه اليمن, سفيان أحمد الشنباري). لذلك فإن شبه الجزيرة العربية في نظر السعودية اليوم تشكل منطقة نفوذ خاصة بها, وإذا المبدأ لم يؤد إلى بناء دولة سعودية على كامل شبه الجزيرة العربية, فليس ذلك بسبب احترام السعودية لسيادة كيانات ودول شبه الجزيرة بل لأسباب خاصة بكل حالة، لذلك فإن المملكة السعودية تعتقد أن التدخل في البلدان بشبه الجزيرة العربية حق مشروع لها, وذلك يرجع لمكانتها الدينية ولهيبتها الجغرافية التي يخولها أن تلعب دور مؤثر على تلك البلدان وحتى ضمها لدولتهم، وبهذا الإيديولوجية الوهابية والتي تقوم على التوسع بذريعة الحق المشروع لهم بتوحيد الجزيرة العربية و تكفير معارضيهم بل واستباحه دمائهم وأموالهم واحتلال اراضيهم كحق تاريخي وشرعي لهم وتكليف ديني, وهذا ما يقود إلى حد المقاربة الشبه بين بمطامع الكيان الصهيوني وحلمه بما يسمى إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بحسب وعد ديني توراتي, ومطامع السعودية التوسعية في الجزيرة العربية عامة واليمن خاصة تحت غطاء ديني بأيديولوجية وهابية من الخليج إلى البحر!.