لا يوجد يمني واحد ضد الثورة والجمهورية، فثورة 26 سبتمبر كانت استحقاقًا وأمرًا لا بد منه. الاختلاف يدور حول الكيفية التي قامت بها الثورة، وحول التدخل العسكري المصري، وإرسال مصر جيشًا كبيرًا لقتال جزء من أبناء الشعب اليمني. وكما نرفض التدخل والعدوان السعودي على بلادنا، نرفض التدخل والعدوان المصري. ومن يبرر التدخل والعدوان المصري، فهو يبرر ويشرعن أيضًا للتدخل والعدوان السعودي. وربما لو أن الشعب اليمني والنخب السياسية والثقافية استهجنت التدخل والعدوان المصري، وتعاملت معه كخطأ وهفوة لا يجب أن تتكرر، لما رحب لاحقًا الكثير من أبناء الشعب اليمني بتحالف العدوان السعودي الإماراتي. لكننا شرّعنا للخيانة والعمالة بوصف ما قام به عبد الناصر بالثورة والإنجاز العظيم، واعتبرنا من رهنوا السيادة والقرار الوطني لمصر ثوارًا أحرارًا. كما أننا غير راضين عمّا آلت إليه ثورة 26 سبتمبر، حيث بدأت بهيمنة ووصاية مصرية، وانتهت بالحضن السعودي، وتمكين مجموعة من الفاسدين والفاشلين الذين استأثروا بالسلطة والثروة، وكانوا أسوأ من النظام الإمامي بأشواط، ومارسوا الظلم والاستبداد، وجعلوا من الوطن حديقة خلفية للنظام السعودي. وليس عيبًا ولا حرامًا أن نتحدث وننتقد الأخطاء والسلبيات التي حدثت بصراحة، بل العيب أن نستمر في ارتكاب الأخطاء، وأن نجعل من كل ما يُقال لنا مقدسات وحقائق يجب التسليم بها. ليس عيبًا أن نقول إن أهداف ثورة 26 سبتمبر لم يتحقق منها شيء، وأننا نرفض التدخل الخارجي، ومن العيب – بل هي خيانة وطنية – أن يستعين يمني على يمني وأخيه بقوى خارجية، مهما كانت الأسباب. عيب أسود وخيانة وطنية أن يبرر أو يفرح يمني بالعدوان على بلده، وأن يتشفّى بمقتل يمنيين على يد السعودية أو الإمارات أو أمريكا أو الكيان الصهيوني أو أي بلد آخر. ومن الواجب تجريم مثل هذه الأمور، وجعلها من المحرمات في عقول ووعي أبنائنا والأجيال القادمة. كما أن علينا أن ندرك أن الثورة هي حراك شعبي صرف، لا تحتاج إلى دعم أو توجيه خارجي أو جيوش لحمايتها حتى تنجح. والشعب الذي يستعين ويقبل بالدعم الخارجي للقيام بثورة هو شعب غير مستعد وغير مستحق للثورة. ولنا عبرة في ثورة 21 من سبتمبر التي تفاجأ بها العالم، وتمكنت من اقتلاع رموز الفساد والفشل، ومن القضاء على الهيمنة والوصاية الخارجية دون أن تستعين بالخارج، ودون جيش يحميها. بل العكس، حاول الداخل والخارج والإقليم والعالم إجهاضها والوقوف في وجهها، وشنّوا على بلادنا عدوانًا عالميًا وحصارًا للقضاء عليها، وفشلوا ولا زالوا يحاولون إلى اليوم. وسبب فشلهم وصمود ثورة 21 سبتمبر هو كونها ثورة شعبية حقيقية، ولم يُكتب سيناريوها في العواصم الخارجية.