أيامٌ قلائل تفصلنا عن الذكرى الثانية لعملية "طوفان الأقصى" المباركة التي دشّنت أولى عملياتها البطولية كتائب المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر عام 2023م ليكتمل معها عامان من الصمود والاستبسال والمواجهة للاحتلال الصهيوني الغاصب من قبل المرابطين في قطاع غزة المسنودين من جبهة يمن الإيمان والحكمة، عسكريًا وشعبيًا في إسنادٍ مستمر لم ولن يتوقف مهما بلغت التضحيات، لأن ما يقدمه اليمن في هذه المعركة التاريخية يُعد واجبًا دينيًا وأخلاقيًا وإنسانيًا وجهادًا في سبيل الله ضد الصهاينة المحتلين نصرةً لفلسطين ودفاعًا عن المسجد الأقصى المبارك. ناصر الخذري ضمن محور المقاومة الداعم للشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني برزت جبهة اليمن وتفردت بعملياتها العسكرية الواسعة والمفتوحة بحرًا وجوًا وعلى اتجاهات مختلفة يرافقها الزخم الشعبي الذي تموج به عشرات الساحات أسبوعيًا للتعبير عن التضامن والتنديد بالمذابح الفظيعة التي ترتكبها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني المظلوم والمحاصر منذ عامين. ومما ميّز جبهة اليمن أن العمليات العسكرية المساندة والداعمة للمقاومة في قطاع غزة لم تكن مبنية على قاعدة ردّة الفعل وحصرها في هذا الحيز بل دخلت القوات المسلحة في خوض عملياتها العسكرية ضمن معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس لإسناد معركة "طوفان الأقصى" وتحمل نفس الأهداف والغايات في مواجهة الاحتلال الصهيوني كهدف وغاية لتحرير الأراضي الفلسطينيةالمحتلة وتطهير المسجد الأقصى المبارك من دنس الصهاينة الغاصبين. معركة الإسناد البحري في تحدٍ سافر لسيادة واستقلال الشعوب المناهضة للإمبريالية الأمريكية وللمشروع الصهيوني قامت أمريكا بتحريك حاملات طائراتها إلى منطقة الشرق الأوسط، وإلى مياه البحرين العربي والأحمر يساندها في ذلك تحالف دولي لأكثر من 20 دولة، معلنة بذلك تنفيذ ما أسمته عملية "حارس الازدهار في البحر الأحمر"، فيما الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء هي تحريك حاملات طائراتها لحماية الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر بالقوة والترهيب والترغيب في آنٍ واحد. لكن اليمن، بقيادته الحكيمة والشجاعة أعلن صراحة أن الإسناد العسكري للشعب الفلسطيني سيستمر ولن ترعبه قدرات القوات البحرية الأمريكية والقوى المتحالفة، مهما أمعنت في شن غاراتها العدوانية التي طالت الكثير من الأعيان المدنية وتسببت بارتقاء عشرات الشهداء ومئات الجرحى من المدنيين. عمليات القوات البحرية في معركة غير متكافئة مع أمريكا والدول المتحالفة معها استطاعت القوات البحرية اليمنية، المسنودة بسلاح الجو والقوة الصاروخية، أن تسطر ملحمة بطولية في مواجهة حاملات الطائرات الأمريكية واستهدافها مرات متتالية بشكل غير مسبوق، لم تعهده القوات البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية وهذا ما اعترفت به قيادات عسكرية في البحرية الأمريكية ومسؤولون في الكونغرس الأمريكي. وفي خضم هذه المعركة البحرية المفتوحة مع أمريكا والقوى المتحالفة معها تمكنت قواتنا المسلحة من فرض حظر الملاحة الصهيونية، وحددت مسرح العمليات الذي توسع نطاقه ليشمل المسطحات المائية من شرق المحيط الهندي مرورًا بالبحرين العربي وخليج عدن ومضيق باب المندب وحتى البحر الأبيض المتوسط. وضمن هذا الامتداد الذي يشمل خريطة اليمن والشرق الأوسط، توالت عمليات القوات المسلحة في استهداف كافة السفن الإسرائيلية والمرتبطة بها، بالتوازي مع استهداف حاملات الطائرات الأمريكية بشكل جعل منها عديمة الجدوى بعد فشلها في حماية نفسها، ناهيك عن حمايتها للملاحة الصهيونية التي تحركت من أجلها. شواهد الفشل الأمريكي تعرضت القوات البحرية الأمريكية لضربات موجعة بعد أن نجحت البحرية اليمنية، مدعومة بالقوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر، في إغراق السفن المخالفة وإسقاط 24 طائرة أمريكية من طراز MQ-9إلى جانب طائرتين من طراز F-35 التي أُغرقت هي الأخرى في البحر الأحمر بعد فشلها في الحد من قدرات القوات المسلحة اليمنية، وعدم القدرة على رصد أو صد الصواريخ اليمنية وسلاح الجو المسيّر الذي كان يفاجئ حاملات الطائرات بضربات موجعة وفي أوقات غير متوقعة، مما جعل حاملات الطائرات تلقي بطائرة حربية من طراز F-35 في مياه البحر الأحمر، في سابقة لم تشهدها البحرية الأمريكية منذ إدخال حاملات الطائرات ضمن تسليحها البحري. معادلة جديدة خلال المواجهة الشرسة مع البحرية الأمريكية والقوى التابعة لها، استطاعت القوات المسلحة اليمنية أن تفرض معادلة جيوسياسية في البحر الأحمر، بعد أن حيّدت حاملات الطائرات الأمريكية وفرضت عليها قانون المناطق المحظورة (عديمة الجدوى)، وهذا ما أثبتته التجارب العملية التي جعلت حاملات الطائرات معزولة عن الأسطول البحري الحامي لها من المدمرات الحربية والفرقاطات وسفن الإمداد والتموين. وبواسطة الأسلحة الحديثة التي استخدمتها القوات المسلحة اليمنية في خوض هذه المعركة، من غواصات وقوارب مسيّرة وصواريخ بحرية وطائرات مسيّرة، وجدت أمريكا نفسها في ورطة حقيقية، خاصة بعد فشل حاملات الطائرات في تحقيق الأهداف التي تحركت من أجلها في المياه الدافئة (حماية الملاحة الصهيونية)، مما أرغم القيادة الأمريكية على الدخول في حوار غير مباشر بواسطة الأشقاء في عمان، للتوصل إلى وقف إطلاق النار بين أمريكاواليمن، ليجني اليمن بهذا النجاح مكسبًا سياسيًا إلى جانب الانتصار العسكري، ألا وهو الاعتراف الدولي بشرعية صنعاء التي تمتلك القوة وتدافع عن السيادة الوطنية وتساند الشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني الغاصب. استغلال الموقع الجغرافي خلال الحرب المفتوحة مع كيان العدو الصهيوني الغاصب وظّفت القيادة السياسية والعسكرية اليمنية كل المقومات والعوامل ومنها استغلال الموقع الجيوسياسي لليمن وتم إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الصهيونية وحظرها تمامًا في مياه اليمن الإقليمية، مما أضاف بُعدًا وزخمًا جديدًا على عمليات المواجهة مع العدو الصهيوني، الذي يتعرض لحصار بحري غير مسبوق في تاريخ العصابات الصهيونية منذ زرعها في الأراضي العربية الفلسطينية عام 1948م، باستثناء قيام القوات المصرية بإغلاق مضيق باب المندب إبان حرب السابع من أكتوبر عام 1967، والذي استمر لمدة ثلاثة أشهر تقريبًا. 228 سفينة وخلال عمليات الإسناد لفلسطين التي بدأتها القوات المسلحة اليمنية منذ منتصف نوفمبر عام 2023م، بتدشين أول عملية للقوات البحرية من خلال السيطرة على السفينة "جلاكسي ليدر" بعد رفضها للتحذيرات التي أصدرتها القوات البحرية، وبعمليات مستمرة ورصد وتتبع للسفن المخالفة نجحت القوات في استهداف 228 سفينة مخالفة لقرار حظر الملاحة الصهيونية في البحر الأحمر. وللعام الثاني على التوالي، لا تزال الملاحة الصهيونية محظورة في مياه اليمن الإقليمية بعد إغلاق باب المندب، الذي مثّل نجاحًا كبيرًا لليمن ولشعب فلسطين المقاوم ومثل هذا النجاح ضربة قاتلة للاقتصاد الصهيوني حيث تم إخراج ميناء "أم الرشراش" المحتل عن الخدمة تمامًا. عمليات القوة الصاروخية مثّلت القوة الصاروخية أحد أهم المرتكزات الأساسية في عمليات إسناد القوات المسلحة في خوض المعركة البحرية إلى جانب تنفيذ عمليات في عمق المناطق الفلسطينيةالمحتلة. فخلال ما يقارب العامين تجاوزت الضربات الموفقة الألف عملية تقريبًا، واستطاعت القوة الصاروخية دكّ أهداف حساسة للاحتلال، تنوعت بين العسكرية والاقتصادية في إطار الرد بالمثل مما أضاف بُعدًا جديدًا لا يقل أهمية عن النجاحات التي تحققت في المعركة البحرية أثناء مواجهة أمريكا والقوى المتحالفة معها. وبشكل متدرج ومتواصل، واصلت قواتنا المسلحة عمليات التصعيد ضد العدو الصهيوني التي وصلت إلى خمس مراحل رافق كل مرحلة منها عمليات عسكرية نوعية ضد العدو الصهيوني، الذي ظل متعنتًا ومصرًا على ارتكاب المذابح ضد المدنيين في قطاع غزة مما جعل عمليات التصعيد مستمرة ومتواصلة ضده. أسلحة نوعية في كل مرحلة من مراحل التصعيد، كشفت القوة الصاروخية عن طراز جديد من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية، مثل صواريخ "ذو الفقار" و"فلسطين 2" ذات الرأس الحربي الواحد وصواريخ "فلسطين 2" الانشطارية متعددة الرؤوس، التي مثّلت رعبًا وقلقًا وجوديًا للعصابات الصهيونية بعد أن طالت ضرباتها أقصى المواقع التي كان المحتل يظن أنها محمية وأكثر تحصينًا، مثل مطاري اللد ورامون اللذين أصبحا في مرمى صواريخ اليمن، واستطاعت عمليات استهدافها أن تؤثر بشكل كبير على حركة الطائرات من وإلى هذين المطارين المحتلين. عمليات سلاح الجو المسيّر أثبت سلاح الجو المسيّر ضمن خوض قواتنا المسلحة غمار معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس، نجاحًا كبيرًا يُضاف إلى نجاحات وانتصارات القوات البحرية والقوة الصاروخية. فمن خلال العمليات المنفذة، تم استهداف مئات الأهداف ضد العدو الأمريكي في البحر الأحمر بالعمليات المشتركة مع القوة الصاروخية وأيضًا ضد الاحتلال الصهيوني في عمق المناطق الفلسطينية، التي تصاعدت بشكل لافت وباتت تُنفذ في الآونة الأخيرة بسرب من الطائرات المسيّرة التي تفاجئ العدو وتصيب أهدافها في وضح النهار وسط فشل استراتيجي لمنظومات الدفاع الجوي في اعتراضها، ومنها العملية النوعية التي طالت "أم الرشراش" وأصابت قلب المناطق المحتلة لتراكم خسائر العدو وتشل حركة السياحة في هذه المنطقة الساحلية التي بدت بعد ضربات القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر اليمني طاردة للسياح والمستوطنين الصهاينة معًا. الدور الإيجابي للعمليات لا أحد يستطيع إنكار الدور العسكري اليمني المساند للشعب الفلسطيني فقد نجحت القوات المسلحة اليمنية، في أصعب مرحلة تاريخية تواجه القضية الفلسطينية، في توظيف كل إمكاناتها وقدراتها، ونجحت في تفكيك التحالف الأمريكي المساند للاحتلال الصهيوني .. هذا من جانب أما الجانب الآخر فيتمثل في إحكام الحصار البحري على كيان العدو وشل حركة العمل في منطقة ميناء "أم الرشراش" بعد أن أصبح خارج الخدمة تمامًا. وبالتأكيد، فإن الإسناد العسكري اليمني المستمر لقطاع غزة وشعب فلسطين عمومًا، أسهم في تعزيز وثبات المقاومة الفلسطينية في مواجهة أعتى عدوان صهيوني أمريكي غربي تحالفت فيه قوى الشر على قطاع غزة وشعبها المحاصر. واقع جديد في آسيا وفي سياق الحرب المفتوحة مع كيان العدو استطاعت القوات المسلحة اليمنية أن تفرض واقعًا جديدًا في قارة آسيا، بعد أن برزت كقوة صاعدة وملهمة لقوى كبرى، استفادت من تجربة اليمن في خوض معركة بحرية ناجحة ضد حاملات الطائرات الأمريكية وإصابة أهداف حساسة في عمق المناطق الفلسطينيةالمحتلة، بأجيال مختلفة من الطائرات المسيّرة، التي أعادت النظر لدى كثير من القوى الكبرى في إعادة التسلح بهذا السلاح رخيص الثمن قوي التأثير على العدو، نظرًا لما يتميز به من التخفي وتحييد أنظمة الدفاعات الجوية التقليدية أمام سلاح العصر (الطائرات المسيّرة). إلى جانب الصواريخ الفرط صوتية التي جعلت اليمن يدخل ضمن سباق التسلح للقوى العظمى في العالم، التي تمتلك هذا النوع الفتّاك من الصواريخ المرعبة للأعداء. تطور القدرات الدفاعية في أطول حرب هجومية على الاحتلال الصهيوني تواصل القوات المسلحة اليمنية استهداف العدو الصهيوني بشكل مستمر للعام الثاني على التوالي ولم ولن تستطيع الغارات الجوية الإسرائيلية ومن قبلها الأمريكية أن تحد من عمليات الإسناد العسكري للشعب الفلسطيني. وهذا ما جعل كيان العدو يلجأ إلى استهداف الأعيان المدنية في اليمن، المحمية بالقانون الدولي، بعد أن فشل في الحد من العمليات العسكرية للصواريخ والطائرات المسيّرة التي حولت حياة ملايين المستوطنين إلى جحيم وضاعفت مستوى القلق الوجودي لديهم بشكل واضح، دفع المئات منهم إلى المغادرة خارج الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. واجب ديني وأخلاقي في معركة التصدي للعدو الصهيوني وإسناد المقاومة الفلسطينية ظلت القوات المسلحة اليمنية تؤكد أن العمليات التي تنفذها تأتي نصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم، لرفع الحصار الصهيوني الظالم، ووقف جرائم الإبادة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة منذ عامين. وهذا ما أضفى بُعدًا إنسانيًا على العمليات المساندة لفلسطين، وفي نفس الوقت حقًا مشروعًا لمواجهة الكيان الصهيوني الدخيل، والنبتة الغربية في أرض فلسطين. دلالات وأبعاد يحمل الدور التاريخي الذي تقوم به القوات المسلحة في نصرة الشعب الفلسطيني الكثير من الدلالات والأبعاد الهامة، ومنها ما يلي: المعركة التي تخوضها القوات المسلحة اليمنية لم تعد محصورة في الحيز الجغرافي الضيق الذي تدور فيه معارك المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والعصابات الصهيونية، بل تتجاوز ذلك بكثير في ظل التهديدات الصهيونية للأمن القومي العربي، وعدوانها السافر على كل من سوريا ولبنان وإيران، والتهديد بتوسيع خارطة ما يسمى ب"إسرائيل الكبرى". تطور القدرات الدفاعية للجمهورية اليمنية يُعد أحد الركائز الأساسية التي تعزز ثبات وصمود خط الدفاع الأول عن العرب، والمتمثل في المقاومة الفلسطينية. تطويع اليمن لموقعه الاستراتيجي وحظر الملاحة الصهيونية يمثل أحد الأسباب المؤدية إلى الوحدة العربية في مواجهة خطر الصهيونية، التي باتت تستبيح الشعوب العربية بشكل سافر متحديةً القانونين الدولي والإنساني اللذين يجرّمان استهداف سيادة الشعوب. لقد بات اليمن رقمًا هامًا يصعب على العصابات الصهيونية وأدواتها في المنطقة فرض إرادتها عليه بالقوة، لأنه قادر على رد الصاع صاعين ولا سبيل لوقف عملياته إلا بتنفيذ الشروط التي سبق أن أعلنتها القوات المسلحة اليمنية، وتجدّد التأكيد عليها عقب كل عملية ضد الاحتلال الصهيوني بأن السبيل الوحيد لوقفها هو وقف جرائمه بحق الشعب الفلسطيني ورفع الحصار الظالم عن سكان قطاع غزة. امتلاك قوة الردع الاستراتيجية هو العصا التي بها ومن خلالها يُجبر العدو على احترامك ويجلس معك على طاولة مفاوضات تُفضي إلى نتائج إيجابية وما دون ذلك عبارة عن مضيعة للوقت. وهذا ما بات يعرفه الجميع عن اليمن ، وأن أمريكا تبيع الوهم مرارًا وتكرارًا، ولا سبيل لاستعادة الحق المغتصب والأرض المحتلة إلا باستخدام القوة، تجسيدًا لعبارة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر: "ما أُخذ بالقوة لا يُسترجع إلا بالقوة".