تزامنًا مع مرور عامين على عملية "طوفان الأقصى" التي قلبت العالم رأسًا على عقب، ليكتشف حقيقة إسرائيل المحمية أمريكيًا وأوروبيًا، يحاول المعتوه ترامب إنقاذ المجرم نتنياهو من هزيمة محققة على أيدي المقاومة الفلسطينية، من خلال طرح خطته للسلام – على حد زعمه – المسنودة عربيًا، والتي خدع بها الحكام العرب والمسلمين ليوافقوا عليها. وهو ما يذكرنا بفترة الانتداب البريطاني على فلسطين بعد انسحاب العثمانيين، حيث كانت ممهدة لإنشاء الكيان الصهيوني على مساحة تقدر بما يقارب 60% من الأرض الفلسطينية في 15 مايو عام 1948م، تحقيقًا وترجمة لوعد وزير خارجية بريطانيا بلفور عام 1916م، وتنفيذًا لقرار التقسيم الأممي الصادر عام 1947م. ولم تكن الدول العربية آنذاك تمتلك قرارها السياسي، كونها كانت تحت الهيمنة الاستعمارية، فلا هي قبلت بقرار التقسيم وأنشأت مقابل الكيان الصهيوني دولة فلسطينية مستقلة كما يُطالب بها اليوم، وعاصمتها القدس الشرقية، ولا هي تمكنت بجيوشها من رمي إسرائيل في البحر وتحرير كل فلسطين، حتى بعد أن تحررت من الاستعمار وأصبحت معظم أنظمتها تقدمية ترفع شعارات الوحدة والقومية العربية ومحاربة الهيمنة الإمبريالية. بل ولا هي حتى حافظت على المساحة التي خُصصت للفلسطينيين بموجب قرار التقسيم وكانت تحت إدارة عربية، ففرطت فيها خلال اليوم الأول من العدوان الصهيوني على مصر وسوريا والأردن في 5 يونيو عام 1967م. واليوم، ما أشبهه بالأمس، فها هو مجنون أمريكا دونالد ترامب يعلن عن خطة تمهد لفترة انتداب جديدة شبيهة بفترة الانتداب البريطاني، اتضح أنها تختلف عما قدمه للحكام العرب لدعمها، ومن ثم الاستيلاء على كل فلسطين رسميًا وتسليمها لليهود وتهجير أهلها منها، لينضموا إلى من سبقهم في الشتات. وفي الوقت نفسه، يقلب الموازين لصالح نتنياهو بعد أن فشل خلال عدوانه على قطاع غزة منذ عامين، ولم يحقق أهداف حربه المعلنة، وفي مقدمتها استسلام المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها وتهجير سكان القطاع وإدارته عبر جهات أجنبية. ليأتي ترامب بخطته الخبيثة ليحقق له أهداف حربه بحجة تحقيق السلام وإنهاء العدوان. ولم يخجل ترامب من نفسه، فقد أعلن صراحة أنه سيشكل لجنة سلام برئاسته لإدارة قطاع غزة، واختار نائبًا له المجرم توني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، الذي كان له باع طويل في احتلال العراق عام 2003م. إلى هنا، تكاد تكون الأمور طبيعية بالنسبة للنظرة الاستعمارية والاستيلاء على فلسطين، لكن الأمور غير الطبيعية هي موقف الحكام العرب والمسلمين، ومسارعة العديد منهم لتأييد خطة ترامب وشكره عليها. وهذا يؤكد قول غولدا مائير، التي حكمت إسرائيل كرئيسة للحكومة ستة عشر عامًا، بأن الشعوب العربية ستعرف في يوم ما أننا أوصلنا أبناءنا إلى كراسي السلطة ليحكموها. وها قد وصلنا إلى هذا اليوم، وأثبت الحكام العرب أنهم متصهينون أكثر من الصهاينة أنفسهم، ويخدمون قضايا الكيان الصهيوني أكثر من خدمة قضايا شعوبهم، خاصة الدول الثرية. وقد بدأ بعضهم يتذمر لأن ترامب خدعهم وقدم لهم خطة تختلف عن المعلن عنها، فأحرجهم أمام شعوبهم وأمام الرأي العام العالمي الذي يقف إلى جانب قضية فلسطين. ولا شك أن الضغوط التي تُمارس على المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا حركة حماس والجهاد الإسلامي، عربيًا ودوليًا، ستجبرها على قبول خطة المعتوه ترامب، التي لا تقبل التفاوض ولا التعديل، ولا تمنح الوقت الكافي لدراستها. وقد أعلنت حركة حماس عن قبول بعض بنودها، وتركت الموافقة على البعض الآخر ليتم التفاوض عليه عبر الوسطاء، لأن عدم القبول بها أو رفضها يعطي للكيان الصهيوني الحق في حرق غزة بدعم أمريكي، والقضاء على الكتائب العسكرية المتمثلة في القسام وسرايا القدس، كما أكد ترامب نفسه، مهددًا ومتوعدًا حركة حماس بفتح أبواب الجحيم عليها إذا لم تقبل بخطته، وهو ما يعني مواجهة تصعيد عسكري غير مسبوق، بعد أن وجد تأييدًا عربيًا ومباركة لهذه الخطة اللعينة، وعدم وجود معارضة لها. إن مشكلة الأمة العربية اليوم لم تعد مع يهود تل أبيب، الذين كشف الله حقيقتهم في القرآن الكريم كقتلة للأنبياء عليهم السلام، ومفسدين في الأرض، وليس لديهم عهد ولا ذمة، ملعونين أينما ثقفوا. ولذلك، فليس بمستغرب منهم أن يرتكبوا كل الموبقات، وكل ما لا يستوعبه عقل بشر، فهذا ديدنهم عبر التاريخ، مثيرين للفتن، ومتعطشين للدماء كجزء من حياتهم اليومية. وإنما المشكلة أصبحت مع الأنظمة العربية والإسلامية، الذين يوالون اليهود، ولا يرون إلا ما يراه لهم قادتهم الصهاينة، مع أنهم يعلمون أن من يواليهم فهو منهم، كما أكد الله هذه الحقيقة في القرآن الكريم، حتى لو تظاهر الموالون لليهود من الحكام العرب بأنهم حريصون على مناصرة قضية فلسطين، وهم أساسًا من تسببوا في ضياعها. ومن يعود إلى كتاب الصحفي الأمريكي بوب ودورد (الحرب)، المشهور بكشف فضائح الرؤساء، والتي كان من أشهرها فضيحة ووترغيت التي أجبرت الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون على الاستقالة بداية السبعينيات من القرن الماضي، سيصاب بالذهول مما أورده عن فضائح عدد من الحكام العرب والمسلمين، وكيف سعوا ليطلبوا من ترامب ونتنياهو المسارعة للقضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، كونها – حسب زعمهم – تشكل خطرًا على أنظمتهم. وعندما فشل الجيش الصهيوني خلال عامين من تحقيق هذا الهدف المطلوب بالنسبة لهم، ما صدقوا أن ترامب يتدخل ويعلن عن خطته التي تضمنت ما يسعون إلى تحقيقه، فكان التأييد لها والمباركة منهم سريعًا دون مناقشتها، حاشدين تأييدًا لها حتى من قبل الذين يعترضون عليها ويعتبرونها مساسًا بالكرامة والسيادة العربيتين، وضياعًا للحق الفلسطيني. ومن المحزن أن تكون مصر، أكبر دولة عربية وجارة فلسطين، هي أول المؤيدين لها، وكذلك باكستان، أقوى دولة إسلامية بحكم امتلاكها للسلاح النووي، فأعلنت مباركتها رغم أنها كانت في الظاهر من أشد المعارضين للعدوان على قطاع غزة. ولكن جاءت خطة ترامب لتكشف باطنها. وهكذا هو حال كل من يتظاهرون بتأييد القضية الفلسطينية من الأنظمة العربية والإسلامية، وهم في الحقيقة أشد عداوة لها من الكيان الصهيوني نفسه.