اختُتمت فعاليات المؤتمر العلمي السادس بجامعة البيضاء، والذي عُقد بعنوان "البيئة في القرن الواحد والعشرين.. الواقع والتحديات والحلول"، خلال الفترة من 15–17 ربيع الآخر 1447ه، الموافق 7–9 أكتوبر الجاري، بمشاركة واسعة من الأكاديميين والباحثين والخبراء من داخل اليمن وخارجه. واستعرض المؤتمر على مدى ثلاثة أيام واقع وتحديات القضايا البيئية من خلال 140 بحثًا ودراسة علمية في مختلف المجالات، توزعت على ستة محاور رئيسية: العلوم الشرعية والإنسانية، العلوم الطبيعية، العلوم التربوية، العلوم الإدارية، علوم الرياضة، والعلوم الطبية، قدمها 299 خبيرًا وباحثًا يمثلون 90 مؤسسة علمية وبحثية من 17 دولة حول العالم. وأكد رئيس الجامعة – رئيس اللجنة التحضيرية – الأستاذ الدكتور أحمد بن أحمد العرامي، أن المؤتمر السادس يُعد منصة علمية مهمة لمناقشة التحديات البيئية الراهنة واستعراض الحلول العلمية والعملية الممكنة، مشيرًا إلى أن الجامعة تسعى من خلال هذه المؤتمرات إلى تعزيز دور البحث العلمي في خدمة المجتمع والتنمية المستدامة. وخرج المؤتمر بعدد من التوصيات الهامة التي تلاها أمين عام الجامعة، الأستاذ محمد السعدي، تضمنت رؤى علمية وعملية تسهم في صياغة حلول واقعية لأبرز التحديات البيئية. ودعا المؤتمر إلى ضرورة التكامل بين مختلف العلوم لمعالجة القضايا البيئية، مع تعزيز البحوث متعددة التخصصات. وأوصى المؤتمر بإنشاء مركز أبحاث بيئية متخصص في الجامعة يربط بين الدراسات الشرعية والعلمية، وتطوير قاعدة بيانات رقمية للمعرفة البيئية المحلية. وشدد على ضرورة دعم البحوث التطبيقية في مجالات النباتات الطبية، ومعالجة النفايات، ودراسة الأثر الشامل للمبيدات على السلسلة البيئية، ورصد الآفات الزراعية الدخيلة، ودراسة أثر الزحف العمراني، وإنشاء مختبرات متخصصة لرصد الملوثات الكيميائية وعوادم المحركات. وطالب بدمج قضايا البيئة والتنمية المستدامة في المناهج التعليمية بجميع المراحل، واستخدام الأدب وشعر الأطفال لتنمية الوعي البيئي لدى النشء. وشملت التوصيات تدريب الأئمة والخطباء على إدراج القضايا البيئية في خطبهم، وإطلاق برامج توعية باللهجات المحلية للوصول إلى المجتمعات الريفية، مع التركيز على الممارسات الزراعية المستدامة، ومخاطر التلوث البلاستيكي، وفرز النفايات، وترشيد استخدام المبيدات، والتحذير من مخاطر نقل تراب الأودية. وأكد المؤتمر على ضرورة تبني استراتيجيات الاقتصاد الأخضر في السياسات الاقتصادية، وتطبيق معايير البيئة (ESG) في القطاعين العام والخاص. ودعا إلى دعم ريادة الأعمال البيئية من خلال التمويل الميسر والحوافز الضريبية، وإنشاء صندوق أخضر لدعم مشاريع إعادة تدوير المخلفات البلاستيكية، والاستثمار في تقنيات تحويل النفايات إلى موارد، وتشجيع الصناعات المحلية لإنتاج بدائل قابلة للتحلل. وشجعت التوصيات على توظيف الابتكار والتكنولوجيا في خدمة البيئة، باستخدام الذكاء الاصطناعي في رصد المؤشرات البيئية، وتطبيق تقنيات النانو والبلازما في معالجة الملوثات. كما أوصى المؤتمر بتطوير تقنيات متقدمة لمعالجة التلوث البلاستيكي، وإيجاد حلول مبتكرة لمشاكل الصرف الصحي، وتطوير منصات رقمية للإنذار المبكر من الكوارث. ودعت التوصيات إلى إنشاء مراكز متخصصة لإدارة المخلفات الخطرة، وتطوير برامج الترصد الوبائي والإنذار المبكر للأمراض، مع وضع برامج رقابة صحية للعاملين المعرضين للملوثات، خاصة في القطاع الزراعي، وتحسين إدارة النفايات الطبية، ودراسة العلاقة بين التغيرات البيئية وانتشار الأمراض. وشددت التوصيات على ضرورة دمج الثقافة القرآنية والهوية الإيمانية مع المعايير الدولية، وإدراج التنمية المستدامة كحق وواجب. ودعت إلى سن قوانين بيئية لحماية الأراضي الزراعية من الزحف العمراني، وتنظيم استخدام المبيدات، ومنع تجريف التربة، وتفعيل دور الرقابة البيئية، وتطبيق نظام الجودة في المنشآت الصناعية. وأبرز المؤتمر دور الأدب والفكر الإنساني في تشكيل الوعي البيئي، ودعا إلى تعزيز دور الرياضة في نشر الثقافة البيئية من خلال تطوير منشآت رياضية صديقة للبيئة، ودمج المفاهيم البيئية في برامج التدريب الرياضي والإعلامي، والتوسع في إنشاء المساحات الخضراء لممارسة الرياضة للجميع. وجدد المؤتمر دعوته إلى توسيع قاعدة المشاركة الدولية، وبناء شبكات عربية وإسلامية ودولية للباحثين، وتطوير شراكات مع المؤسسات المتخصصة، واستمرار عقد الورش والندوات من خلال تفعيل كرسي المياه والبيئة التابع للجامعة. وشدد المشاركون في المؤتمر على ضرورة الاستفادة من النباتات الطبية اليمنية كبدائل علاجية طبيعية وكبدائل للمبيدات الكيميائية. وشملت التوصيات توثيق المعارف التقليدية، وإنشاء بنك للموارد الوراثية النباتية، وتطوير مستخلصات طبيعية، وحفظ المصطلحات البيئية التقليدية في قواميس متخصصة، وإعادة دراسة التقويم الزراعي اليمني. وأقر المشاركون في المؤتمر تشكيل لجنة متابعة لتنفيذ مخرجات المؤتمر، ووضع خطة زمنية محددة، وإصدار تقرير سنوي لمتابعة التقدم المحرز، ووضع استراتيجية وطنية لحماية المياه الجوفية من الاستنزاف، ومراقبة تأثير شق الطرقات والتمدد العمراني على الموارد المائية، مع ضرورة حماية البيئة البحرية من التلوث، ومنع تجريف الشعب المرجانية، ووضع برامج لمعالجة تلوث مياه البحر من الصرف الصحي والمخلفات. مسيرة وعي وبناء وعلى هامش المؤتمر، صرّح رئيس الجامعة – رئيس اللجنة التحضيرية – الأستاذ الدكتور أحمد بن أحمد العرامي، في حديث خاص ل"26 سبتمبر"، قائلًا: "الحديث عن المؤتمر العلمي السادس للجامعة ليس حديثًا عابرًا، بل هو امتداد لمسيرة وعي وبناء، ومسار علم يضع لبناته جيل بعد جيل، في سبيل أن تكون الجامعة منارة للبحث وجسرًا يصل الفكر بالواقع، والعلم بالحياة". وأضاف أن المؤتمرات ليست مجالس للأوراق والبحوث فحسب، بل هي – إن أُحسن استثمارها – منصات لرسم مستقبل أفضل، تُبنى فيه القرارات على المعرفة، وتُشيّد الرؤى على وعي ومسؤولية وشراكة. وأشار العرامي إلى أهمية المؤتمر العلمي السادس لجامعة البيضاء، باعتباره منصة للتواصل وتبادل الأفكار بين العلماء والباحثين المهتمين بالبيئة وصنّاع القرار، مساهمةً في مواجهة الأزمة البيئية العالمية من خلال توصيات وخطط عمل قابلة للتطبيق، وتحفيز السياسات البيئية المستدامة، ورفع الوعي لدى الأفراد والمؤسسات. وأفاد أن المؤتمر يهدف إلى إتاحة الفرصة للباحثين لعرض أبحاثهم ودراساتهم وتبادل الخبرات فيما بينهم، وأيضًا إيضاح دور العلوم والآداب في الكشف عن القضايا البيئية، واستعراض الوضع الحالي للبيئة، بالإضافة إلى تقديم دراسات وتحليلات حول التحديات البيئية المعاصرة، والإسهام في وضع الحلول المناسبة، وتعزيز الوعي البيئي بين الأفراد والمجتمعات من أجل مستقبل الإنسانية، واستكشاف أفكار جديدة تهدف إلى الحد من المشكلات البيئية وخلق تقنيات صديقة للبيئة. ولفت العرامي إلى أن الجامعة عقدت من قبل خمسة مؤتمرات علمية تنوّعت موضوعاتها ومباحثها، وكان أولها عامًا، والثاني بعنوان "تفعيل دور الجامعات في خدمة المجتمع"، والثالث حمل شعار "الجامعات البحثية.. الواقع والطموح"، والرابع تناول "دور الجامعات في تحقيق التنمية المستدامة"، والخامس جاء ليؤكد "أثر الذكاء الاصطناعي في تعزيز البحث العلمي ومكانته"، واليوم نقف أمام المؤتمر السادس بعنوان "البيئة في القرن الحادي والعشرين: الواقع والتحديات والحلول"، وهو موضوع يمس حياة الإنسان وصحته واقتصاده، ويضعنا أمام مسؤولية جماعية تجاه التغير المناخي والتلوث وآثار الحروب، لنبرهن أن الجامعة ليست معزولة عن قضايا مجتمعها ووطنها وأمتها. وقال رئيس جامعة البيضاء : " أن هذا النهج البحثي مستمر منذ عام 2019م، من خلال إصدار المجلة العلمية المُحكَّمة التابعة للجامعة، والتي بلغت اليوم إصدارها الخامس والعشرين، واحتضنت بين دفتيها بحوث المؤتمرات السابقة. ولذلك، نعلن الاستمرار في هذا الطريق عبر الاستكتاب اللغوي السنوي، بالإضافة إلى جائزة البحث العلمي التي أُسست لتكريم الباحثين من أساتذة الجامعة وطلابها." ترابط كبير من جهته، أفاد رئيس لجنة الاستقبال، الأستاذ أحمد أحمد صالح ناصر، أن جامعة البيضاء تحرص على عقد المؤتمرات العلمية، ترجمةً لتوجهات وتوجيهات قائد الثورة، السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – والقيادة السياسية، في العمل على تشجيع البحث العلمي وتحسين العملية التعليمية والأكاديمية وتطويرها في كافة الجامعات اليمنية. وأشار إلى أن ما يميز المؤتمر العلمي السادس للجامعة هو تزامنه مع ذكرى السابع من أكتوبر "طوفان الأقصى"، حيث يؤكد الترابط الكبير بين اليمنوفلسطين، وأكبر دليل على ذلك مشاركة باحثين من فلسطين، نتيجة للترابط القوي بين الشعبين. وبيّن أن جامعة البيضاء، من خلال إقامة هذه المؤتمرات، تُثبت للجميع أن رسالتها واسعة، وأقرب إلى حياة الناس واحتياجاتهم.