رغم توقف آلة الحرب الصهيونية على قطاع غزة، إلا أن معاناة الفلسطينيين لم تتوقف، بل بدأت رحلة جديدة من الألم والبحث عن الأحبة المفقودين، الذين ما زالوا تحت ركام البيوت المهدّمة. آلاف العائلات الفلسطينية اليوم تعيش على أمل العثور على جثامين ذويها الذين طمرهم القصف، في ظل عجز كامل لفرق الإنقاذ والدفاع المدني بسبب نقص المعدات والإمكانيات. في مشهد تختلط فيه الدموع بالغبار، تقف أمّ فقدت ابنتها وأحفادها أمام أطلال منزلها المدمر وهي تقول بحرقة: "كان في العمارة أكثر من سبعين نازحًا، قصف الاحتلال الدار عليهم. نفسي أشوف بنتي وأودعها، بس مش قادرة، البيت كله أربع طوابق نازل عليهم. فقدت بنتي وولادي وأولاد إخوتي... نفسي بس أحضن بنتي." نداءاتها لا تتوقف، فالأمل الأخير هو دخول معدات الإنقاذ الثقيلة لانتشال جثامين المفقودين. تقول وهي تمسح دموعها: "أناشد الدول العربية كلها، كل دولة بدولتها، يساعدونا ويدخلوا المعدات. أختي وأولادها تحت الأنقاض في عمارة المدهون مقابل مستشفى كمال عدوان، وما حد قادر يطلعهم." تقديرات رسمية ودولية تشير إلى أن أكثر من عشرة آلاف شهيد ما زالوا تحت أنقاض المنازل المدمرة في مختلف مناطق القطاع، فرق الدفاع المدني في غزة تؤكد أن عمليات الانتشال شبه متوقفة بسبب الدمار الهائل وغياب المعدات الثقيلة التي يمنع الاحتلال دخولها منذ بداية العدوان. المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة أوضح أن طواقم الإنقاذ تعمل في ظروف "تفوق حدود المستحيل"، قائلاً: "نعاني من نقص حاد في الجرافات والرافعات وآليات الإطفاء والإنقاذ، وهذا يجعلنا غير قادرين على إخراج الجثامين ودفنها. نطالب بإدخال المعدات اللازمة بشكل عاجل، فهذا حق إنساني لا يمكن تأجيله." إلى جانب القصف والتدمير، تركت قوات الاحتلال جثث الفلسطينيين في الشوارع والطرقات، دون توثيق أو نقل أو السماح بدفنها، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف التي تُلزم أطراف النزاع بتأمين دفن القتلى وتحديد هوياتهم. ولا يزال أكثر من ألف وخمسمئة فلسطيني ممن دخلوا أراضي فلسطينالمحتلة عام 1948 في السابع من أكتوبر، مجهولي المصير حتى اليوم، وسط غياب تام لأي تحرك دولي جاد لمعرفة مصيرهم أو استعادة جثامينهم. في غزة، لا تزال أصوات الأهالي تتعالى من تحت الركام، بحثًا عن رائحة الحياة أو وداعٍ أخيرٍ لمن أحبّوا. وبين أنقاض البيوت، تتكدس قصص الفقد والألم في مواجهة صمت دولي يثقل الكارثة أكثر فأكثر.