يقول المفكر العسكري الألماني كلاوزفيتز إن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى، من شأنها أن تجعل من العنف المنظم أداة لإجبار الخصم على تنفيذ إرادة الطرف الآخر. ومن هذه العبارة الشهيرة نستشف أن قوى تحالف العدوان، التي شنت حربها على اليمن بقيادة النظامين السعودي والإماراتي لما يقارب عقدًا من الزمن، قد استخدمت الحرب كأداة لتحقيق أهدافها السياسية في اليمن من خلال استخدام القوة. ولكن النتيجة التي وصلت إليها الدول التي تكالبت في عدوانها على اليمن، بدعم أمريكي، هي أن فرض خططها وأهدافها بواسطة القوة قد فشل فشلًا ذريعًا. 26 سبتمبر – خاص من الحرب غير المباشرة مع أمريكا، دخل اليمن بشكل مباشر في حرب مفتوحة معها ومع الدول المتحالفة معها، في إطار الإسناد الأمريكي للاحتلال الصهيوني، ما جعل اليمن يواصل عملياته الدفاعية عن السيادة الوطنية، وإسناد الشعب الفلسطيني في معركة دامت سنتين بشكل مستمر، خاضت خلالها القوات المسلحة اليمنية غمار معركة "الفتح الموعود" و"الجهاد المقدس" بعمليات عسكرية نوعية أجبرت أمريكا في نهاية المطاف على سحب قواتها من مياه اليمن الإقليمية والدخول في مفاوضات غير مباشرة مع صنعاء عبر وسطاء من الأشقاء في سلطنة عمان. ومع ذلك، لم تتوقف ضربات القوة الصاروخية والطائرات المسيّرة، بل ظلت تحاصر كيان العدو الصهيوني في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، الذي أُغلق أمام الملاحة الصهيونية، ولا يزال ذلك ضمن الموقف اليمني الرسمي المعلن بإسناد المقاومة الفلسطينية حتى وقف العدوان الصهيوني ورفع الحصار عنها. الدلالات من خلال هذا الاستهلال، وباستعراض موجز للتجارب الميدانية والحرب العدوانية الشاملة التي استهدفت اليمن بالأسلحة الأمريكية الفتاكة التي لم تفتّ في عضد اليمن شعبًا وقوات مسلحة، بل أكسبته خبرات وجعلته يحوّل المحن إلى منح، ويطوّع الطبيعة لخدمة الأمن القومي اليمني، بل والعربي، من خلال نجاحه في إعلاق باب المندب ووقف الملاحة الصهيونية. هذا أولًا، وثانيًا: تصنيع وتطوير أجيال من الصواريخ القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى، كان من أبرزها صواريخ "فلسطين 2" الفرط صوتية الانشطارية ذات الرؤوس المتعددة، والطائرات المسيّرة بأجيالها المختلفة، ومنها طائرات "يافا" المسيّرة. عقد من الحرب والبناء بعد عقد ونيف من الحرب التي خاضتها القوات المسلحة اليمنية، سواء مع النظامين السعودي والإماراتي ومرتزقتهما، أو مع أمريكا وكيان العدو الصهيوني، أثبتت القوات المسلحة، المسنودة بأحرار الشعب اليمني، أنها قوة نوعية قادرة على حماية السيادة الوطنية، وفي الوقت نفسه قادرة على الإسهام في تعزيز الأمن القومي العربي من خلال إسناد الشعب الفلسطيني ضد العدو الصهيوني، بشكل أثبت نجاح القوات المسلحة اليمنية في خوض حرب استنزاف طويلة الأمد، صعب معها على الأعداء فرض أجنداتهم بالقوة، رغم شراسة الحرب العدوانية والحصار الجائر الذي لا يزال قائمًا حتى اللحظة. كل هذه الحرب الشعواء على اليمن، والحصار الظالم والجائر، لم ولن يثنيان الشعب اليمني وقواته المسلحة عن مواصلة الدفاع عن سيادته أمام حرب كانت دول تحالف العدوان هي البادئة بها تحت مبررات واهية، "إعادة الشرعية"، التي لا تزال تحتضن أشتاتًا من مسميات مختلفة، كل منها يدّعي أنه "الشرعية"، في حين خرج السواد الأعظم من الشعب اليمني رافضًا لسياسة ليّ الأذرع الهادفة إلى تمزيق اليمن والسيطرة على ثرواته وخيراته بواسطة أدوات صنعتها الأنظمة المعادية لليمن، ولا تعبّر عن إرادة الشعب اليمني الرافض للهيمنة والوصاية على قراره السياسي واستقلاله، والتحكم بإدارة ثرواته ، ومنها النفط والغاز وغيرها من الموارد الاستراتيجية. استحقاقات السلام بعد فشل تحقيق الأهداف التي من أجلها شُنت حرب عدوانية طالت البنى التحتية وأثّرت بشكل مباشر على الوضع المعيشي في اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه، كانت استحقاقات السلام، التي تضمنتها خارطة الطريق التي رعت جولات التفاوض فيها سلطنة عمان الشقيقة، هي المخرج الآمن للجميع من تداعيات حرب لا تبقي ولا تذر، ولا مصلحة فيها لأحد سوى أمريكا، التي باتت، ومعها إسرائيل، تضغطان على النظام السعودي بعدم تنفيذ بنود خارطة الطريق، خاصة بعد عمليات الإسناد اليمنيةلفلسطين خلال العامين الماضيين، اللذين جعلا اليمن يصارع على جبهات عدة عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا. اليوم، وبعد فشل الحرب العسكرية والاقتصادية، لم يبقَ أمام النظام السعودي إلا أن يعي جيدًا أن مصلحته تكمن في سلام واستقرار دائم في اليمن، وهو ما يحتم عليه عدم المماطلة والرضوخ للإملاءات الأمريكية التي لن تكون في صالحه في نهاية المطاف. أولويات مهمة الحصار الجائر والحرب العدوانية الشاملة على اليمن لعقد من الزمن ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة، بعد إغلاق المطارات والموانئ اليمنية في المحافظات الحرة والتسبب بأزمة اقتصادية خانقة أوقفت صرف مرتبات موظفي الدولة، مما فاقم المعاناة وباتت الأوضاع لا تحتمل المزيد من الصبر. مما يجعل البدء بتنفيذ خارطة الطريق ببنودها المطروحة، سيما الملف الإنساني، أولوية عاجلة، والمتمثل بصرف مرتبات موظفي الدولة وفتح المطارات أمام الرحلات المختلفة لإثبات حسن النوايا، لتتبعها بقية الخطوات في المرحلتين الأخريين، حتى التوصل إلى انخراط كافة القوى اليمنية في حوار يمني - يمني، والاشتراك في إدارة اليمن الواحد، مما يحفظ له وحدته وأمنه واستقراره، الذي سيكون له الأثر الإيجابي ليس على اليمن فحسب، بل على الخليج العربي والمنطقة والعالم، نظرًا لموقع اليمن الجغرافي الاستراتيجي وتأثيره على ما حوله في حال استمرت الصراعات والحروب مشتعلة. مرونة سياسية البنود التي وُضعت كخارطة طريق للخروج من تداعيات الحرب التي فُرضت على اليمن، تعاملت معها الحكومة في صنعاء والمجلس السياسي الأعلى والوفد الوطني المفاوض بمرونة سياسية، وقدمت تنازلات حرصًا منها على الوصول إلى حلول تضمن لليمن وحدته، وتحقق للشعب آماله وتطلعاته الكبرى في بناء اليمن المنشود والنهوض الشامل في كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية لكل أبناء اليمن. لكن يبدو أن الضغوطات الأمريكية لا تزال مستمرة على النظامين السعودي والإماراتي، ما يجعلهما يماطلان في استحقاقات السلام، والتي تتمثل في التالي: وقف شامل للعدوان العسكري على اليمن من قبل تحالف العدوان بقيادة السعودية. رفع الحصار الجوي والبحري والبري المفروض على اليمن . معالجة الملفات الإنسانية مثل صرف المرتبات وفتح المطارات والموانئ. إطلاق عملية سياسية شاملة تضمن مشاركة جميع الأطراف اليمنية. البدء بإعادة الإعمار وتعويض المتضررين من الحرب. هذه البنود خاصة ما يتعلق بالملف الإنساني هي استحقاق للشعب اليمني، وليست منّة من أحد، ويجب التجاوب معها، فهي تمثل أبسط حقوقه في الحصول على حقه في السفر والعلاج والتعليم والمرتب، ويجب التعاطي معها بوعي كونها تمس كل أبناء اليمن، ولا تخص فئة من الفئات أو قوى أو أحزابًا معينة، وهذا ما يجب أن تعيه وتدركه القوى الوطنية، لأن المصالح الوطنية للبلد يجب أن توضع فوق كل المصالح الضيقة. التعايش السلمي أغلب القوى تقريبا تدرك أن التوصل إلى حل سياسي يضمن لليمن وحدته وأمنه واستقراره واستقلاله ، ورفع الحصار الظالم عنه، وسحب كل القوات الأجنبية من أراضيه في المحافظاتالمحتلة، بات مطلبًا شعبيًا لا مناص عنه. وأن التقارب بين القوى الوطنية وبناء اليمن المستقل هو الضامن الحقيقي للتعايش السلمي بين أبناء الشعب وبين اليمن وجيرانه، وأن أي محاولات للتملص من استحقاقات السلام ستكون عواقبها وخيمة على القوى التي تراهن على الحماية الأمريكية، التي لن تنفعها، وسيكون ضررها أكثر من نفعها، وهذا ما عُرفت به سياسة البيت الأبيض التي لا تبحث إلا عن مصالحها، وتسعى إلى تغذية الصراعات والحروب بما يجعل جميع القوى المتحاربة تخرج خاسرة في نهاية المطاف. إدارة الأزمات تُعدّ سياسة أمريكا في إدارة الأزمات من خلال تغذية الصراعات إحدى الأساليب التي تعتمدها لحماية مصالحها، وذلك عبر إنهاك جميع الأطراف حتى تتمكن من التحكم في اللعبة السياسية ضمن نظرية "الفوضى الخلاقة" ونظرية "امنحوا الحرب فرصة". وهذا ما أشار إليه هنري كيسنجر عندما سُئل عام 1986: ما هي الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحرب العراقية الإيرانية؟ فأجاب: "استراتيجيتنا هي خسارة الطرفين". فهل تعي الرياض اللعبة الأمريكية وتتدارك الخطأ الاستراتيجي الفادح بهدم السور الحامي لها (اليمن)؟ وهل ترمم ما أحدثته من تصدع وضرر في هذا السور؟! نأمل أن تكون الدروس السابقة كفيلة بأن يستوعب النظام السعودي ما مضى، وأن يدرك أن الجميع مستهدف من قبل واشنطن وكيان العدو الصهيوني، الذي ما برح قادته يهاجمون جهارًا نهارًا النظام والشعب السعودي مرارًا وتكرارًا، مما يوحي بالخطر الداهم على كل الأنظمة العربية التي تماهت مع واشنطن وتقاعست عن القيام بواجبها تجاه الشعوب العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، خط الدفاع الأول عن العرب. الوضع لا يحتمل المزيد من المراوغات أو الرضوخ للضغوطات الأمريكية التي لا تراعي إلا مصالحها ومصالح كيان العدو الصهيوني، عدو العرب جميعًا .