ما قامت وتقوم به أمريكا والغرب والصهاينة في منطقتنا والعالم لا بد أن ينعكس عليهم، فالهيمنة بالحروب وإذكاء الصراعات وإشعال الفتن العِرقية والطائفية والمذهبية والمناطقية بهدف تفكيك مجتمعاتنا ومجتمعات أخرى في القارات الخمس في إطار مخططات فرض الهيمنة بالقوة وإبادة الشعوب والاستحواذ على خيراتها وثرواتها والسيطرة الجيوسياسية على المواقع التي تعطي أمريكا ومعسكرها اليد العليا في السيطرة والصراع مع القوى الأخرى التي تحاول أن تعيد صياغة العالم خارج إطار الهيمنة الاستعمارية الغربية ووفقاً لمصالحها التي تحاول القوى المضادة الحد منها ورسم حدودها ولا بأس إنْ تمكَّنت عبر مشاريعها من تفكيكها؛ مثل هذه المحاولات أصبحت اليوم لا تقتصر على بلدان منطقتنا العربية والفضاء الإسلامي بل تمتد إلى روسياوالصين والحرب الأطلسية الروسية مثالاً ساطع في هذا الاتجاه، كما أن اللعب بورقة التبت والإيغور وتايوان لا يخرج عن هذا المنحى. ما يخص منطقتنا واضح من حرب الإبادة في غزة، والعدوان المستمر على اليمن، وما تَعرَّض له العراق وأفغانستان وليبيا وأخيراً سوريا، يضعنا أمام حقيقة أن هذه المنطقة التي أُطلق عليها مصطلح الشرق الأوسط تعطي انطباعاً أن أمريكا وحلفاءها وأدواتها ما زالوا هم اللاعبين الأساسيين فيها لضرب المشاريع الإقليمية لصالح إسرائيل، ومحاولات تركيا الأردوغانية ربط نفسها بالمشروع الأمريكي الصهيوني وخاصةً في سوريا يُنظَر إليه أنه خدمة واجبة للصهاينة؛ وعضويتها في حلف الناتو لا يرتقي بها عن مجرد دولة وظيفية لأن الحليف الذي يعتمد عليه لتحقيق مصالح الهيمنة هي الغُدة السرطانية في هذه المنطقة والمُسماة إسرائيل.. وهنا لا بد من العودة إلى بدء، للربط بين الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والتأثيرات الحاصلة في المجتمعات الغربية التي أصبحت تربط بين ما تعانيه من نخبها الحاكمة وبين جرائمها التي وصلت في تعبيرها عن توحُّشها إلى أقصى مدى في الحرب الظالمة على شعب أعزل في مساحة محاصَرة لا تتجاوز 360 كيلومتراً مربعاً، لتسقط السردية الصهيونية الغربية أمام تلك الشعوب التي تعاني بسبب استحواذ أقل من 1% على كل الخيرات، وإحساس الغالبية العُظمى أن المظلومية والتوحُّش لا يقتصر على غزة أو فلسطين والشعوب العربية وغيرها من شعوب العالم، بل وصل إلى الشعب الأمريكي المجتمعات الغربية التي انقسمت بين مقاومة هذا النهج للاحتكارات الصناعية والتكنولوجيا والمالية والاصطفاف حول النزعات الفاشية والعنصرية التي يمثّلها ترامب والأحزاب اليمينية في الغرب عموماً.. مؤشرات وصول العولمة إلى مداها الأخير انتخاب غالبية الأمريكيين في عاصمة المال والأعمال العالمية نيويورك زهران ممداني بشعاراته المدافعة عن غزةوفلسطين والمهاجرين، والأهم نزعته الاشتراكية الديمقراطية التي عبَّر عنها في برنامجه وخطابه الانتخابي؛ وهذا منذ عقود أو بعض سنوات كان أمراً مستحيلاً في بلدية لأصغر مدينة أمريكية، فكيف إذا كان في نيويورك مركزالنظام الرسماليالعالمي.. ترامب والطغمة المالية الأمريكية حاولوا استخدام أساليب الداعية التي كانت تخيف الأمريكيين مثل الاتهام بالشيوعية واليسارية، لكنهم فشلوا.. بغض النظر عن تطبيق ممداني لبرنامجه في نيويورك أو محاولة إفشاله، فإن المؤشر قد حصل، مضافاً إليه الصراع الذي بُدِئ منذ سنوات طويلة داخل المجتمع الأمريكي وجاء برئيس أسود إلى البيت الأبيض -ونعني هنا أوباما- لم يوقف كل هذا بل عمَّق الانقسام، فجاء ترامب ليعكس النقيض من هذا الانقسام، وبين الفترتين رأت القوى المهيمنة في أمريكا أن تأتي برئيس معتل بفعل الزمن ليتضح أن اللعب على هذه الأوراق أمام التناقضات وتركيز الثروة في أيدي قِلة؛ وانهيار الطبقة الوسطى يفضح ألاعيب أمريكا الإمبريالية وحلفائها أو أتباعها في أوروبا والعالم. المشكلة أن القوى العالمية التي يراهن عليها في الحد من توحش الهيمنة الاحادية ونقصد- الصينوروسيا- والتي ما زالت عاجزاً عن استيعاب هذه التحوُّلات سواءً فيما يخص منطقتنا او العالم وصراعها عبر تعبيراتها الناشئة تراوح عند خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف مثل منظمة بريكس وشنغهاي.. فالصين ما زالت تخشى على مصالحها مع أمريكا وتقبل باحتوائها في إطار بحر الصين، وروسيا شغلوها بالحرب التي أشعلوها بأوكرانيا، وتقبل بطروحات أمريكا لخراجها من أتون الحرب التي صنعوها لإخضاعها وحتى إلى تقسيمها إنْ كان ذلك ممكناً، وهذا ينسحب على الأطراف الإقليمية سواءً تلك التي تعتقد أن مشروعها سيتحقق في إطار المشروع الغربي أو تلك التي تلهث وراء مفاوضات لم تَجْنِ منها سوى التطويق والعقوبات والرهان على تغييرها من الداخل ونعني هنا تركيا الأردوغانية الأتاتوركية وإيران الثورة الإسلامية والتي عليها أن تدرك لنجاح مشروعها أن تغادر مربع استرضاء الغرب بالمفاوضات حول الملف النووي وعدم التردُّد في مواجهة المشروع الصهيوني وادواته الواضحة إقليمياً. المخطط الغربي الأمريكي الصهيوني لن يتراجع ويهزم إلا بتحالف كل القوى المناهضة له في المنطقة والعالم، وهذا يتطلب قراءة الأزمات التي سوف تعصِف بقوى الهيمنة والتوحُّش الاستعماري داخل مجتمعاتها بعد أن أصبحت واضحة..حينها يمكن الحديث عن نظام دولي جديد يعيد للعالم توازنه وللإنسانية بعض قيمها وبما يحقق العدالة للبشرية بمعنها النسبي.. الجيوسياسية على المواقع التي تعطي أمريكا ومعسكرها اليد العليا في السيطرة والصراع مع القوى الأخرى التي تحاول أن تعيد صياغة العالم خارج إطار الهيمنة الاستعمارية الغربية ووفقاً لمصالحها التي تحاول القوى المضادة الحد منها ورسم حدودها ولا بأس إنْ تمكَّنت عبر مشاريعها من تفكيكها؛ مثل هذه المحاولات أصبحت اليوم لا تقتصر على بلدان منطقتنا العربية والفضاء الإسلامي بل تمتد إلى روسياوالصين والحرب الأطلسية الروسية مثالاً ساطع في هذا الاتجاه، كما أن اللعب بورقة التبت والإيغور وتايوان لا يخرج عن هذا المنحى..