حققت استراتيجية توطين صناعة الحليب ومشتقاته (NSLD)، تحولا تنمويا نوعيا، يعد الأول من نوعه في تاريخ القطاع الزراعي باليمن، وأثمرت نجاحات فارقة في مختلف مديريات محافظة الحديدة، ركزت عمليا على سلاسل القيمة المترابطة، وعززت من فرص العمل، وعملت على تقليص نسبة كبيرة من الاستيراد الخارجي، بل وأعادت الاعتبار للإنتاج المحلي كمحور مركزي في معادلة الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. خاص 26 سبتمبر : محمد العلوي وكشف تقرير حديث صادر عن الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة الحليب ومشتقاته، حصلت الصحيفة على نسخة منه، عن نجاحات نوعية تحققت منذ بدء تنفيذ الاستراتيجية في يونيو 2023م وحتى ديسمبر 2025م، على مستوى الإنتاج والتشغيل والاستثمار، كان أبرزها توفير أكثر من 20,884 فرصة عمل مباشرة في الحديدة فقط، ضمن سلاسل القيمة المرتبطة بإنتاج ونقل وتجميع الحليب، وصناعة الأعلاف والرعاية البيطرية، ما يعادل استفادة مباشرة وغير مباشرة لأكثر من 104 ألف نسمة، بافتراض متوسط 5 أفراد لكل أسرة. ووفرت الاستراتيجية العملة الصعبة بمبلغ (19,071,673 دولار)، في السنة من إجمالي فاتورة الاستيراد، ما يقابل (10,107,986,640 ريال يمني)، كما أسهمت بإيجاد 100 ألف فرصة عمل، وبلغ حجم السيولة النقدية الموفَرة في الأسواق اليمنية خلال هذه الفترة ذاتها (34,515,939,850 ريال). رفع الطاقة الإنتاجية وأكد منسق وحدة الألبان بفرع الاتحاد التعاوني الزراعي بالحديدة، المهندس معاذ الأحمدي، في تصريح خاص ل "26سبتمبر"، أن الاستراتيجية ساهمت في رفع الطاقة الإنتاجية من الحليب في تهامة من 16,470 لتراً يوميًا في منتصف 2023 إلى 157,000 لتر يوميًا بنهاية العام 2025، أي بمعدل نمو يربو على 850% خلال عامين ونصف فقط، ما يعد قفزة غير مسبوقة في تاريخ القطاع الحيواني في اليمن. حيث بلغت إجمالي الكميات المستوردة (114,587 طنا)، خلال العام 2023م، وهي تتكون من أربع منتجات، "الألبان، الأجبان، الزبدة، والسمن"، وبقيمة إجمالية، (384,928,748 دولار)، وفق بيانات مصلحة الجمارك. وبين، أن الكمية المستوردة من الألبان ومشتقاتها تحتاج إلى حليب خام لتحويلها إلى مشتقات الألبان بكمية تقدرب (947,769 طن) من الحليب سنويا لتغطية الفجوة، أي بما يعادل (2,632,692) لتر حليب يوميا. واستعرض خلال حديثه، أن إجمالي كميات الإنتاج بعد توقيع استراتيجية توطين الحليب إلى نهاية العام الجاري، بلغت (81,468,795) لترا من الحليب، وبقيمة إنتاج خلال الفترة بلغت (34,515,939,850 ريال)، وفي المقابل بلغ حجم الدعم الحكومي المقدم لمنتجي الحليب خلال الفترة ذاتها من يونيو 2023 وحتى ديسمبر 2025م، مبلغ (8,445,925,610 ريال). تدخلات حكومية وذكر الأحمدي، أن هذه الطفرة الإنتاجية جاءت نتيجة حزمة من التدخلات الحكومية، شملت إنشاء مراكز تجميع الحليب، ومصانع الأعلاف، وتمويل شراء الأبقار، وتجهيز العيادات البيطرية، وتوفير وسائل النقل المبردة، إلى جانب دعم حكومي مباشر بلغ 80 ريالاً لكل لتر حليب، ما عزز من تنافسية المنتج المحلي، ورفع دخل الأسر المنتجة. وتابع الأحمدي قائلا "بلغت العائدات المالية اليومية من قيمة الحليب بسعر 320 ريالا للتر، لكمية (157,000) لتر يوميا، وبمبلغ (50,240,000 ريال)، في حين بلغ الدعم الحكومي اليومي للحليب بمبلغ 80 ريالا لكل لتر، بما يساوي (12,560,000 ريال)، في حين بلغ عدد المستفيدين من إنتاج وجمع ونقل الحليب (17,278) مستفيدا". وأوضح أن إجمالي العائدات المالية اليومية من إنتاج الحليب في تهامة بلغت قرابة 62.8 مليون ريال، منها 50.24 مليون ريال قيمة الحليب المنتج، و12.56 مليون ريال دعم حكومي، لافتًا إلى أن نصيب الفرد من أفراد الأسر المستفيدة ارتفع إلى 28,318 ريالا شهريا، في حين بلغت نسبة مساهمة الدعم الحكومي في الدخل اليومي 12.79%، بينما عادت النسبة الكبرى من العائدات – نحو 88% – إلى المجتمع المنتج، ما ساهم في تحريك الاقتصاد المحلي وتوسيع دائرة الأثر التنموي. وأشار الأحمدي، إلى أن عدد الأبقار المنتجة ارتفع من 4,186 إلى 40,000 بقرة، وهو ما تطلّب توفير خدمات بيطرية يومية عبر 420 عاملاً صحياً، وتوفير أعلاف يومية بقيمة 34.7 مليون ريال، يشرف عليها 3,186 عاملاً في إنتاج ونقل الأعلاف، في مشهد يعكس تكامل سلاسل القيمة وتحولها إلى منظومة اقتصادية متكاملة. تمكين الجمعيات التعاونية وفي إطار تمكين الجمعيات التعاونية، أوضح الأحمدي، بأنه تم تقديم قروض لتأسيس 10 عيادات بيطرية، وتوفير 27 وسيلة نقل مبردة، و1,100 عبوة لجمع الحليب، إضافة إلى إقراض 1,500 مستفيد بأبقار إنتاجية، منها 1,045 ضمن فئات المعاقين، وأسر الشهداء، والمتضررين من السيول، ما يُبرز البعد الاجتماعي والإنساني للاستراتيجية. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، تم تدشين مركزين نموذجيين لاستقبال وتجميع الحليب، وإنشاء مصنع أعلاف مركزة بتمويل مجتمعي وحكومي، إلى جانب شراء معدات لمصنع ألبان، وتوريد قطاعتين متنقلتين للأعلاف، وإنشاء مزرعة نموذجية لتربية الأبقار البلدية بطاقة 3,000 بقرة سنوياً، وكلها مشاريع تنموية تم تنفيذها بتمويل من صندوق تنمية الحديدة، والهيئة العامة للزكاة، واللجنة الزراعية والسمكية العليا، ومؤسسة يمن ثبات، وصندوق رعاية وتأهيل المعاقين. أما في جانب التدريب والتأهيل، فقد تم تأهيل 280 عامل صحة حيوانية، و120 مجمّع حليب على الاشتراطات الصحية، وتدريب الهيئات الإدارية ل 20 جمعية تعاونية ضمن برنامج دعم مؤسسي نفذته مؤسسة بنيان التنموية، ما يعزز من كفاءة إدارة الإنتاج والتسويق وضمان جودة المنتج. وأستعرض الأحمدي، الأثر الاقتصادي الكلي للاستراتيجية في خفض فاتورة استيراد الألبان ومشتقاتها بنسبة 4.95%، وتوفير عملة صعبة تقدر ب 19 مليون دولار سنويا، أي ما يعادل أكثر من 10 مليارات ريال، إلى جانب ضخ سيولة نقدية مباشرة في السوق المحلية تجاوزت 34.5 مليار ريال خلال الفترة، وهو ما يعكس قدرة القطاع التعاوني الزراعي على الإسهام في التوازن التجاري وتحقيق الأمن الغذائي. توجهات مستقبلية ولفت إلى أن خطط البرنامج الوطني لتوطين الحليب خلال العامين المقبلين، لإنشاء 12 مركزاً إضافياً في مديريات تهامة والمناطق المجاورة، بطاقة استيعابية تقارب 156 ألف لتر حليب يوميًا، وبتمويل مشترك من صندوق الحديدة، وهيئة الزكاة، وهيئة المشاريع الصغيرة، ومصانع وطنية خاصة، مثل "يماني" و"نادفود"، في إطار التوسع نحو تغطية الفجوة الغذائية البالغة 69%، والتي تتطلب إنتاج ما يقارب 947 ألف طن من الحليب سنوياً. وفي المقابل، تستهدف الاستراتيجية الوطنية رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من الحليب ومشتقاته إلى 15% خلال العامين المقبلين، من خلال حشد التمويلات، وتوسيع المشاريع في محافظات "حجة، المحويت، ريمة، ذمار، إب، عمران، وصنعاء"، بما يسهم في توفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل ضمن سلاسل القيمة للألبان على المستوى الوطني. وأختتم المهندس الأحمدي، حديثه قائلا إن "ما تحقق في تهامة من خلال استراتيجية توطين الحليب، لا يُعد مجرد نجاح قطاعي، بل هو نموذج مكتمل لتنمية محلية شاملة، تستند إلى الإنتاج المحلي، وتدار عبر المجتمعات، وتُموّل بشراكة من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ما يجعل منها قصة نجاح قابلة للتكرار في قطاعات ومحافظات أخرى، إذا ما توفرت الإرادة والرؤية والتخطيط المؤسسي".