وأنا أتابع ما يقوم به هذه الأيام ما يُسمّى بالمجلس الانتقالي، المشكَّل من قبل مشيخة الإمارات التي لم ترقَ بعد إلى أن تكون دولة، ولا حتى دويلة، والتي وضعت على رأسه العميل عيدروس الزبيدي، من محاولات لإعلان الانفصال والتآمر على وحدة اليمن الطبيعية، وتحميل الوحدة – التي لا ذنب لها – تبعات ما يتعرض له اليمن من مشاكل وأزمات، في حين أن المسؤول الأول عنها هم أولئك الذين أداروا دولة الوحدة ولم يُحسنوا التعامل معها؛ وجدتُ أنه من الضروري أن نقف قليلًا أمام ما يُحاك من تآمر خارجي وداخلي من قبل أعداء الحياة، بهدف إجهاض منجز الوحدة الوطني والتاريخي. وفي مقدمة هؤلاء الأعداء، الأعداء التاريخيون في الرياض، الذين استكثروا على الشعب اليمني وحدته وتماسكه، وخافوا من بناء دولته الحديثة واعتماده على نفسه، فحاكوا المؤامرات عليه ونسجوها لتخرج بثوب قشيب، ووجّهوا ضربتهم الأولى في صيف عام 1994م، ليشعلوا حربًا بين أبناء الشعب اليمني الواحد، بهدف إضعافهم وإشغالهم بأنفسهم، والعودة بعجلة التاريخ إلى الوراء لتقسيم اليمن من جديد. وعندما فشلوا في تحقيق هدفهم الخبيث، استطاعوا النفاذ إلى أوساط اليمنيين، وسلّطوا عليهم عملاءهم ومرتزقتهم ممن كانوا يتواجدون في السلطة، فبثّوا عن طريقهم الفتن، وأثاروا النعرات الطائفية والمذهبية، لا سيما أنهم وجدوا من يصغي إليهم ويتقبل ما يقومون به من تعبئة خاطئة في عقول الشباب، حيث يحرضونهم ضد بعضهم البعض، ليعمقوا في أوساطهم الكراهية والبغضاء بطرق ووسائل شتى. فنشأ جيل جديد معقّد، يحقد على بعضه البعض، وكأنهم ليسوا يمنيين أبناء شعب واحد، فصار كل فريق ينظر إلى الآخر وكأنه جاء من المريخ. وقد ساعد على ذلك أولئك الذين تأصّل الحقد في نفوسهم، من خلال معاداتهم لكل المنجزات التي تحققت للشعب اليمني، وهم الذين لا يزالون اليوم يثيرون الفتن داخل البلاد، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، خاصة بعد قيام ثورة 21 سبتمبر الشعبية عام 2014م، التي رفعت شعار تحرير القرار السياسي اليمني من الوصاية الخارجية، وتصحيح مسار الحكم في اليمن. فزاد الغيظ لدى أعداء اليمن في الخارج، وعملائهم في الداخل، وعملوا على زعزعة الأمن والاستقرار، وإشغال الجهات المختصة، وصرفها عن القيام بواجباتها تجاه متطلبات التنمية الوطنية في مختلف المجالات، من أجل تحقيق قفزة نوعية يستطيع اليمن من خلالها اللحاق بالركب، وبناء الدولة القوية والعادلة، وأن يعيش الشعب اليمني في ظل رايتها، كغيره من الشعوب الأخرى، حرًا كريمًا، معتمدًا على نفسه، من خلال استخراج ثرواته النفطية والمعدنية التي ما تزال في باطن الأرض اليمنية. وما أكثر تلك الثروات؛ حيث تفيد التقارير أن المحافظات الثلاث: مأرب والجوف وشبوة، تختزن في باطن أراضيها من النفط ما يعادل ثلث الاحتياطي العالمي، فضلًا عما يوجد في صعدة وحضرموت. وهناك تقارير أخرى تقول إن منطقة باب المندب يوجد في باطن أرضها من الغاز ما يفوق ما تمتلكه قطر، ثاني أكبر مصدر للغاز في العالم، إضافة إلى ما يمتلكه اليمن من موقع استراتيجي هام. ولذلك، فقد تكالبت على اليمن العديد من دول العالم، وشكّلوا حلفًا لمحاربة شعبه العظيم، بقيادة تحالف الشر المتمثل في أمريكا وإسرائيل والسعودية والإمارات، الذين صبّوا جام غضبهم وحقدهم الدفين على اليمن، وشنّوا عليه عدوانًا ظالمًا ووحشيًا، من قتلٍ للشيوخ والنساء والأطفال، وتدميرٍ للبنية التحتية، دون تمييز بين الشجر والحجر، وإن كان التآمر من الداخل هو الأخطر على منجزات الشعوب وأمنها واستقرارها. ولأن الحديث في هذا المقال حول الوحدة وما تتعرض له مسيرتها من تآمر، وبحكم أنني عايشت تلك المرحلة منذ بدايتها، فسأشير – بشكل عابر – إلى صراع الشريكين في إعادة تحقيق الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية: علي سالم البيض، وعلي عبدالله صالح، اللذين كانت نياتهما خاسرتين منذ اليوم الأول لإعلان الوحدة، فخرجا عن كل بنود الاتفاقيات الوحدوية التي أكدت على أن الوحدة أبدية لا رجعة فيها، ولا يجوز التفاوض حولها أو الطعن في مشروعيتها. وكان تصرفهما الارتجالي عند إعلان الوحدة عبارة عن هروب لإنقاذ نفسيهما من مصير مجهول كان ينتظرهما في حال بقائهما حاكمين للشطرين سابقًا، ولذلك دبّ الخلاف بينهما سريعًا، وصار كل منهما يتربص بالآخر، ويحاول الانقلاب عليه وإخراجه من معادلة الحكم. وكانت السنوات الثلاث الأولى من عمر الوحدة عبارة عن صراع بين الشريكين، انتهى بحرب صيف 1994م المشؤومة، التي قدّم فيها علي سالم البيض لشريكه علي عبدالله صالح أكبر خدمة، عندما أعلن في 21 مايو 1994م الانفصال، فتسبب في هزيمة نفسه، وخرج من أوسع أبواب التاريخ، بعد أن كان قد دخله من أوسع الأبواب أيضًا. فتحولت الوحدة من وحدة سلمية بين أبناء شعب واحد فرّقت بينهم السياسة، إلى وحدة ضم وإلحاق كما يحلو للبعض أن يصفها، وإن كانت في الحقيقة غير ذلك. وليست هذه هي المرة الأولى التي يخدم فيها البيض شريكه صالح؛ فقد سبق أن قدّم له خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر دولة الوحدة خدمات كبيرة، مهّدت له الطريق للانفراد بالحكم، من خلال اعتكافاته المتكررة، التي كان يجد فيها الرئيس الأسبق متنفسًا لاستعادة الصلاحيات التي حُرم منها دستور دولة الوحدة. ولو أن علي سالم البيض بقي يمارس صلاحياته الدستورية كنائب لرئيس مجلس الرئاسة، متجاوزًا الضغوط التي كانت تُمارس عليه لتطفيشه، ومتغلبًا عليها، لاسيما بعد أن أصبح يشكّل للرئيس الأسبق شوكة في حلقه، لكان جنّب اليمن ما حدث بعد ذلك من أوضاع صعبة، ولما تحوّل الحكم إلى حكم عائلي، بل ولما قامت الحرب أصلًا عام 1994م. ولذلك، فإن علي سالم البيض يتحمّل المسؤولية مع شريكه علي عبدالله صالح، وكان يفترض أن يقدمهما الشعب اليمني للمحاكمة بأثر رجعي، جراء ما اقترفاه في حقه من جرائم لا تسقط بالتقادم، مست كافة مناحي حياته السياسية والاقتصادية والأمنية والمعيشية والتنموية والخدمية. والكثيرون ممن شاركوا في الحكم خلال تلك الفترة هم من فرّطوا في الأرض اليمنية بيعًا واحتلالًا؛ فقد خسر اليمن في عهدهم جيزان وعسير ونجران، وأصبحت المحافظات الجنوبية والشرقية محتلة، إضافة إلى العدوان القائم على اليمن، الذي مضى عليه أكثر من عشرة أعوام، وفرض الحصار الجائر على اليمن.