مثلها مثل سائر كثير من المدن اليمنية العريقة تختزن منطقة صبر بمحافظة لحج في طي رمالها كنوز ثمينة من التاريخ الذي يحكي عراقة شعب وثراء أرض اسمها في صندوق الحضارة خالدة – بما لم تمثل حتى اللحظة حقها من الإنصاف بميل من المخيف أن هذا التاريخ يطمر اليوم تحت أعمدة الخرسانة الهائلة التي تبدو وكأنها إنما تقتل الماضي وتبني المستقبل. صبر ... هل هي بلاد البونت الشهيرة فيما أنت تسير من عدن باتجاه الشمال تستقبلك مدينة صبر .. وهي أي صبر اليوم كالأمس صحراء موحشة لا أثر فيها للحياة سوى تلك البنايات السكنية التي أقامتها الدولة في عهد الثمانينات فصبر اليوم غدت آهلة بالسكان بل أنها أضحت مطمعاً للتجارة والمستثمرين وبواسطة الزحف الأسمنتي الرهيب ارتبطت صبر بمدينة دار سعد أولى المدن التي تستقبلك على حدود عدن وإذا كان هذا النهوض العمراني يشكل حالة صحية تدل على مستوى التطور والنماء والذي تشهده هذه المدينة القادمة بثقة لتحتل موقعها أطول شارع على مستوى مدن الوطن فان لهذا التوسع جوانبه السلبية التي ستؤثر دون شك على أعمال المسح والتنقيب في هذه المنطقة وتحت القلاع الحجرية والأسمنتية سيدفن تاريخ مدينة ربما كان لها شأن عظيم ذات يوم .. والاسم القديم لصبر وبحسب عالم الآثار الألماني بوركهار دفوكت مازال مجهولاً وقد استدل سطحياً على هذا الموقع الأثري المعروف منذ عام 1932م من خلال طبقة من كسر الفخار ويضيف فوكت بالقول : إن صبر القديمة تقع بين الفرعين الرئيسيين لدلتا وادي تبن وتدين بوجودها إلى السيول الموسمية التي تجري في الوادي فضلاً عن الطمي الخصب المتراكم في السهل المغربي وقد أمكن للاستقصاءات أن تحدد الموقع على مساحة طولها 2كم وعرضها 0.7كم ومنذ أن هجرت انطمرت تحت ترسبات متأخرة تحت الرمال وتتصف هويتها الأثرية الحالية بصورة واسعة هضبة واضحة تماماً ثم استقصاء عدد منها أو تنقيب بعضها بصورة واسعة ويتساءل فوكت .. كيف كفّّت هذه المدينة عن الوجود ؟ فيجيب من المحتمل جداً أن نهايتها كانت عنيفة : فالسكان غادروا مدينتهم بسرعة دون أن يعملوا على إنقاذ ممتلكاتهم فمستوى السكن الأعلى قدم العديد من العلامات على خشب محروق وطبقات من الرماد ومن الطوب الخام المحروق في مكانه . ويبدو أن أوسع مباني الموقع (55) قد تعرض لحريق هائل . اهو حادث عادي أم نتيجة حرب ومن هنا أتى اسمه المبنى المحروق ولن نفاجئ أن يكون هذا الحدث مرتبطاً بظهور الغازي الناطق بلغة سامية أي بالتوسع الجغرافي لواحدة من الممالك الأولى في جنوب الجزيرة العربية على المرتفعات الجبلية أما محيط الموقع فكانت تحتله فيما يبدو مجموعة من الأكواخ الدائرية أو البيضاوية مصنوعة من مواد قابلة للتلف في حين كانت العمارة الأكثر دواماً مبنية حصراً من الطوب الخام ويتفق الباحث الآثاري الكسندرسيدوف مع فوكت في أن صبر تعد أوسع أطراف الواقعة على الشاطئ اليمني من حيث مواقعها الأثرية وهي بالتالي أكثرها عرضة للتنقيب ويرى العالمان انه ونظراً للافتقار إلى نصوص يعود مصدرها إلى المنطقة ذاتها فقد أطلق عليها أسلوب معاش جماعاتها أسم " ثقافة صبر" وبما كان سكانها الذي امتلكوا وسائل عيش متنوعة يتكلمون اللغة الكوشيتية كان المجتمع الزراعي الذي يمارس تربية الماشية والسقاية يستغل أيضاً ثروات البحر ومصادر التجارة البعيدة كما يشهد على ذلك سكان الصدف ووجود بضائع ومواد مستوردة . ويرى العالمان كذلك أن بدايات ثقافة صبر غامضة لكنها يمكن أن تؤرخ بالألف الثاني أو نهاية الألف الثالث . لقد أمكن لها أن تولد من خلال تطور تدريجي لثقافة من العصر الحجري الحديث . لكن هذه الاستمرارية الثقافية تبقى بحاجة للإثبات وبالمقابل فأن الأطوار المتأخرة بعد القرن الثالث عشر قبل الميلاد , مدروسة على قدر كاف . وتؤرخ نهاية هذه الثقافة الدالة على عصر البرونز بنهاية النصف الأول من القرن التاسع قبل الميلاد.. ويضيف فوكت وسيد وف: وتبدو ثقافة صبر ضمن الوضع الحالي لمعارفنا محدودة بمنطقة الساحل. ولم يمكن أن يستدل بوضوح على أي اثر لها يرتبط بأطوارها الأخيرة في المواقع المعاصرة لها على المرتفعات الجبلية اليمنية أو على حدود الصحراء أو في شرقي اليمن, ذلك أن ثقافة صبر كانت متجهة نحو الشاطئ الآخر من البحر الأحمر أكثر من اتجاهها نحو المناطق الداخلية من اليمن, وهو ما يفتح آفاقاً لم تكن موضع ظن خلال وقت طويل, فالاتصالات الثقافية التي تترجمها التماثيل الأسلوبية والنمطية والتقنية في صناعة الخزف والتماثيل الصغيرة من الطين المروق تردنا إلى مناطق بعيدة بعد النوبة والسودان الشرقي بل وأكثر منها أيضاً أي الحبشة والشاطئ الارتيري أما الأمر الأخر الذي تمت ملاحظته فهو تبادل المواد الأولية والبضائع كالسبح والعاج وربما بعض النباتات والحيوانات. ويكثف الباحثان أنهما لا يعرفان إلاّ القليل من المواقع التي تم تأريخها على وجه اليقين بحقبة ما قبل آكسوم, سواء في الحبشة أو في ارتيريا, لكنه يسعنا آن نفترض انه خلال النصف الثاني من الألف الثاني سادت ثقافات مترابطة على نحو وثيق في طرفي البحر الحمر الشمالي إذ لم تمكن على وجه الدقة من تحديد موقع بلاد الصبر واللبان بلاد "البونت الشهيرة" التي كثيراً ما ذكرت في النصوص والنقوش المصرية حيث تنمو هذه النباتات بصورة طبيعية على شاطئ باب المندب. كما أن استخدام مادة اللبان ثابت في ثقافة صبر وفي سيهي وبين آثار الشاطئ المقابل في أفريقيا يمكن أن يكون دليلاً أي أساس مشترك أنني وربما لغوي "اللغة الكوشيتية" مما يسمح آنئذ بالتعرف على ثقافة صبر في بلاد البونت وهو أمر ينطبق على الألف الثاني أكثر من انطباقه على الألف الثالث الذي تبدو فيه بلاد البونت افريقية حصراً . ويورد الباحثان نمطين من لحجج حول ما ورد سابقاً بالاستناد إلى ما تم اكتشافه مؤخراً الأولى أن العلاقات الثقافية والتجارية بين جنوب جزيرة العرب وأفريقيا كانت قائمة على أساس وطيد قبل ظهور السبأيين في الحبشة بخمسمائة عام على الأقل باعتبار أن هذا الظهور سابق على القرن الخامس قبل الميلاد والثانية أن جنوب غربي الجزيرة العربية لم يكن بأي حال من الأحوال صحراء ثقافية قبل وصول المهاجرين الذين يتكلمون لغة سامية بل كان على الأقل في عدة مواقع منطقة ثقافية متطورة جداً . من هنا ولما لم تكن الأبحاث والتقنيات قد انتهت في هذا المنطقة وهي بذات الوقت تشير إلى أمكانية الوصول إلى نتائج مهمة فأن التوسع العمراني المنظم وغير المنظم الذي تشهده صبر وغيرها من المناطق الأثرية يشكل عامل إعاقة أمام الوصول إلى مثل هذه النتائج وهنا نشير إلى أن العرف الدولي هو منع بناء المباني الحديثة وكذا المصانع في المواقع الأثرية حتى يتم الحفاظ عليها وحمايتها كي لا يفقد الموقع الأثري شكله القديم كما أن العادة قد جرت بإجراء أعمال التنقيب قبل البناء وإذا لم يكن هناك مناص لبناء فليكن ذلك وفقاً لمواصفات وشروط خاصة لابد من التقيد والالتزام بها حتى لا تؤثر على المواقع الأثرية وإزاء هذا نرى ضرورة أن تشهد محافظة لحج إجراء مصنع أثري حتى يتم الحفاظ على المواقع الأثرية والمعالم التاريخية التي تزخر بها المحافظة وذلك قبل أن تدفن تحت هذا الزحف المتسارع من قبل المستثمرين في إقامة مشاريعهم الاستثمارية . المضاربة رأس العارة باتجاه الغرب من مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج تقع مديرية المضاربة ورأس العارة وهي مديرية حديثة وبحساب مستويات التطور الحديث فأن هذه المنطقة لم تنل من ذلك إلى النزر اليسير وهي وربما لهذا السبب مدينة مغمورة ومنسية أما تأريخها والنظر إلى أعمال المسح والتنقيب فأن النتائج تشير إلى العثور على ستة عشر موقعاً تعود إلى DeveK.opdewan وسبعة وعشرون موقعاً أشولياً Achealea وخمسة مواقع مسيتري woustia وهذه المواقع وجهت بين الجبال والمنحدرات التي تعلو الوديان بالإضافة إلى العديد من المواقع التي تعود إلى العصر الحجري البليوليتك والعصر الحجري الحديث وقد وجدت هذه المواقع في المنقطة المحصورة جغرافياً بالدرجات ( 12.48- 13.17- شمالاً و 44.00- 44.25 ) شرقاَ . وزمنياً فأن هذه المواقع تعود وبحسب ما هو متعارف عليه اصطلاحا إلى الفترات التالية . حوالي من مليون وثلاثمائة ألف سنة إلى مليون سنة Dev oidomanA حوالي من مليون وستمائة ألف سنة إلى مليون وثلاثمائة ألف سنة oidowan B Dev حوالي من سبعمائة وثمانون ألف سنة إلى مائه وخمسة وعشرون ألف سنة Achewan ومن هنا يستفاد أن أقدم المواقع الأثرية التي تم العثور عليها في مديرية المضاربة ورأس العارة تعود إلى مليون وخمسمائة ألف سنة والتقسيمات السالفة تعود إلى التقنية التي كان يستخدمها الإنسان في تشذيب الأحجار الصلبة حيث كان يبحث عن المحاجر فيختار نوعيه الحجر الصلب ويفضل حجر الصواب كما أنه أوجد لنفسه ورشة عمل جوار المحاجر يقوم بتشذيب الأحجار بها تشذيباً أوليا ً لتكون أخف للحمل كما لوحظ خلال المسح أن التشذيب النهائي للأدوات الحجرية يتم في موقع الصيد يؤكد ذلك العثور على ورشة عمل بالقرب من جبل المدورة كذا العثور على شظايا حجرية في المخدرات والى جوارها بعض الأدوات الحجرية وهذه التنقية المستخدمة في تشذيب الأدوات الحجرية تعبر عن ثقافة الإنسان في تلك الفترة وهي أن بدأت لقاء اليوم بسيطة أو ضعيفة فهي كبيرة بالنسبة لتلك الفترة . خور العميرة أما منطقة خور العميرة فأنها تحوي عدداً من المواقع الأثرية التي تختلف في فتراتها الزمنية فقد أثبتت نتائج الدراسات التي قامت بها البعثة الألمانية الروسية المشتركة أنها كانت ميناء مهما ًخلال العصر البرونزي 1500سنة قبل الميلاد وعبره يتم استيراد وتصدير ما يحتاجون إليه من منتجات ومزروعات نادرة . المسيمر: في مديرية المسيمير هناك جبل يسمى جبل شقر في هذا الجبل تم العثور على نقش بالخط المسند وهو ما يفتح أبواباً واسعة أما الدراسات الأثرية لاكتشاف ما هو مهم عن تأريخ هذه المنطقة فقد ورد اسم شقر في العملات القديمة وقصر شقر كذلك معروف في محافظة شبوه . جبل سبأ : وحدها مناطق ردفان بمديرياتها الأربع لم تحظ حتى اللحظة الاهتمام بها تاريخيا لكشف قيمتها التاريخية ومازالت مواقعاً عديدة فيها تختزن من القيمة الأثرية ما يمكن أن تكشف حكايات وروايات وكنوز ثمينة ومنها جبل سبأ الذي يستدل من مسماه أن سكانه يعودون في الأصل إلى المملكة اليمنية القديمة سبأ ))،،..