قد يبدو غريبا أن فكرة الجمع بين الدول أعضاء الجامعة العربية-22- ودول القارة اللاتينية لم تنطلق من الجامعة العربية, ربما بسبب أزمتها المالية الخانقة, وإنما انطلقت من البرازيل غداة تولي رئيسها للسلطة مطلع العام قبل الماضي, ثم كانت زيارته لمصر في نهاية ذلك العام لتوجيه الدعوة للقمة. وكان الاتجاه منذ البداية لقصرها على دول أمريكا الجنوبية دون دول أمريكا الوسطى أو المكسيك, وقيل إن السبب هو ابعاد الأخيرة عن حلبة المنافسة على مقعد مجلس الأمن الدائم, في حالة توسيعه, وحرص البرازيل على تأمين أصوات القارة اللاتينية لما استقر من ترشيحها إلى جانب المانيا عن أوروبا, والهند واليابان عن آسيا, وربما قطر إذا صح ما تردد عن طلبها وساطة اسرائيل للحصول على مقعد عن آسيا. وكان المؤتمر فرصة للتنسيق بين مصر والبرازيل لتأييد كل منهما للآخر في مسعاه لتمثيل منطقته في مجلس الأمن وحشد تأييد سائر الدول أعضاء المؤتمر لكل منهما. مثلما كان فرصة للتشاور حول ابرام اتفاقية للتجارة الحرة بين العالم العربي والقارة اللاتينية, ربما تحيي نشاط مجموعة ال77 المنبثقة عن حركة عدم الانحياز التي كانت للمجموعة اللاتينية فيها دورها الفاعل, وقد استشعرت الحاجة إليها مجددا في مواجهة النفوذ الأمريكي الأوروبي المتزايد, وضغوط بلغت ذروتها في مناقشات مجلس الأمن في أعقاب غزو العراق لتأمين أصواتها لصالح التحالف ثم لاشراكها في قواته أسفرت عن مشاركة رمزية من بعض دول أمريكا الوسطى. وكان لأمريكا اللاتينية مواقفها المشهودة إلى جانب الحق العربي خاصة أثر عدوان1956, حيث بعث زعيم الأرجنتين الراحل من منفاه(30 تشرين الاول 1956) يوصي بدعم القضية العربية. ويذكر هنا أن مشروع القرار اللاتيني الذي طرح على مجلس الأمن غداة عدوان1967, كان يدعو للانسحاب الكامل من كافة الأراضي العربية المحتلة مقابل انهاء حالة الحرب, ولكن المزايدات العربية التقليدية رفضت مشروع القرار, ثم تبين فيما بعد انه كان الأفضل. ومعروف أن دول أمريكا اللاتينية كانت قادرة على استيعاب الجاليات العربية ودمجها في مجتمعاتها وفتحت أمامها الأبواب للوصول إلى أرفع المناصب. ويرجع تاريخ تبادل التمثيل الدبلوماسي لمصر مع القارة اللاتينية إلى منتصف القرن العشرين, حين استجابت مصر لرغبة بعض دول أمريكا اللاتينية في تبادل التمثيل الدبلوماسي, وكان في مقدمتها المكسيك والأرجنتين وشيلي. وجاءت الوحدة المصرية السورية في شباط 1958, وتوجه السلك الدبلوماسي للبلدين, لتدفع بأمريكا اللاتينية إلى دائرة الضوء في تخطيط السياسة الخارجية. ولم يكن وجود جاليات سورية معتبرة في عدد كبير من الدول اللاتينية هو المسوغ وإن كان كافيا وإنما أيضا لاعتبار آخر: وهو مواجهة النشاط الاسرائيلي في تلك القارة مدعوما بجاليات نشيطة في عدد كبير من دولها لا تتوانى عن الاستجابة لأية طلبات للدعم الحالي. ويذكر هنا أن الدولة العبرية دأبت على تكثيف اتصالاتها مع الدول أعضاء المؤتمر منذ فترة لإبداء تحفظاتها على ماجاء في مشروع الاعلان الختامي للمؤتمر من مطالبة اسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة بعد1967 وإزالة المستوطنات بما فيها القدس الشرقية وتنفيذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن جدار العزل العنصري. وعلى أية حال يكفي أن هذا اللقاء العربي اللاتيني قد أقام جسرا عبر الأطلنطي بين العالم العربي وبين قارة مازالت واعدة في مجالات الاستثمار والتجارة والسياحة والتكنولوجيا فضلا عن العلوم والثقافة, وهنا كانت توجيهات الاعلان الختامي بعقد اجتماعات سنوية لوزراء الخارجية والوزراء المعنيين. وأتاح الفرصة للقارة اللاتينية لتجديد مواقفها الداعمة للحق العربي, حين يؤيد الاعلان الختامي المبادرة العربية للسلام وأهمية تحقيقه استنادا إلى الشرعية الدولية وانسحاب اسرائيل لحدود عام1967 وإزالة المستعمرات على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام. وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة, وحين يقر البيان الختامي حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي. ولم يغفل البيان الختامي أن تحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي في المنطقة يتطلب اخلاؤها من اسلحة الدمار الشامل وشدد على أهمية انضمام جميع دول المنطقة إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. كذلك, حرص الاعلان الختامي على الدعوة لاحترام الخصوصية الثقافية للمجتمعات والمحافظة على الهوية الوطنية واحترام التعددية الثقافية واتاحة الفرصة أمام حوار الحضارات للاسهام في بناء عالم واحد متجانس. وهكذا يبدو الجانب العربي وقد اختطف اعلان القمة, فبالاضافة للتأكيد على القلق من استمرار العنف والتوتر والعمليات العسكرية التي تجتاح الشرق الأوسط, فقد أفرد فقرة لكل من مشكلة العراق وسوريا والسودان والارهاب. المؤتمر كان استثمارا طيبا للرصيد الانساني والمعنوي العربي لدى القارة اللاتينية وهو رصيد يلمسه كل من قدر له زيارتها, ويبقي مواصلة العمل على تنميته والبناء عليه. *مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق "القدس"