في وسط المعمعة التي تشهدها الساحة السياسية الجنوبية حاليا، تتصاعد من بين الجموع أصواتٌ نشاز كثيرة للتشكيك والترجيف، بهدف نزع الشرعية عن مسيرة نضال شعب، وتُلصق بقادته تهمًا تتناقض مع أبسط قواعد المنطق السياسي والاستراتيجي. حيث يشكك البعض في نوايا قادة المجلس الانتقالي الجنوبي، وعلى رأسهم الرئيس عيدروس قاسم الزبيدي، زاعمين أنه مع بقية القادة ليسوا سوى "شلة" تبحث عن مكاسبَ ضيقة، متخذين من القضية الجنوبية ستارًا لتحقيق مصالح شخصية ليس إلا.. وعند التمحيص،يتضح ان هذا الادعاء لا يقف على أرضية من العقلانية أو فهم لطبيعة المصالح الكبرى. فإذا سلّمنا جدلاً بأن القادة الجنوبيين يبحثون عن مصالحهم الشخصية – وهو افتراض مجحف من أساسه – فإن السؤال المنطقي الذي يفرض نفسه هو: أين تكمن المصالح الشخصية الحقيقية لهولاء القادة؟
ولو فكرنا معًا بطريقة استراتيجية وموضوعية بحتة سنجد ان المصلحة الشخصية، بمفهومها الضيق، تتمثل في الحصول على منفعة مادية أو موقع نفوذ محدود. لكن المصلحة الحقيقية – الشخصية،والتاريخية، والوطنية، والسياسية – لأي قائد جنوبي طموح ومدرك لتداعيات الأمور، لا يمكن أن تُختزل في صفقة عقارية أو منصب إداري مؤقت او بقعة ارض تؤخذ بطرق مشبوهة وغير مشروعة او مضمونة فالمصلحة الحقيقية العليا، التي لا تُقارن بأي شيء آخر، تكمن في الوصول إلى سدّة الحكم في دولة كاملة السيادة. فباستعادة دولة الجنوب المستقلة، سيكون القادة الجنوبيون أمام معادلة مختلفة تمامًا. حيث ستكون الموارد الهائلة للجنوب – السلطة والنفط، والغاز، والثروة السمكية، والموانئ الاستراتيجية، والسياحة وجغرافيا مترامية الاطراف – تحت إدارتهم وتصرفهم. أي أن "الكعكة" بأكملها ستصبح بين أيديهم يتصرفون فيها كما يشاؤن، بدلاً من التحايل على فتاتها في ظل وضع هش وغير مستقر وغير آمن كما سيُدخلون التاريخ من أوسع أبوابه كمُحرّرين وفاتحين ومؤسسين لدولة حديثة وهذا هو رأس المال السياسي والتاريخي والوطني الذي لا يُقدّر بثمن، على نحو يضمن لهم مكانةً يُحسدون عليها في وجدان شعبهم وفي سجلات التاريخ. وباعتبارهم قادة لدولة ذات سيادة، فسيجلسون على طاولة المساواة مع قادة العالم، ويُعقدون معهم الاتفاقيات، وستُفتح لهم السفارات، ويُستمع لرأيهم في المحافل الدولية. وهذه مكانة لا توازيها أي منفعةٍ صغيرةٍ مؤقتة.
وفي هذا السياق، توجه اتهامات بعينها لعيدروس الزبيدي مثل عرقلة قرارات رئيس هيئة أراضي وعقارات الدولة، الاستاذ سالم العولقي، فيما يخص مكافحة الفساد. ولنفترض – مجددًا جدلاً – صحة هذه الادعاءات. فهل من المعقول أن يخاطر قائد بحجم الزبيدي، وهو على أعتاب تحقيق حلم تاريخي، بسمعته ومستقبله السياسي لأجل حفنة من الأراضي أو حماية فاسدين صغار؟ فالمنطق يرفض هذه الفرضية. اذ لا يعقل أن يترك قائدٌا طموحا "مُُلكًا" مؤكدًا – لا يقل عن حكم دولة مستقلة غنية بالثروات والمقومات – لينغمس في مستنقع "فسادٍ" تافه وحقير يهدد أسس شرعيته ويغرق سمعته في مستنقع لا يمكن الخروج منه بأي مكسب. حيث سيكون مثل هذا الفعل انتحارًا سياسيًا محققًا، وهو ما لا يصدر عن قادة أدركوا لعبة السياسة الكبرى.
واذا سلمنا وفقا لبعض المعطيات والمؤشرات التي ظهرت على السطح بان عيدروس الزبيدي هو حقا من عرقل قرارات سالم العولقي رئيس هيئة اراضي وعقارات الدولة باقالة الفاسدين من فرع الهيئة بعدن فان هذه المسألة لا تتعلق بالفساد ابدا بل تتعلق باجندة سياسية اخرى تستهدف ارادة الشعب الجنوبي وتطلعاته عبر القائد عيدروس الزبيدي الذي يمثل هذه الارادة ويعبر عن تلك التطلعات..والفساد مجرد وسيلة لتحقيق تلك الغاية..