يرى الكاتب والمحلل السياسي لورنس ليز، في مقال نشرته منصة فوكل ميديا وأعيد تداوله عبر صحيفة الأيام من لندن، أن اليمن بصيغته السياسية المعروفة قد انتهى فعليًا، وأن التطورات المتسارعة منذ مطلع ديسمبر 2025 لا تعكس مجرد تغيّر ميداني عابر، بل تؤسس لواقع جديد تتعامل معه القوى الإقليمية والدولية ببرود لافت وحسابات قائمة على المصالح أكثر من المبادئ. ويرى الكاتب حسن متابعة "شبوة برس" أن اليمن بصيغته السياسية المعروفة قد انتهى فعليًا، وأن ما يجري على الأرض منذ مطلع ديسمبر 2025 يؤسس لواقع جديد تتعامل معه القوى الإقليمية والدولية ببرود لافت. فخلال أسبوعين فقط، تمكّن المجلس الانتقالي الجنوبي من قلب موازين القوى عبر هجوم خاطف ومنسّق، سيطر خلاله على الساحل الجنوبي، والحقول النفطية الأساسية، ومعظم الأراضي التي كانت تمثل دولة اليمن الجنوبي قبل عام 1990، مؤكدًا أن هدفه لم يعد تحسين موقعه داخل اليمن، بل إنهاء الكيان القائم واستبداله بدولة جديدة ذات سيادة.
الأهم من سرعة التمدد العسكري كان رد الفعل الدولي والإقليمي. فالحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بدت عاجزة، فيما التزم الحوثيون المراقبة دون تدخل حاسم، أما القوى الكبرى التي اعتادت رفض نشوء دول جديدة بالقوة، فلم تُبدِ حالة ذعر، بل اكتفت بالمراقبة، مع إشارات توحي بأن هذا السيناريو قد يكون مقبولًا هذه المرة.
قبل هذه التطورات، كان اليمن قائمًا على توازن هش بين ثلاثة أطراف: المجلس الانتقالي في الجنوب بدعم إماراتي، الحكومة اليمنية في الشرق برعاية سعودية، والحوثيون في الغرب كقوة متحالفة مع إيران. لكن هذا التوازن انهار سريعًا. فبدعم عسكري إماراتي وتفاهمات عدم اعتداء مع قوى قبلية موالية للسعودية، اجتاح المجلس مناطق الحكومة، وسيطر على الحدود والموانئ والموارد، وأحكم قبضته على عدن، منهياً أي وهم لسلطة مشتركة في الجنوب.
الموقف السعودي شكّل الإشارة الأوضح على التحول. فبدل المواجهة، اختارت الرياض إدارة الخسارة، وقبلت بترتيبات عدم اعتداء، وأعادت تموضع مسؤولي الحكومة، ونسّقت ميدانيًا مع الإمارات، ما يوحي بأن خريطة الجنوب لم تعد تستحق القتال من أجلها.
عادة ما تُقابل الحركات الانفصالية بالرفض، لكن المجلس الانتقالي يُعامل بجدية نسبية. ورغم سجلّه الحقوقي السلبي، إلا أن العالم لم يُظهر اهتمامًا كبيرًا بذلك، خصوصًا أن عملياته الأخيرة اتسمت بضبط نسبي، وخسائر بشرية محدودة، مع قدرة على إدارة الخدمات وتوفير قدر من الاستقرار في مناطق سيطرته، ما جعله يبدو خيارًا "مقبولًا" مقارنة ببدائل أسوأ.
نقطة القوة الأبرز لدى المجلس هي تقديم نفسه كبديل عن الحوثيين، الذين يُنظر إليهم دوليًا كتهديد مزمن للأمن الإقليمي والتجارة العالمية. فشل السعودية والقوى الدولية في ردعهم فتح نافذة للمجلس ليطرح نفسه شريكًا محتملًا في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار، وهو ما قوبل باعتراض سعودي لفظي، تلاه صمت ذو دلالة.
يخلص الكاتب إلى أن الاعتراف الدولي لا يقوم على الأخلاق بل على المصالح. ومع اعتبار اليمن دولة فاشلة، وكراهية الحوثيين، وتوافق الرياض وأبوظبي، وغياب رغبة دولية في خوض صراع جديد، يصبح السؤال المطروح دوليًا ليس: لماذا يُعترف بالمجلس الانتقالي، بل: لماذا لا؟ العالم، وفق هذا المنطق، بات يتعامل معه كحكومة قيد الانتظار، لا كتمرد عابر.