خمسة ابراج لديهم الحظ الاروع خلال الأيام القادمة ماليا واجتماعيا    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟    "حرمان خمسين قرية من الماء: الحوثيون يوقفون مشروع مياه أهلي في إب"    انتقالي حضرموت يرفض استقدام قوات أخرى لا تخضع لسيطرة النخبة    فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء    فضيحة: شركات أمريكية وإسرائيلية تعمل بدعم حوثي في مناطق الصراع اليمنية!    أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن    حرب وشيكة في الجوف..استنفار قبلي ينذر بانفجار الوضع عسكرياً ضد الحوثيين    المجلس الانتقالي يبذل جهود مكثفة لرفع المعاناة عن شعب الجنوب    عن ماهي الدولة وإستعادة الدولة الجنوبية    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    الوضع متوتر وتوقعات بثورة غضب ...مليشيا الحوثي تقتحم قرى في البيضاء وتختطف زعيم قبلي    رفض فئة 200 ريال يمني في عدن: لعبة القط والفأر بين محلات الصرافة والمواطنين    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    صحفي يكشف المستور: كيف حول الحوثيون الاقتصاد اليمني إلى لعبة في أيديهم؟    مسلحو الحوثي يقتحمون مرفقًا حكوميًا في إب ويختطفون موظفًا    حرب غزة.. المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    شرح كيف يتم افشال المخطط    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    رصد تدين أوامر الإعدام الحوثية وتطالب الأمم المتحدة بالتدخل لإيقاف المحاكمات الجماعية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    أولى جلسة محاكمة قاتل ومغتصب الطفلة ''شمس'' بعدن    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيادي الاشتراكي ووزير النقل الأسبق صالح عبدالله مثنى : يحتاج الجنوبيون إلى تطوير إستراتيجية نضالية وتفاوضية متكاملة لإدارة الحراك ومن الخطأ تحويل القضية الجنوبية إلى بازار سياسي
نشر في يافع نيوز يوم 02 - 05 - 2012

* عملية الوفاق الوطني محمولة على حسابات التنافس لكسب الانتخابات المقبلة التي يسعى فيها النظام السابق
* لإفشال الوضع الجديد
* بمؤتمر الحوار الوطني فإن ذلك يذكر بتجارب المؤتمرات والحوارات السابقة (منذ مؤتمر حرض وخمر إلى حوار المائتين الأخير) التي لم تكن تنتج سوى تسويات هدنة واقتسام المصالح وتوظيفها لتحضير مواجهات جديدة
* الأنظار الآن تتجه إلى الدور الذي يمكن أن يلعبه علي سالم البيض وعبدالرحمن الجفري لاستكمال الجهود التي بذلها علي ناصر محمد وحيدر العطاس، والتي يواصلها اليوم محمد علي أحمد في الداخل
* لم يعد مقبولاً إلقاء المسؤولية على حراك الداخل لمواجهة التحديات وحده، بل أصبح الأمر يتطلب حشد جهود وطاقات كل المجتمع
تتسارع الأحداث بشكل ملفت، ويصير المشهد السياسي أكثر ضبابية في كل يوم عن سابقه، ومعه تزداد أوضاع البلاد تعقيداً؛ ثورة شبابية تم احتواؤها، ومبادرة خليجية تواجه بعوائق شتى، والمطالبة بفك الارتباط، وأحداث تتصاعد بوتيرة عالية. عن هذه الأمور وغيرها يتحدث ل"الأولى" وزير النقل الأسبق صالح عبدالله مثنى، فإلى الحوار:
حاوره: أحمد حرمل
كان عام 2011 عاماً فارقاً في حياة اليمنيين، أنتج مبادرة خليجية رُفضت من ثوار الساحات، وحكومة وفاق لديها معارضوها أيضاً، وتعثر واضح في تنفيذ الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وتغيير بات شبه مستحيل.. كيف تقرؤون المشهد السياسي في ضوء هذه التعقيدات؟
قبل الحديث عن الأمور التي أشرتم لها في سؤالكم، دعني أتحدث لماذا وصلت الأوضاع إلى ما هي عليه الآن؟ وللإجابة على هذا السؤال، نود الإشارة إلى أن اليمن ظل يعاني ولا يزال من إرث التخلف الاجتماعي، وهيمنة الثقافة التقليدية والأفكار الشمولية، ونقص المعرفة في المجتمع ولدى القوى السياسية، والتي أدت إلى تعثر الانتصار لثوراته الوطنية، ودخوله في حالة من الصراعات والحروب لم تكن تتوقف إلا لتبدأ من جديد، استهلكت الكثير من أبنائها ومكاسب الثورة وقيمها، وزادت عليها بترسيخ مفاهيم الاستبداد والتخلف لإدارة السلطة، وجعل الوظيفة العامة مصدراً للثراء، وتحويل العمل الوطني إلى احتراف سياسي لخدمة مصالح أنانية ضيقة.
كل ذلك راكم أوضاعا أوصلت البلاد إلى ذروة الأزمة العامة والمركبة، تجسدت بحالة فشل في تحقيق الوحدة الوطنية التي دعت لها ثورة سبتمبر في أحد أهدافها، ومع ذلك تفاقمت حتى أصبحت اليمن على شفا حرب طائفية مذهبية، فشل بواقع الوحدة اليمنية التي دفعت ثورة أكتوبر لتحقيقها وجرى تدميرها بالطابع الاندماجي والحرب الظالمة وإفقار المجتمع الجنوبي، فشل في إقامة الدولة العادلة وتحقيق الأمن والاستقرار وبناء إدارة كفؤة ونزيهة لتحقيق تنمية اقتصادية ناهضة، فشل في صياغة مشروع وطني للتحول الديمقراطي كمشروع للمصالحة التاريخية والشراكة الوطنية، فشل في انتهاج سياسة خارجية بناءة لتحقيق التكامل الإقليمي والشراكة الدولية، وهذه هي طبيعة التحديات التي تواجهها البلاد في الواقع.
في مناخات هذه الأزمة الشاملة جاء الحراك الجنوبي والثورة الشبابية كحركات عفوية، وحازت على تأييد ومشاركة واسعة لكل فئات الشعب وقواه السياسية والاجتماعية، ولكنها بدت مفتقرة إلى الرؤية المتكاملة لتلك التحديات، والآليات الموحدة لقيادتها، والإستراتيجية السياسية لإدارتها، من أجل تحقيق تطلعات الشعب بنيل الحرية والتغيير، ومع ذلك تطورت الانتفاضة الشعبية، وأخذت الأوضاع تدخل حالة من المواجهة والعنف وانتشار الفوضى، حتى غدت تنذر بانهيار الدولة بشكل عام، وعندما أصبح الوضع يهدد بتداعياته تلك المصالح الإقليمية والدولية المرتبطة بهذه المنطقة، جاء تدخل دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وجرى اعتماد المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن من أجل تحقيق تسوية سلمية للأزمة ورعاية تطبيقها. ولكي يحظى مثل هذا التدخل بالنجاح والتأييد الشعبي الأوسع، فإنه ينبغي تطويره إلى صيغة للشراكة الوطنية والإقليمية والدولية، ومشروع لمواجهة ومعالجة حالات الفشل تلك، التي كونت الأزمة العامة في البلاد، وأصبحت بنتائجها تمثل تحديا مشتركا، وجعلها في صدارة مهام حكومة الوفاق، وجدول أعمال مؤتمر الحوار الوطني والتسوية السياسية بشكل عام.
يرى البعض أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد أشبه بالمرحلة الانتقالية التي نصت عليها اتفاقية الوحدة، وبالتالي سيكون مآلها الفشل.. كيف تنظرون إلى هذا الطرح؟
يبدو أن المرحلة الانتقالية أمامها تحديات صعبة وعاجلة، وإذا ما نظرنا إلى الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، نجد أنها تسير بوتيرة أبطأ من حركة التحديات التي تقف أمامها، وبتأثير أقل في مواجهتها. ذلك أن فعالية التغيير في رئاسة الدولة والحكومة لا زالت في طور التشكل، لأنها لا تسيطر على كل مؤسسات الدولة التي تسمح لها بتحقيق الاستقرار والإصلاحات الشاملة، وعملية الوفاق الوطني محمولة على حسابات التنافس لكسب الانتخابات المقبلة، التي يسعى فيها النظام السابق لإفشال الوضع الجديد، وهو تقليد عريق لإدامة التخلف وعدم الاستقرار، عرفناه مع بداية الوحدة. ومع ذلك فإن الناس يريدون على الأقل أن يشعروا بالأمل بأن مسؤولي الدولة الحاليين يصححون أخطاء الماضي بسلوكهم، ليغدوا نموذجا يحتذى به كما قال الدكتور ياسين سعيد نعمان، وأن يكرسوا أولويات عملهم، إلى جانب تحقيق الأمن ومحاربة الإرهاب، لتصحيح الأوضاع الاقتصادية، والسيطرة على ثروات البلاد، واستثمار إمكانياتها لتحسين الأوضاع المعيشية للشعب من خلال إعادة النظر بالاتفاقيات المجحفة لأسعار الغاز وخدمات النفط وميناء عدن، والتي لا أعتقد أن القوانين الدولية تقرها، ولا الدول الشقيقة والصديقة ترضاها إذا ما طرحت المسألة بصورة جدية. ثم إن المجتمع يتطلع إلى ضرورة استعادة الحكومة لموارد الدولة من المؤسسات الإيرادية والموازنات الفائضة لبعض الوزارات والمشاريع، وإيقاف تهريب المشتقات النفطية، وتحصيل ديون المؤسسات الخدمية والكهرباء والاتصالات والمياه… الخ، وإلغاء الوظائف الوهمية العسكرية منها والمدنية، وذلك قبل التوجه إلى خصم مستحقات ومعاشات قيادات وكوادر الدولة المعتمدين عليها.
وهل تعتقدون أن الملعب السياسي مهيأ للدخول في حوار وطني جاد يضع كل القضايا على الطاولة، وينتج حلولاً لكل مشاكل البلد؟
عندما يتعلق الأمر بمؤتمر الحوار الوطني، فإن ذلك يذكّر بتجارب المؤتمرات والحوارات السابقة (منذ مؤتمر حرض وخمر إلى حوار المائتين الأخير)، التي لم تكن تنتج سوى تسويات هدنة واقتسام المصالح وتوظيفها لتحضير مواجهات جديدة، حتى وصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم. إن نجاح مؤتمر الحوار يرتبط بإخراجه من دائرة التمثيل السياسي والفئوي والوجاهي، إلى حالة جديدة تقوم على الشراكة المجتمعية في التحضير له وفي مداولاته ونتائجه، مع ما يتطلبه ذلك من توجيه دعوة مفتوحة للمشاركة بأوراق عمل حول موضوعاته المختلفة، وإجراء المناقشات والمناظرات التلفزيونية والندوات وورش العمل المتخصصة لبحثها ومعالجتها، وبالتركيز على حل القضايا الوطنية، وفي الصدارة منها الحل العادل للقضية الجنوبية بما يرضي الجنوبيين فعلا كما يقولون. وفي سبيل إنجاحه لابد من اعتماد المنهج العلمي في بحث القضايا التي سيتناولها المؤتمر، والذي يقوم على مراجعة تجارب التاريخ الوطني، وما أغناها، وتحليل عميق لطبيعة الأوضاع العامة للبلاد في كل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقيقة وتأثير المواقف والعوامل الخارجية، وتحديد ماهية وحجم المشاكل القائمة، وتعيين اتجاهات وإمكانيات وآليات معالجتها، وبرامج الإصلاحات اللازمة لتنفيذها.
وفي كل الحالات فإن الآمال تبقى معلقة على دور وفعالية الشركاء الإقليميين والدوليين لنجاح العملية السياسية وتأمين مسار التسوية وتطبيق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وكبح العراقيل أمامها، ذلك الدور الذي أصبح على المحك اليوم.
انشغلت القوى السياسية والثوار في الساحات والحراك الجنوبي والحوثيون في دوامة صراع الإرادات، مما أدى إلى وجود فراغ على الأرض مكّن تنظيم القاعدة بمسماه الجديد "أنصار الشريعة"، من التمدد الأفقي في محافظات الجنوب.. كيف تقرؤون ذلك؟
الحالة في الجنوب محمولة على البدايات التي أصبح معها شريكا في الوحدة، وهناك مثل ياباني يقول إن الذي يبدأ خطأ يستمر في الخطأ. وكان واضحا أن حرب صيف 94 كانت إعلان فشل للوحدة الاندماجية، ومشروعا لم يستهدف حضور الحزب الاشتراكي فقط، ولكن لتدمير مؤسسات دولة الجنوب بالكامل، وإلقاء عشرات الآلاف من كوادر الدولة المدنية والعسكرية وموظفيها المقتدرين إلى الشارع، وإفقار المجتمع الجنوبي بشكل عام.
جاءت ثورة الشباب، وأحدثت هزة في بنية النظام المتهالك، ناهيك عن حالة الشلل التي أحدثها الحراك في بنية النظام في الجنوب، والتي لازمته منذ أن اشتد عود الحراك وتوسعت قاعدته ورقعته الجغرافية، وهذا أدى إلى استغلال بعض القوى لهذا الفراغ بإشاعة الفوضى وانتشار العنف في الكثير من مناطق الحراك بهدف تشويه سمعته وإظهار عدم قدرته على تأمينها والسيطرة عليها، واتسعت لتشمل كل أنحاء الجنوب، الذي بدا أنه يواجه حربا مفتوحة تستهدف بصورة منهجية القضاء على الثقافة المدنية للمجتمع وروح الانضباط لسلطة النظام والقانون التي تنامى اكتسابها على مدى 150 عاما، ويجري العبث بنظامه الإداري وتشجيع ظواهر الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، واستغلال حالة الفقر والبطالة لتشكيل مناخ للإرهاب وتجنيد الشباب للانخراط في عملياته المختلفة.
وفي هذه الأثناء جاءت ما قيل إنه أطلق عليها عملية "ضوء الفراشة"، التي بدا أنها لا تحرق سوى فراشات قليلة، ولكنها تولد أسرابا كثيرة غيرها، فبعد السيطرة على محافظة أبين أخذت تنتشر لتسيطر على مديريات ومناطق في محافظات مجاورة أخرى، وغدت عملياتها تظهر في كل مكان من أرض الجنوب، وحتى أحياء مدينة عدن، وشيئا فشيئا أخذ واقع جديد يتشكل لا ليعود الجنوب إلى ما كان عليه في الماضي، بل إلى ما هو أبعد وأكثر من ذلك، وهذه المرة على الطريقة الإسلامية.
لا يستقيم الحديث عن القضية الجنوبية دون الحديث عن الحراك باعتباره العنوان الأبرز فيها. كيف تقيمون مسيرة 5 أعوام من الحراك؟
لما رفضت السلطة مطالبات الحزب الاشتراكي بمعالجة آثار الحرب وتطبيع الأوضاع وتصحيح مسار الوحدة، اندلعت حركة الاحتجاجات الشعبية في الجنوب، وأمام مقابلتها بالقمع تطورت إلى حراك سلمي واسع التفت حوله جماهير الشعب ومختلف قواه السياسية والاجتماعية، والذي أحدث حالة من الشلل العام للسلطات المحلية في المناطق التي اتسع تأثيره عليها حتى امتدت لتشمل كل المحافظات الجنوبية، وبدلا من توجه قيادات الحراك ونشطائه إلى العمل سوية مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، لبلورة رؤيا وقيادة واستراتيجية موحدة لإدارة الانتفاضة الشعبية والمناطق التي وقعت تحت تأثيرها، انقسموا إلى مجالس وهيئات عديدة أصبحت تغلب اختلافاتها على القواسم المشتركة التي تجمعها.
كان على الحراك، ولا زال، الاستفادة من تجربة الماضي للحركة الوطنية، رغم اختلاف الظروف والزمن، والتي لم يكن لها أن تنجح بدون وحدة فصائل العمل الوطني في إطار الجبهة القومية، وحتى التي اختلفت معها ظلت تحاورها إلى عشية الاستقلال، وكان لديها رؤية متكاملة في إطار الميثاق الوطني، وتمكنت من كسب تأييد ودعم الكثير من دول العالم، وعلى الأخص بلدان التحرر الوطني والدول الاشتراكية، ووضعت في صدارة اهتمامها رعاية المناطق التي كانت تقع تحت تأثيرها، وتشكيل لجان شعبية لتأمين وإدارة تلك المناطق التي أصبحت تحت نفوذها.
ما هو المطلوب من الجنوبيين لمواجهة المخاطر والتحديات التي تحدق بقضيتهم؟
بعد أن وصلت الحالة إلى المستوى الذي أشرنا إليه سابقاً، فإنه لم يعد مقبولا إلقاء المسؤولية على حراك الداخل لمواجهة هذه التحديات وحده، بل إن الأمر أصبح يتطلب حشد جهود وطاقات كل المجتمع.
إن الأنظار الآن تتجه إلى الدور الذي يمكن للرئيس علي سالم البيض والأستاذ عبدالرحمن الجفري أن يلعباه لاستكمال الجهود التي بذلها الرؤساء علي ناصر محمد وحيدر العطاس، والتي يواصلها اليوم الأخ محمد علي أحمد في الداخل، ويمكنهم توجيه الدعوة لاجتماع تشاوري يشارك فيه ممثلو الحراك والتنظيمات السياسية والاجتماعية والشخصيات الوطنية، لإنجاز الاتجاهات العامة لإعداد رؤيا واستراتيجية عمل وقيادة مشتركة، تمهيدا لعقد مؤتمر حوار جنوبي لإقرارها، والشروع بتشكيل مجلس تنسيق وطني وهيئات تنسيقية مشتركة على مستوى الجنوب والمحافظات والمديريات والأحياء، للتصدي لكل التحديات التي يواجهها الجنوب، وضمن ذلك التنسيق مع الواجهات الاجتماعية والمجالس المحلية والشرطة المدنية المستجيبة للتعاون من أجل الحفاظ على أمن المواطنين وحل مشاكلهم وتأمين مصالحهم وتنقلاتهم على الطرق العامة، وعلى سلامة واستمرار مؤسسات الخدمات العامة، ومنع الاختراقات والاعتداءات على مناطقهم، ثم إنه من الضروري أن ينبثق عن المجلس الوطني لجان متخصصة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، والتي ينبغي أن يشارك فيها أفضل الكفاءات والخبرات القادرة على تقييم الأوضاع العامة في الجنوب والتعبير عنها والحوارات حولها.
هناك من يرى أن تعدد الرؤى لا يخدم القضية الجنوبية، بل يؤخر حلها، فما هو الخيار المناسب للجنوبيين من وجهة نظركم؟
يحتاج الجنوبيون إلى أن يطوروا إستراتيجية نضالية وتفاوضية متكاملة لإدارة الحراك السلمي، تجمع بصورة بناءة بين الخيار الذي يتطلعون إليه، والخيار الذي يمكنهم تحقيقه في الواقع. ولكن من الخطأ تحويل القضية الجنوبية إلى بازار سياسي، فحتى الذين أساؤوا إلى الجنوب، والذين يعملون للإساءة إليه، أصبحوا يزايدون على قيادات الحراك أنفسهم برفع أقصى الشعارات، وحتى أركان النظام من أنصار الثورة اعترفوا بأن السلطة تمارس "الاستعمار على الجنوب"، وبالرغم من أن مثل هذا القول يعزز مشروعية الدعوة للتحرير والاستقلال، إلا أنه لا يكفي التمسك بهذا المبدأ والدعوة لاستعادة الدولة، دون إدراك كيف يمكن تحقيق ذلك، وأذكر إن "مراسل صحيفة "الواشنطن بوست" ومندوبها الإقليمي جاءنا بالصدفة قبل فترة وأثناء لقائنا به بحضور بعض الكوادر السياسية ونشطاء من الحراك، سمع الكثير من هذا الكلام، وعندما سأل كيف يمكن تحقيق ذلك، لم يسمع الإجابات الكافية"، وفي الواقع هناك قاعدة علمية يجري اعتمادها لتحديد طبيعة الخيار الصحيح في مثل هذه الحالة، وتقوم أساسا على تحديد ميزان القوى الداخلي، ومدى توفر الإمكانيات الكافية لمواجهة التحديات المختلفة، وإرادة تحمل التضحيات المحتملة، وتقدير واقعي للمدى الزمني الذي يمكن للشعب أن ينتظر لتحقيق ذلك الخيار، وكذا طبيعة المواقف والتأثيرات الإقليمية والدولية.
اعتركتم السياسة لسنوات طويلة وتقلدتم مناصب وزارية ثم دبلوماسيه، ولكنكم منذ حرب 94 تواريتم عن الظهور في المشهد السياسي، كيف تفسرون ذلك؟
أنا من الناس الذين يعرفون أنه لا يمكنهم أن يأخذوا زمنهم وزمن غيرهم، وأرى دوري في هذا الجيل الذي غدا يواصل حمل راية الثورة بشرف واقتدار، فمثلهم بدأت مشاركتي في الثورة وعمري لم يتجاوز ال15 عاما، وفي سن ال18 أسندت إليّ مسؤولية القيادة المحلية في الضالع.
أما هذه المرحلة فقد عشت أحداثها كاملة منذ الوحدة إلى اليوم، فحين دخلت حوارات الوحدة مرحلة جدية، بادرت بتقديم مشروع لوحدة فيدرالية ثنائية في صيف العام 1989، وافق عليها 85 من بين 111 هم أعضاء مجلس الشعب الأعلى الذي كنت عضوا فيه، على أمل أن يساعد ذلك قيادة الحزب في اتخاذ الخيار الأنسب، ولكن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن. وعشية تحقيق الوحدة تقدمت بمبادرة لإعادة تقديم الحزب كحزب اشتراكي ديمقراطي في برنامجه وسياساته وحتى تسميته، وأنه غدا يتطور على طريقة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية المنتشرة في مختلف بلدان العالم، لتجاوز حالة الشكوك حول توجهاته والعداء له، وأكدت على ذلك في الافتتاحية التي كتبتها لآخر عدد من صحيفة "الثوري" صدر في عدن في شهر مايو من العام 1990. ولتفادي تفاقم الأزمة التي نشأت بعد الوحدة، تقدمت بمبادرة لتحقيق الوفاق الوطني في العام 1992، تحت عنوان "نحو بناء دولة الوفاق الوطني من أجل مستقبل آمن ومزدهر لوطننا اليمن"، نشرتها صحيفة "صوت العمال"، والتي تضمنت ضرورة إشراك القوى السياسية والاجتماعية الأخرى -الإسلامية والقومية- في العملية السياسية، بما يساهم على بناء تجربة نموذجية تتجاوز حالة الاستئثار والصراع، وتسمح بتأمين الشراكة الوطنية ل3 دورات انتخابية قبل الانتقال إلى عملية التداول السلمي للسلطة، والتي كانت أحد أسباب اندلاع الأزمة وتطورها نحو الحرب في العام 1994.
وبعدها عدنا إلى منطقتنا الضالع للعمل على تجنيبها كارثة كان يجري التحضير لها، فحين كانت تبدي تجاوبا مع كل ظواهر الرفض والمقاومة لنتائج الحرب وحالة استجابة لكل أشكال المعارضة التي ظهرت بعد توقف الحرب، مثل منظمات (موج، حتم، اللجان الشعبية وغيرها…)، أخذت قوى متطرفة في السلطة تعد لتوجيه ضربة قاسية لمنطقة الضالع، أرادها أولئك المتطرفون كانتقام لحربي 72 و79، وعبرة لمناطق الجنوب الأخرى، وقد سمع أبناء الضالع تهديدات علنية بشيء من ذلك، فالبعض من جماعات الرؤوس الحامية والعتيقة كان يعتقد أنه يستطيع إخضاع الجنوب بنفس الطريقة التي نفذت فيها مذبحة قلعة المقاطرة في تعز أو مجزرة الزرانيق في تهامة، لإخضاع مقاومة أبناء تعز والحديدة في العهد الإمامي، وبالتعاون مع مختلف القوى السياسية والواجهات الاجتماعية تمكنا من احتواء وتجاوز تلك المخاطر المحتملة، بالدعوة إلى التهدئة، والتركيز على التعبئة السياسية، إلى أن تصبح ضرورة المقاومة حالة عامة لدى المجتمع الجنوبي بشكل عام.
وفي العام 2005 عندما تأكد أن الحوار أصبح ضرورة لمواجهة الأزمة التي تصاعدت من جديد، وتوقفت المداولات على معرفة ماهية القضايا التي سيبحثها المؤتمر واتجاهات الحلول المتوقعة، تقدمت بمبادرة وجهت لقادة الأحزاب، ونشرتها صحيفة "الوسط"، لبناء الدولة الاتحادية في إطار مشروع تحت اسم "نحو مصالحة تاريخية ومشروع وطني للتحول الديمقراطي والتنمية الشاملة".
واليوم فإن كل تلك القضايا التي تضمنتها تلك المبادرات والمواقف، أصبحت موضوعات للحوار الذي يدعون إليه، ولكن بعد معاناة طويلة دفع الشعب خلالها ثمنا غاليا ودماء غزيرة لا زالت تنزف وبدون توقف.
لماذا لا نرى لكم أي نشاط سياسي سواء في الحركة الشعبية الجنوبية أو غيرها؟
نحن نمارس نشاطنا السياسي في الإطار الجمعي للحزب الذي ننتمي إليه، والذي تقوم به وتعبر عنه هيئات الحزب القيادية وأمانته العامة، من خلال المواقف والفعاليات التي ينظمها الحزب أو يشارك فيها على مستوى المركز والمحافظات، وبالنشاط اليومي لأعضائه في محيط حياتهم وعلاقاتهم داخل المجتمع. وقد غدا معروفا للجميع أن تلك المشاركات والأدوار أضحت تمارس تأثيرا كبيرا على مجمل الأحداث السياسية والوطنية، وفي الوصول إلى الكثير من المعالجات المرتبطة بتطورات القضية الجنوبية والثورة الشبابية، والتي شملت اتجاهات كثيرة بدءاً من تأييد الحزب لحركة الاحتجاجات وتطوره إلى حراك سلمي واسع، ودعوة قواعد الحزب للمشاركة فيه والدفاع عنه، وإقناع قيادات المشترك بتفهم دوافعه وتأييده والعمل معها للدفاع عنه وإطلاق سراح معتقليه وإدانة والحد من ممارسة أعمال القمع ضده، وما شكله ذلك من غطاء سياسي لتنامي الحراك والثورة الشبابية أيضا. كما أصبح معلوما ذلك الدور المتميز الذي يلعبه الأمين العام للحزب الدكتور ياسين سعيد نعمان، والهيئات القيادية في إطار العملية السياسية والوطنية بشكل عام، وعلى وجه التحديد توظيف مكانته وعلاقاته في تقديم القضية الجنوبية والاعتراف بها كقضية سياسية، ورفع مستوى وخيارات معالجتها لدى المعارضة وممثلي المجتمع الإقليمي والدولي ومنظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. وفي كل الحالات ليس كل ما ينشط فيه الإنسان في إطار تلك الفعاليات يصبح مشروعا للتصوير والإعلان، فذلك لا يمت إلى القيم الثورية والوطنية بصلة، وعدا هذا فأنا الآن أعكف على إعداد موضوع حول "الحوار الوطني والقضية الجنوبية"، وفي تأسيس مركز للمساعدة الأهلية، وإشهار منتدى الوفاق الوطني.
ما الذي يلوح في الأفق في ما يتعلق بمستقبل الجنوب؟
مستقبل الجنوب يتحدد من خلال قدرة الحراك على توحيد صفوفه، والعمل مع قيادات الخارج وكل القوى السياسية والاجتماعية للحفاظ على حالة الزخم الذي وصل إليه، وتوسيع نطاق المشاركة الشعبية فيه، وإدارتها بصورة بناءة، ويتحدد مستقبل الجنوب بمستوى وكفاءة صياغة رؤيته السياسية وعرض قضيته العادلة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، وكسب التأييد لها، وتجنب إثارة العداءات والشكوك حولها، والإدراك بأن مصير ومستقبل الجنوب وكل اليمن يرتبط وثيقا مع أشقائنا من بلدان الجزيرة العربية وشركائها في العالم، ذلك أن قانون العلاقات الدولية المعاصر يدفع نحو إقامة التكامل والاتحادات الإقليمية والاندماج في المجتمع الدولي لتأمين شروط التطور والأمن والحرية. وبالتأكيد فإن هذه البلاد لا تحتاج لسفر "يزَني" جديد، فهو لم يجلب لها سوى التدخل والسيطرة الأجنبية، ولا لاستشراق أيديولوجي آخر، فالتاريخ لا يكرر نفسه إلا بشكل المأساة أو المهزلة أو كليهما معا كما تقول الحكمة التاريخية.
في ظل حكومة الوفاق، هل عرض عليكم تولي مناصب؟ وهل زيارات قيادات في حزب الإصلاح لكم مؤخرا تأتي في هذا الجانب؟
لم أكن يوما من هواة البحث عن المناصب، وفي كل تلك المسؤوليات التي تحملتها منذ اختياري مسؤولا للقيادة المحلية في الضالع في العام 1967، وحتى تعييني وزيرا، كان يجري اتخاذ القرار بها من قبل الهيئات القيادية المعنية. ولا أخفيك أنني كنت أشعر في كل مرة بالقلق والخوف أحيانا من أنني لن أستطيع تأدية مهام كل وظيفة كانت تسند إليّ، حتى أباشر إدارة تلك المسؤوليات بنجاح، فأشعر بالاطمئنان وبرضا ضمير. وانطلاقا من المبادرات والمساهمات التي نقدمها لحل المشاكل الماثلة والدعوة لحشد ووحدة قوى وطاقات المجتمع لمعالجة التحديات التي تواجه البلاد، وتأمين استقرارها وبنائها، وهي أكبر من طاقة أية قوة سياسية أو اجتماعية بمفردها، فإنني أحتفظ بعلاقات ودية مع الكثير من قيادات وكوادر القوى السياسية والاجتماعية والشخصيات العامة، وقد تشرفت باستضافة قيادات المشترك مجتمعة أو منفردة في مناسبات سابقة عند زياراتها لعدن، وقبل فترة، ولكن قبل التغييرات السياسية، استقبلت قيادة الإصلاح ونشطاء في الحراك بعدن، بهدف الحديث وتبادل الرأي حول إمكانيات التقارب والتنسيق. وعدا ذلك نلتقي مع بعض الإخوة والأصدقاء من مختلف الاتجاهات الوطنية، مثل ما يفعله بقية الناس في حياتهم اليومية.
ما هي الكلمة الأخيرة التي تودون قولها؟
إن وحدة الجنوبيين في إطار مجلس تنسيق وطني غدت ضرورة موضوعية، ومطلبا شعبيا وإقليميا ودوليا ملحا لإدارة الحراك السلمي الجنوبي بصورة بناءة، والتحضير للمشاركة في مؤتمر وطني دولي يستند على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وينبغي الإدراك بأن المجتمع الإقليمي والدولي لطالما كان شريكا حاسما لتحديد مستقبل ومصير هذه المنطقة من أجل تأمين مصالحه وأمنه، وهذه المرة بصورة علنية رسمية واضحة، ذلك أننا نتواجد في منطقة ظلت ولا زالت تشكل قلب العالم وقبلته.

(ينشر هذا الحوار بالتزامن مع صحيفة "الوسط")


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.