من سوء حظ المتشائمين، الذين يبحثون عادة عن أي ثغرة في أي إنجاز عربي لكي يستخدموها للقول إن وراء الأكمة ما وراءها، وإن الإنجاز لم تأت به «شطارة» صاحبه أو كفاءته بل جاء لتحقيق أهداف سياسية ما؛ أن توكل كرمان امرأة يمنية تحيا وتتنفس هواء اليمن وتعيش بين بيوته وتكتب عنه، أي أنها بنت البلد ولم تهبط عليه بباراشوت ولا مظلة من الخارج، لم تعش في أوروبا لكي يقال إنها امرأة «متغربنة أو مؤدلجة» بأيديولوجية الغرب وأفكاره حول المرأة. وأظن أن هؤلاء يعضون على أصابعهم ندماً لأنهم لم يجدوا ما يستندون إليه للتشكيك في أهمية الجائزة وصاحبتها، وأن أنوفهم الحادة التي تشم المؤامرات على بعد آلاف الأميال حتى لو كانت مُختلقة، لم توفق هذه المرة في صيد أي سبب وجيه للقول بأن فوز توكل كرمان بجائزة نوبل تم دفع ثمنه سلفاً. شخصياً، شعرت بسعادة بالغة حين أعلنت نتائج «نوبل» وكانت من حظ هذه المرأة اليمنية العربية الجميلة التي لطالما أعجبت بجرأتها وشجاعتها في ميدان الثورة، ليست هي وحدها، بل النساء اليمنيات اللواتي أفرحنني حقاً وهن يخرجن بكل هذا البهاء الى جانب إخوتهن من الثائرين، يشاركن في صناعة المستقبل ويرسمن يمناً جديداً لا مكان فيه للتمييز أو القمع، بل مجتمع عادل وإنساني وديمقراطي كما قالت توكل كرمان أكثر من مرة. حتماً لم يكن هذا الخروج سهلاً لاسيما في دولة كاليمن تمارس فيها القبيلة حضوراً كبيراً، وتفعل التقاليد الاجتماعية البالية والنظرة المحافظة إلى المرأة فعلها الكبير. رغم ذلك، وربما بسبب جدية النساء اليمنيات والتزامهن بالقيم الأخلاقية في لباسهن وسلوكهن، تقبّل المجتمع اليمني هذا التغيير بصدر رحب، واحترم حضورها في الميدان الذي رسم لها صورة أخرى مختلفة عن الصورة النمطية التي كان يجرى تكريسها وإنتاجها بكل السبل: صورة المرأة المناضلة، الواعية، المثقفة، السياسية، القادرة على إنجاز حلم هو أكبر الأحلام وأجملها على الإطلاق؛ حلم التغيير وبناء الوطن على أسس جديدة.