كان بجواره، وهو يصارع المرض، القليل من الأصدقاء والكثير من السرطان الذي رافقه كصديق لا يطاق استمر ينهش لحمه قبل أن يقتله، أمس الأول، ويأخذه بعيداً، في رحلة غياب لن تنتهي. هكذا غادرنا الكاتب الصحفي والأديب المبدع، رفيقنا الجميل في ثورة التغيير، محمد الجبلي، بعد أن استبد به السرطان دون أن ينقذه أو يهتم به أحد، حتى مات من فرط الحزن والمرض والألم. لن يعود محمد ليحدثنا مجدداً بلكنته التهامية عن الثورة، ولا عن رفاقه الشيوعيين المغاربة الذين تعرف عليهم قبل سنوات عندما زار المغرب وشاركهم في أحد الاعتصامات المطالبة بالحرية هناك. الرفيق محمد كان لا يخفي إعجابه الشديد بنضال الرفاق المغاربة وكيف شاهدهم يخرجون إلى الشارع رافعين في وجه الخوف وأدوات القمع جباههم وصور الثائر الأممي تشي جيفارا. حينها كنت أتلذذ وأنا أسمعه يتحدث وهو في قمة الانتشاء والابتهاج. واليوم يعتصرني الألم بفقدانه المبكر، ويأخذني الحزن إلى أقصى حد، خصوصاً عندما أتذكر أنني تخاصمت معه بعد مرور أربعة أشهر تقريباً من عمر الثورة، ولم نتحدث بعدها مجدداً حتى مات. عندما عرفت الخميس الماضي خبر مرضه بالسرطان، وأنه بات على مشارف الهلاك، حزنت كثيراً، وعزمت أن أزوره وأقدم له اعتذاري؛ لكن لم يسعفني الوقت والحظ! كان الموت أسرع مني، كما كان السرطان أسرع من الثورة في نهش لحمه وجسده الأسمر النحيل. هكذا فقدنا رفيقا، وشاعرا مرهفا، ومناضلا حقيقيا، اسمه محمد الجبلي. كان يستمد روحه الثورية من رفاقه في الحزب الشيوعي المغربي، ولا يخفي تذمره من أداء قيادة الحزب الاشتراكي اليمني ممثلي اليسار في اليمن. كان حالماً جميلاً يريد أن ينتصر لا لقضية أبناء تهامة التي كانت تؤرقه كثيرا، وإنما لليمن ككل؛ فخذلته الثورة قبل أن يتحقق حلمه في الدولة المدنية، وقبل حتى أن يضاجع أنثى. أنا آسف يا محمد! يا لقبح هذا العالم الذي يتسع للقتلة والمجرمين ويضيق بنا نحن الغلابى والمسحوقين...! وداعاً يا رفيق! ولترقد روحك بسلام، ولا أملك إلا أن أكون حزينا لأجلك، ولأجلنا!