كيف تريدون من الحراك الجنوبي ومن الجنوبيين عموما ان يثقوا بصنعاء رموز من صنعوا ازمة الوحدة وشنوا الحرب على الجنوب في 1994م ومارسوا النهب والقمع والاذلال، بعدها لا يزالون يتصدرون المشهد السياسي في صنعاء ويتحكمون بأجندات الحوار واولياته بل ويفرضون قوتهم ومنطقهم العسكري والمشيخي تجاه القضية الجنوبية والحراك الجنوبي عموما. الحراك السلمي 2007م والثورة الشعبية 2011م و التضحيات الجسيمة التي قدمها اليمنيون في الشمال والجنوب خلال السنوات الخمس الماضية في سبيل يمن مختلف ومغاير ليمن 7 يوليو البائس بدت للجنوبيين بعد ان انفض السوق وخف الضجيج وكأنها "سراب يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ..." تضحيات جسيمة ولكن لا تأثير لها في تغيير خارطة السلطة ورموزها في صنعاء بما يسهم في تعزيز ثقة الجنوبيين الضعيفة او المعدومة في بصنعاء وبنخبتها السياسية في "السلطة والمعارضة" وبإمكانية اجرى حوار جاد ومثمر، بل ان ساحات الثورة نفسها وبسبب هذا اللبس بدت في لحظة من اللحظات وكأنها مناهضة للقضية الجنوبية والى جانب اعدائها وخصوصا من سلطة ورموز 7 يوليو 1994م.
مؤتمر القبائل اليمنية الذي انعقد مؤخرا في صنعاء وتصريحات صادق الاحمر الصريحة والمبطنة حول امكانية تعامل مجموعة الاحمر وقبائله اليمنية مع الحراك الجنوبي والحوثيين بالحرب، لم يكن لها من معنى لدى الجنوبيين سوى ان صنعاء لا تزال هي صنعاء كما كانت عشية حرب صيف 1994م ولا تزال نظرتها الى الجنوب والى القضية الجنوبية هي نفسها نظرة سلطة 7 يوليو التي شنت الحرب على الجنوب واسقطت شراكة اليمن الديمقراطي في دولة الوحدة وعملت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم على محو ذاكرة وهوية الجنوب اليمني وجعل "جمهورية حاشد " التي تحدث عنها الشيخ عبد الله الاحمر يوما باعتبارها البداية النهاية في تاريخ وهوية اليمن بشطريه. صادق الاحمر تحدث عن الجنوب وصعدة من منصة "جمهورية الحصبة" ملوحا بالحرب وبأنه وقبائله على استعداد وجاهزية كاملة لإسناد الدولة في بسط نفوذها على كامل اراضي الجمهورية ومع انه لم يلحظ ان صنعاء نفسها لا تزال خارج سلطة الدولة ولا تزال ميليشياته المسلحة في الحصبة تثير الشفقة على ما يسمى باللجنة العسكرية التي "كملت نفسها شكرا وتقديرا لأطقم آل الاحمر التي تقطع صنعاء وتحاصر مؤسسات الدولة " بطريقة توددية مخجلة. غير ان الشفقة الحقيقية هي التي اثارتها تصريحات صادق الاحمر نفسه وهو يتحدث باللغة الاستعلائية التي دمرت الوحدة ودمرت اليمن عموما ولكن في زمن مختلف لم تخيف فيه تصريحات صادق الاحمر وامثاله احدا من الناس سوى الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني ولجنتها العسكري، اما بقية الناس فهم يعرفون ان الشيخ صادق لم يكن ولن يكون هو الشيخ عبد الله ولا يمتلك مكانته ومقامه وتجربته، كما ان الجنوب لم تعد الجنوب التي عرفها صادق ووالده عشية 94 وهكذا بالنسبة لصعدة واليمن عموما بل ان "جمهورية الحصبة" نفسها ما كان لها ان توجد لولا انها احدى شظايا "جمهورية حاشد" التي بناها الشيخ الاب ومزقها المشايخ ابنائه بفعل سياستهم الرعناء تجاه حاشد وابنائها واقحامهم في حروب بالوكالة لا ناقة لحاشد فيها ولا جمل. في هذا السياق فان الاحمر الشيخ لم يعمل بتصريحاته الفاقعة تجاه الجنوب سوى اكمال المهمة والرسالة والتي سبق وان قامت بها رصاصات النقطة العسكرية المجهولة "التي قصدت حياة الدكتور ياسين سعيد نعمان قبل مؤتمر صادق الاحمر بحوالي شهر من الزمان وبعد يومين من اعلان لجنة الحوار للنقاط العشرين ليتبين لاحقا انها لم تكن نقطة مجهولة بل "معلومة" جدا وتتبع الفرقة الاولى مدرع رغم ان قائد الفرقة نفسه – ويا للهول – كان اول من ادان الحادث الاجرامي باعتباره جريمة اغتيال خطيرة وقصدية كما جاء في بيان عن الفرقة الاولى مدرع حينها. التصريح والنقطة المجهولة حملا مضمون رسالة واحدة صريحة وواضحة تجاه الجنوب وتجاه اليمن عموما مفادها ان القوى العسكرية والمشيخة التي كانت احد اهم منظومة حرب صيف عام 1994م لا تزال موجودة على الارض وفي شوارع وازقة وتباب ودهاليز العاصمة صنعاء وان المشيخة القبلية والثكنة العسكرية ورصاصات الغدر والترصد الامنية لا تزال مجتمعة تحكم صنعاء وتتحكم بقرارها وتحدد الموقف من الحراك الجنوبي والقضية الجنوبية وليس لجنة الحوار وفصائل الحراك الجنوبي كما يعتقد البعض بغباء شديد.
الحراك الجنوبي السلمي يطلق عليه صادق ومنظومته اليوم تسمية جديدة هي "الحراك الانفصالي المسلح " وزادوا" "العميل لإيران" ايضا وبصيغة اخرى "قوى الردة والانفصال" الجملة نفسها التي عنونت "وشرعنت حرب صيف 1994م ولا تزال عنوانا لحروب ضد عدن وصعدة واداة فاعلة للسيطرة على السلطة ومفاصل الدولة باسم الثورة مرة وباسم الجمهورية مرة وها هي اليوم ترجع من جديد و" بديع الله يابديع" باسم" الثورة" السلمية ايضا .... ثاني!.
مالذي تغير في صنعاء ليغير مشهدها الاستعلائي والإقصائي تجاه الجنوب وتجاه ضحايا نظام الرئيس صالح تحديدا " الحراك والحوثيين"؟ الجواب لا شيء". نعم لا يزال اللواء علي محسن الاحمر والشيخ صادق الاحمر واللواء غالب القمش والشيخ عبد الوهاب الديلمي وو...الخ هم القوة الفعلية الموجودة على الارض في قرار صنعاء والتي ولا يبدو ان الرئيس هادي والحكومة الوفاقية لا يسمعون الا لهم بل بدت السلطة الانتقالية كلها الى جانبهم وضد خصومهم – خصوم صالح - وبالتالي لا ثقة بالحوار ولا يمكن الوثوق بالمتحاورين ولجنتهم من قبل الجنوب والجنوبيين خصوصا بعد ان تم تمثيل الحراك من خارجه وبإشارة او بضغط من قبل هذه القوى الشمالية النافذة. ابناء الجنوب ورموز حراكهم السلمي عانوا طويلا جراء سياسة الغدر والتآمر التي مارسها بعض او كل هؤلاء خلال المرحلة الانتقالية وعشية وغداة حرب صيف 1994م ما افقدهم الثقة بكل شيء يأتي من صنعاء وسلطتها الفعلية الامر الذي يجعل عملية تعزيز الثقة او بالأصح ايجادها مقدم على اي دعوة للحوار او المشاركة الجنوبية فيه والحقيقة ان من وضع النقاط العشرين التي اقرتها لجنة الحوار وتضمنت ضرورة الاعتذار للجنوب كان يعي جدية بهذا الخصوص تسهم في تعزز الثقة لدى فصائل الحراك بالحوار مع صنعاء غير ان رفض وتمييع النقاط العشرين من قبل الرئيس وبقية الاطراف قد اثبتت للجنوبيين وللجميع وبما لا يدع مجالا للشك بان رموز سلطة 7 يوليو 1994م وهكذا ظهر المشهد للجنوبيين وهم يتابعون موقف الدولة وموقف الاطراف المعنية البائس من الاعتداء على امين عام الحزب الاشتراكي والشخصية الوطنية الجامعة واخر رئيس وزراء في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واول رئيس مجلس نواب لدولة الوحدة أولا ومع تمثيل الحراك من خارجه ثانيا. تعزيز ثقة الجنوبيين بصنعاء وتوفير شروط انجاح الحوار مقدم على اي دعوة للحوار مع الجنوب واصرار البعض على بقاء رموز القمع والفيد لنظام 7 يوليو 1994م وبالذات رموز المشيخة والثكنة العسكرية على راس المشهد السياسي يجعل من الحوار مع الجنوب والحوار الوطني عموما غير ذي جدوى بل ومضيعة للوقت تماما.
كما رفض الاعتذار للجنوب ولضحايا نظام صالح عموما وعدم قيام الرئيس والدولة بتنفيذ نقاط لجنة الحوار العشرين يكشف هو الاخر كم كان الجنوب مخطئا – اقولها اسفا – بقرار الوحدة الاندماجية المتسرع وبدون شروط حينها وكم سيكون ساذجا اليوم اذا لم يشترط الجنوب وقبل اي خطوة في الحوار بإزالة كل رموز الحرب والدمار والفيد والنهب. لقد رضي الناس بالتوافق السياسي برئيس توافقي من النظام السابق رغم كل التضحيات والمعاناة ولكن في سبيل الحفاظ على ما تبقى من الدولة اولا وتحقيق اهداف الثورة ثانيا ولكن ان يصر الرئيس التوافقي نفسه على بقاء كل رموز ومنظومات النظام السابق العسكرية والمشيخة والاصولية لتتحكم بالمشهد والقرار السياسي في صنعاء وتفرض اجنداتها القمعية والاستعلائية على اليمنيين عموما وعلى الجنوبيين تحديدا فهذا كثير بل كثير جدا. عن: صحيفة الأولى