كلما كبر سني وازدادت قدرة عقلي في تحليل الواقع المعاش كلما كان تقييمي للواقع هو الرسوب دائماً.. ما بدأت ألاحظه في الآونة الأخيرة أسميته "الفكر الحيواني" اليمني هذا المسمى الذي أطلقته على مجتمعنا الذي ينظر دائماً إلى الكبير المقدر والميسور حالاً دون مراعاة حساب الصغير، و اللامبالاة للطبقات الضعيفة من المجتمع، والتي تصب كل مساعيها نحو معيشة كريمة وهادئة.. بعيدة عن الظلم والجور وغيرها من المسميات التي لا تحصى والتي تجلب البلاء لهذه الشريحة من المجتمع.. وتحت لائحة "الفقر" التي تسعى معظم طبقات المجتمع للتحرر من قيوده، والفقر الذي أقصده وأعتبره السبب الرئيسي في وجود ظاهرة "الفكر الحيواني" ليس ذلك الفقر الذي نعرفه من (قلة المأكل والمشرب) و إنما ذلك الفقر الذي يوقع بصاحبه ويرميه إلى الدرك الأسفل على مستوى طبقات المجتمع اليمني، ذلك الفقر الذي يحاول صاحبه النهوض قدر المستطاع من مغبة الظلم والاضطهاد واللامبالاة من قبل شرائح المجتمع "المبسوطة".. الطبقة الفقيرة قد تكون أحياناً تمتلك مواهب شتى وعقلية مستنيرة تتميز بالفطنة والذكاء وحدة الخاطرة وتوقُّد الذهن هدفها الوحيد النهوض باليمن إلى الأعلى ولكن للأسف تموت من الجور و القهر. هذه الطبقة تعاني من "الفكر الحيواني" المزروع في أوردتنا نحن اليمنيين، وتذوق المر يوماً بعد يوم.. والفاجعة الكبرى أن هذه الطبقة جربت صنوف عديدة من الوسائل للنهوض كي تلتفت إليها بقية الطبقات ولكن دون جدوى إلى أن وصلت هذه الطبقة إلى تخويف بقية الطبقات "بالانتحار".. والسؤال هنا.. هل ستجدي محاولة الانتحار لتخويف بقية الطبقات من أجل تلك اللفتة؟! سأتوقف منتقلاً إلى التجربة التي رست في مخيلتي هو شخص واحد فقط من هذه الطبقة حرم الكثير والكثير من جميع الحقوق، وهو منيف الزبيري، له الحق بأن يكون كاتباً مرموقاً وشاعراً له مكانه بين الناس ومن حقه أن يكون أفضل منهم. هذا الشاعر والكاتب الصحفي دخل في صراع شديد بين الطبقات الاجتماعية فلم يجد نفسه إلا وحاله أسوأ من ذي قبل. هذا الشاب خسر تلك الحرب الشعواء مقرراً اتخاذ خياراً القليلين فقط ممن سبقوه "الانتحار حرقا".. أضرم النار في جسده، وقبل أن تطاله ألسنة الموت، تخافت الناس ليطفئوا تلك النار.. أشعل الإعلام ووعد أغلبية الناس بمساعدته للخروج من هذه الأزمة، ولكن "الفكر الحيواني" كان هو المسيطر، فبدأ الناس يتركوا التفكير بمنيف مع أن ما قام به يعد عمل احتجاجيا على وضع إنساني وصل إليه جرحى الثورة.. ومع ذلك يبقى "الفكر الحيواني" الأقوى دائماً.. نسى الناس الحادثة وبطل الحادثة، والأسباب التي خلقت هذه الحادثة ونسوا الوعود أيضاً ليعود منيف من نقطة الصفر وكأن شيئا لم يحصل شيء ليسود الفكر الحيواني سماء بلادنا واللعنة التي لا أظن أنها ستزول ببساطة لأنه وكما قلت سالفاً مزروع في أوردتنا. وأترك سؤالاً لمن قرأ هذه السطور.. وإن لم يستطع الإجابة عليه فسأكتفي بالتفكير حوله.. وهو السؤال الأهم.. هل للفكر الحيواني علاج؟!، وما هو؟!.