- صمت سلطان البركاني، وخفت ضججيه.. كان يحاول بلع ريقه في البرلمان فلا يستطيع، تجهم وجهه، واصابه الضجر والسأم، واصبح المدان والغريم من حيث لا يدري، سكت وبلعها كابدة كما يقال، ليترك للاخ الرئيس فرصة اصلاح ما خرب، وتدارك بعض ما عبث به، وانكر الرئيس عليه فكرته الجهنمية (قلع العداد) بهدف امتصاص اي تحرك يقوم به المشترك الذي تعقل كثيراً مع السلطة الى حد اتهامه من قبل الجماهير بالمشاركة فيما آل إليه وضع الشعب من بؤس وفقر وما وصلت اليه البلاد من صراعات وتمزق، ناهيك عن فساد يأكل الاخضر واليابس.. ومن خلال تطورات الاحداث نحاول ايضاح الكثير من الحقائق للناس حول كيفية تآمل السلطة والحزب الحاكم مع احزاب المعارضة، تداركاً لمخاوف السقوط الذي يزحف على الانظمة العربية الفاسدة واحد بعد الآخر، بثورات شعبية سلمية تعبر عن مرحلة تاريخية جديدة تمر بها الامة العربية، تؤكد فيها حقها الحضاري في التطلع للمستقبل وصياغة مشروعها النهضوي يقيم الحرية والديمقراطية الحقيقية. وهنا نكشف عن مجمل تحركات السلطة في اليمن والحزب الحاكم، خاصة بعد اشتعال الثورة المصرية ودعوة المشترك للخروج يوم الغضب (الخميس الماضي)، وأود ان انوه هنا انني لست في موقع الدفاع عن اللقاء المشترك وشركائه، بل حاولت ان اضع امام القارئ الكريم الحقيقة كاملة كرأي شخصي غير ملزم، ومعبراً عن قناعة شخصية لا تتعارض مع واجبات المهنة ومبادئ العمل الاعلامي.. - عبدالله بن عامر الرئيس يتدخل.. نعم اربك يوم الغضب الجميع، فالسلطة ابدت تخوفها من تكرار ما يحدث في مصر، والمعارضة ايضاً لم تصل الى درجة تجعلها تقود انقلاباً سلمياً على النظام، بينما الشعب يغلي ويهيج وينتظر شرارة الإنطلاق نحو صياغة مستقبله، ليصبح الشعب اليمني مرهوناً بسلطة تبدع في الوعود، ومعارضة يدفعها تعقلها الى اجهاض الروح الشعبية المتقدة، وكأنها تمتص غضب الجماهير بدلاً من السلطة نفسها. مع تصاعد احتجاجات الشعب المصري ضد نظامه وفاسديه، شعر النظام اليمني بالخوف والذعر من احتمالات انتقال حمى الثورات الى صنعاء لتعم اليمن باكملها، ومع فشل قادة الحاكم في مواجهة المشترك، قرر الرئيس انقاذ نظامه من القادم المجهول والغضب الشعبي العارم الذي زاد من عوامل حدوثه الازمة القائمة بين المشترك والحاكم بعد ان رفض الاخير دعوات الاول للحوار، وراح مغرداً نحو انتخابات منفردة، فحدث ما لم يتوقعه احد.. لقد انقلبت الطاولة، وتناثرت الاوراق بعد مشاهدة ثورة مصر وتحذيرات خبراء امريكيين بان اليمن هي البلد القادم للاحتجاجات، وهذا ما جعل الرئيس يتخذ قرار تجميد التعديلات الدستورية، ونضع خطاً تحت كلمة تجميد.. وطالب المشترك بالعودة الى طاولة الحوار، واستبق الاحداث بعدد من الاجراءات والقرارات التي تنم عن دهاء غير عادي، لكن اوراق النظام اصبحت مكشوفه الى حد كبير، وقد اعادت وعود الرئيس تحت قبة البرلمان وتوجيهاته قبلها، اعادت الى الاذهان حالة الهستيريا التي عاشها الحاكم قبل انتخابات 2006م وخرجت صحيفة الثورة بتعهدات بمليون فرصة عمل للشباب. قبل يوم الغضب اولاً: ما يخص تعامل السلطة مع اللقاء المشترك بعد ان تأكد للنظام انه ما زال القوة الاكثر حضوراً والاقدر على تحريك الشارع خاصة في ظل غياب القوى الشبابية، ولو كانت متواجدة فأن تأثيرها ما زال ضئيلاً وهنا اضطر النظام الى استباق الاحداث عبر خطين متوازيين، احدهما يحاول الصاق التخريب والدعوة الى الفوضى باللقاء المشترك، بل ويظهر النظام متعقلاً وان الطرف الاخر هو من يركب رأسه ويرفض الحوار، ويرفض تشكيل حكومة وحدة وطنية. اعتمد النظام في هذا، بل وراهن على الذاكرة الشعبية الضعيفة ودغدغة عواطف الجماهير، وخط اخر يدعو الى الحوار ويقدم الوعود الى اصلاح الاوضاع وتحسينها ومضى النظام بكيل الوعود بالاصلاح وتحسين الاوضاع من خلال: 1- التوجيهات والقرارات لتحسين المستوى المعيشي ومحاربة البطالة، وكلها قرارات تحتاج الى تطبيق ولن يستطيع النظام تطبيقها وفق الوضع الذي يعيشه حالياً في ظل وجود مراكز قوى ونفوذ وتفشي الفساد والمحسوبية. 2- تعميم لكافة قيادات الحزب الحاكم في كافة المحافظات الى الاستماع لمطالب الشباب وحصرهم وتهدئتهم وامتصاص غضبهم من خلال الوعود بالتوظيف بل وتحذيرهم من اللقاء المشترك على وجه التحديد. - 3- اضافة الى قرارات سابقة منها اعتماد المرحلة الثالثة من استراتيجية الاجور والتي كان وزير الخدمة المدنية اعلن قبل اشهر عن استحالة تنفيذها مبرراً لعدم وجود الاموال التي صرفت على حروب صعدة وهذا كان امام مجلس النواب..! التخويف من الفوضى - الخط الثاني الذي عمل عليه النظام، هو استباق الاحداث من خلال الدعوة الرئاسية للحوار، بل وصل الامر الى ترجي الاخوة في المشترك لتحكيم صوت العقل، وهنا يجب التركيز على طريقة الخطاب الاعلامي للحاكم وكأنها دعوة الى حرب اهلية من خلال قول الرئيس (كل شخص يدافع عن نفسه)، رغم ان المشترك لم يقم بما يستدعي من الاخ الرئيس قول ذلك، بل على العكس تماماً بدا متعقلاً ومتفهماً لوضع البلاد، بل ذهب قادة المشترك الى امتصاص غضب الجماهير التي كانت تنادي بسقوط النظام، بينما فضل المشترك مطالبة الرئيس بتقديم ضمانات لتعهدات الرئيس خوفاً من الانقلاب عليها كعادته. بدا الخطاب الاعلامي للسلطة وكأنه يحرض ضد المشترك من خلال المسيرات التي دعا اليها الحاكم، والتي تنال من قادة المشترك وتتهمهم بالدعوة الى التخريب واشاعة الفوضى، وبينما كان مسلحي الحزب الحاكم يستولون على ميدان التحرير في خطوة استباقية فضل قادة المشترك ولجنة الحوار تحويل مسيرة الغضب الى مكان اخر وذلك تجنباً لحدوث صدامات.. وهنا، ترى من يدعو للتخريب؟ - ما عزز التخويف من الفوضى هو تحركات رئيس الجمهورية بعد ذلك، حيث اجتمع بمجلس الدفاع الوطني قبل وبعد (خميس الغضب)، وهذا المجلس لا يجتمع الا في ظروف استثنائية، ثم ظهور وزير الداخلية اكثر من مرة على التلفزيون، وانتشار امني مكثف في العاصمة، والقاء القبض على عدد من ناشطي المشترك، وايقاف برامج التلفزيون لبث دعوات الحوار والمبادرة الرئاسية ورفض المشترك لها. نشر وحدات من قوات الامن المركزي على مداخل العاصمة لرصد ومنع اية تحركات جماهيرية من خارج العاصمة وعدم السماح لها بالدخول الى صنعاء. حالة الاستنفار لا للمخططات الصهيونية.. ذهب الحزب الحاكم بعيداً جداً في صراعه مع قوى المعارضة، ولعل حجم المخاوف من نقل التجربة التونسية ادت بالبعض من قياداته الى تنصيب انفسهم وكأنهم مدافعين عن الانظمة العربية جمعاء من خلال بعض الشعارات واللافتات التي تم ترديدها، حيث روج ان هناك مخططاً صهيونياً لتمزيق الامة وهو الان ينفذ في مصر. ولعل ما يدعو للسخرية فعلاً، هل الصهيونية بحاجة الى نظام آخر في مصر اكثر عمالة من نظام مبارك.. ثم ما هو المبرر لأن تردد هذه الشعارات في اليمن، هل اللقاء المشترك اصبح في محل تواطؤ مع الامريكان والصهاينة..!! يبدو ان الحزب الحاكم لم يعد لديه اعلاميين وسياسيين اكفاء لا يقفزون كثيراً على الواقع، بل ولا يجيدون فن طهي الاشاعات بالاسلوب اللائق وكأنهم يتحدثون الى شعب تم استيراده من سريلانكا او جمهوريات الموز على احسن الاحوال. لجان شعبية لحماية الحارات على صعيد ذاته، ومع اختلاف المكان فقط، اعلن الحزب الحاكم استنفاره من خلال عقد الاجتماعات على كافة المستويات التنظيمية، ووصل الامر بأحد المسئولين للمطالبة بتشكيل لجان شعبية لحماية الحارات ومنع الناس من الخروج الى المظاهرات، وهذا كان قبل يوم الخميس، وهو الاقتراح الذي اثار العديد من التساؤلات من قبل العقال والمشائخ، وكأن البلاد ستدخل في حرب..! اما المضحك فعلاً فهو توزيع منشورات ضد اللقاء المشترك تتحدث عن كيفية انقلابه على الحوار وتعمده اثاره الفوضى، وكأن الجميع لا يعرفون كيف كانت جولات الحوار تعقد ومن كان يوقفها، واذا كان ذلك لا يعرفه قيادات الحاكم واعضاءه، فان هناك شريحة واسعة اصبحت تتمتع بوعي كبير ولم يعد ينطلي عليها ما يكتب او ينشر في اوقات عصيبة يمر بها النظام.. هناك قيادات عليا ووسطية في الحزب الحاكم تعمل على تصعيد الموضوع وخلق ازمات غير مدركة ابعادها مثل اقتراح تشكيل لجان شعبية رغم ان البلاد لم تصل الى تلك الحالة التي وصلت اليها مصر، ولا يقرأ هذا الاقتراح الا ان جناحاً في الحزب الحاكم يريد اثارة الرعب والفزع بين العامة، لكن العقلاء داخل الحزب نفسه احبطوا هذا الاقتراح بعد استهجانهم له، ومع ذلك لا يستبعد ان يتم الاعلان عن تشكيل تلك اللجان خلال الايام القادمة لأن المخرب غلب الف عمار كما يقال. تحذير اصحاب المحلات وفي نتيجة طبيعية لحجم التهويل الاعلامي الذي اثارته السلطة وحزبها الحاكم، قامت الكثير من المراكز التجارية بأخذ احتياطاتها تخوفاً من اي عمليات تخريب ونهب، وفضل الكثير من التجار اغلاق محلاتهم صباح الخميس الماضي (خميس الغضب) ومنهم من وضع حراسة عليها، بل ان المراكز الكبرى بنت خرسانات على ابوابها. سيارات الجيش بالمكبرات سيارات الجيش التي حملت اعلام الحاكم وصور الرئيس وبمكبرات الصوت راحت تحذر من الاشتراك في تظاهرات التخريب (المشترك)، وقام مجموعة من الشباب المأجورين بتتبع ملصقات المشترك وتمزيقها بل وتهديد الكثير بالقتل. ولعل الشيء المؤسف هو تدخل اقسام الشرطة التي القت القبض على العديد من شباب المشترك، وتبنت حملة تخويف ضد من اسمتهم مثيري الشغب، ومع كل ذلك إلا ان تعامل قواعد المشترك كانت حضارية مع الجميع ولم تنجر الى احداث اي مصادمات رغم الاستفزاز الذي تعرض له من كان يدعو للتظاهر ضد الفساد. مسلحون بميدان التحرير في خطوة استباقية قامت مجموعة من الحزب الحاكم بالتوجه لميدان التحرير، وكان هذا تخوفاً من ان يتحول الميدان الى مكان للاعتصام المفتوح كما يحدث في مصر، ومع ذلك اتخذ قادة المشترك قراراً بتغيير مكان الفعالية وفي ساعات متأخرة الى امام الجامعة تفويتاً لأي محاولة لاحداث اي فتنة بين الفريقين. احذروا الجزيرة وسهيل اما عقال الحارات والمشائخ والشخصيات الاجتماعية فقد اخذت على عاتقها القيام بزيارة المواطنين وتحذيرهم من المشاركة في مظاهرات الخميس التي دعا اليها اللقاء المشترك، بل وصل الامر ببعض المسئولين الى التوجيه بعدم الاستماع الى قناة سهيل او الجزيرة التي كما يقولون تعمل على تنفيذ مخطط صهيوني بدأ في مصر وسيتمدد لليمن، لكن وان كان البسطاء يبدون تجاوباً مع زيارات المشائخ والعقال ورجال الحاكم إلا ان الشباب كانوا يتعاملون مع مثل هذه الامور باستخفاف كبير. والشيء المثير للضحك فعلاً هو قيام البعض بتوزيع منشورات مسيئة لقيادات المشترك ولجنة الحوار الوطني، ناهيك عن حجم الشائعات التي كان للشيخ حميد الاحمر الامين العام للجنة الحوار الوطني النصيب الاكبر فيها، في محاولة لتشويه صورته بعد ان ابدى موقفاً متقدماَ ضد السلطة وكشف الكثير من الاوراق الخفية. نقلا عن صحيفة ايلاف