يشعر الحكام العرب بحرج شديد جراء ما حصل في تونس ويحدث حالياً في مصر، اذ لم يكن يتوقع احد ان يرحل النظام التونسي عن الحكم بتلك الطريقة التي تابعها الملايين على شاشات الفضائيات. وفي غمرة تصاعد الاحتجاجات الشعبية في تونس، لم يتوقع احد ايضاً ان يرحل النظام بتلك السرعة وهو الذي عرف بالقمع ووصف بالبوليسية المفرطة ولم تشهد بلاده اي اضطرابات امنية كتلك التي تتناقلها وسائل الاعلام المختلفة في بقية البلدان العربية وخاصة اليمن. شاكر احمد خالد [email protected] وحتى مع تحليلات المراقبين وتحذيراتهم من انتقال عدوى احتجاجات الشارع التونسي الى بعض البلدان العربية ومنها اليمن ومصر والاردن، الا ان الشارع المصري فاجأ هؤلاء بانفجاره السريع والمستميت في مطالبته برحيل نظام حسني مبارك. وقبل انفجار الشارع المصري، كان رئيس الجمهورية يخاطب مناوئية ومعارضيه بعبارة اليمن ليس تونس، وهو الخطاب الذي التزم فيه بعدم تأبيد منصب الرئاسة، وقدم من خلاله اشارات غير واضحة عن التمديد او التوريث، قائلاً انه لا صحة للحديث عن (قلع العداد) وان البرنامج الذي التزمت به بالنسبة لعدد فترات الرئاسة هو خمس سنوات ولدورتين فقط. والى جانب توجيهاته بزيادة رواتب الموظفين والعسكريين واستيعاب خريجي الجامعات والتوسع في شبكة الضمان الاجتماعي، اعتبرت هذه الاجراءات والوعود الخطابية بمثابة اول تنازلات للمعارضة السياسية او اجراءات لتهدئة الشارع اليمني فرضتها احتجاجات الشارع التونسي. وانتقلت الاحتجاجات الى الشارع المصري بصورة غير مسبوقة، الامر الذي يصعب معه القول بأن اليمن لا تشبه مصر وثمة من يتحدث عن حالة متطابقة النسخة حتى في القوانين والدساتير وتعديلاتها وفي انظمة الحكم المتبعة، كما في التراجعات او التنازلات الاخيرة ان صح التعبير. ولذلك، كان الجميع يترقب مفاجأة من العيار الثقيل يوم الاربعاء الماضي بعد دعوة الرئيس مجلسي النواب والشورى لاجتماع استثنائي قبيل يوم من بدء مهرجانات حاشدة في عموم المحافظات دعت لها احزاب المشترك وشركاؤها، غير ان اقصى ما افصح عنه الخطاب الرئاسي امام النواب والشورى هو الاعلان عن صراحة عن عدم السعي لتمديد فترة الرئاسة الحالية التي تنتهي في عام 2013، كما تعهده بعدم توريث الحكم لابنه واضعاً نصب عينية الاحتجاجات المصرية المتصاعدة. ولم يفوت الرئيس فرصة اخرى لاقتناص حالة التشابة بين القاهرةوصنعاء بعد خروج الرئيس المصري بخطاب اخير تعهد فيه بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة. ودعا الرئيس ايضاً اللجنة الرباعية المشكلة من الدكتور ياسين سعيد نعمان وعبدالوهاب الانسي والدكتور عبدالكريم الارياني وعبدربه منصور هادي الى استئناف اعمالها بعد ان اوقف عملها في وقت سابق، واعتبر بأن نتائجها تمثل رؤية المشترك وانه سيتم عرضها على اللجنة العامة لحزبه الحاكم الذي قرر في وقت لاحق فشل الحوار على اساس ما توصلت اليه هذه اللجنة التي صارت تعرف ب (لجنة الاربعة). واعلن عن تجميد التعديلات الدستورية المثيرة للجدل وفتح السجل الانتخابي لمن بلغوا السن القانونية، وهي ضمن مطالب اخرى للمعارضة التي رفضت السير الى الانتخابات النيابية المقبلة قبل تنفيذ اتفاق فبراير 2009م والذي يتبين من بنوده الثلاثة صعوبة اجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد في 27 ابريل المقبل. والفارق ان المعارضة تحمل السلطة سبب التلاعب بالوقت ومراكمة الاحتقانات وعدم الاستجابة لتنفيذ الاصلاحات الحقيقية، كما في محاولتها جرجرة المعارضة الى الدخول في انتخابات وفق شروطها وعادتها القديمة الدخول في الانتخابات اولاً ثم الحوار على قضايا الاصلاحات الجادة. تحالف استراتيجي ابدى الرئيس ثقته بقبول المعارضة لمبادرته الاخيرة. وبحسب مصادر موقع (نيوز يمن) فان الرئيس التقى قيادات كبيرة في حزب الاصلاح بحضور القائد العسكري علي محسن الاحمر قبل الاعلان عن هذه التعهدات، فيما لم تعرف حقيقة ذلك وان كان بهدف احداث انشقاق في صفوف المشترك. لكن مصادر في حزب الاصلاح اعتبرت ذلك مجرد تسريبات هدفها التشويش على مواقف احزاب المشترك. وقال الامين المساعد للحزب الدكتور محمد السعدي في اشارة الى ذلك بان الشعب اليمني سائر في التغيير وان الاصلاح لن يترك حلفاءه لان التحالف بينهم استراتيجي، وان اهداف اللقاء المشترك ومواقفه الموحدة لا يمكن لأي طرف من اطراف اللقاء المشترك ان يتم تضليله من قبل الحزب الحاكم عبر تلك المحاولات البائسة. وبرغم مطالبة الرئيس احزاب المعارضة بتجميد المظاهرات والمسيرات وعودة الحوار، لكن المشترك اعتبر ان اخطر ما تضمنه خطابه امام النواب والشورى هو الدعوة الضمنية الى الحرب الاهلية، وذلك بسبب مطالبته المواطنين بالدفاع عن انفسهم واعراضهم في حال تم الاعتداء عليهم من قبل من اسماهم بالغوغاء. وقال الناطق الرسمي للمشترك ان الخطاب لم يأت بجديد، فيما شككت تصريحات اخرين بمصداقيته وطالب بضمانات حقيقية لتحقيق الوعود المعلنة. وشهدت العاصمة صنعاء وعموم محافظات الجمهورية، الخميس الماضي، ما وصفت بانها اكبر تظاهرة مناوئة للنظام الحاكم ومنددة بالفساد والاستبداد. ونقلت مصادر صحفية بأن الرئيس استطلع حجم التظاهرة بنفسه من خلال تواجده داخل طائرة مروحية حلقت بشكل دائري فوق مهرجان المشترك بصنعاء. ووصف رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني محمد سالم باسندوة ما جاء في خطاب الرئيس ب (مجرد افكار لا تتسم بالوضوح ولا تنم عن وجود نوايا جادة وصادقة لاخراج البلاد من براثن الازمات)، مطالباً بتوفير الضمانات الكافية لاحترام الدستور وعدم التمديد والتوريث، ومجدداً تأكيده على ضرورة اجراء حوار وطني شامل لا يستثني احد تحت رعاية عربية واقليمية وباشراف اصدقاء اليمن، ومشدداً على ضرورة تحديد القضايا الرئيسية للحوار. اما امين عام اللجنة التحضيرية للحوار، فقد اكد بان الرئيس لم يقدم تنازلات كما ذكر في خطابه، معتبراً ان ما تراجع عنه هي اخطاء ارتكبها وعدل عنها وليست تنازلات تستدعي الوقوف امامها، وقال الشيخ حميد الاحمر حديث رئيس الجمهورية بعدم التوريث يتناقض مع وجود الورثة بمناصب قيادية في مؤسسات الجيش والأمن، ونطالب باعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والامنية واسناد رئاستها لشخصيات جنوبية، حتى يتحقق مبدأ الشراكة الوطنية، واضاف الاحمر رئيس الجمهورية تنافض في خطابه حيث قال ان حق التعبير مكفول ثم عاد ليهدد بعدم الخروج للتظاهر في الشارع. ويوم السبت الماضي، فشل مجلس النواب في عقد اولى جلساته البرلمانية نظراً لعدم اكتمال النصاب القانوني في ظل مقاطعة احزاب المشترك للجلسات احتجاجاً على انقلاب الحزب الحاكم على اتفاق فبراير وسيره في اجراء الانتخابات بشكل انفرادي. واكدت الكتل البرلمانية لاحزاب المشترك والمستقلين ان موقفها من مقاطعة اعمال المجلس سيستمر حتى يتم الغاء كافة الاجراءات الاحادية، معتذرة في بلاغ صحفي صادر عنها تنفيذ ذلك معياراً حقيقياً لمصداقية ما ورد في خطاب الرئيس. وعلقت الكاتبة راغدة درغام في صحيفة الحياة اللندنية على خطاب الرئيس، قائلة(رئيس اليمن علي عبدالله صالح بدأ يشعر بأن (ثورة الياسمين) اتيه عليه، ولذلك اتخذ اجراءات افادت بانه تخلى عن فكرة توريث الحكم لابنه). وتابعت القول لو فعل ذلك قبل اندلاع عدوى الثورة في المنطقة العربية، لكان نجا، انما الآن، فمثل هذه التعهدات للقادة العرب لن تكون كافية، فالمطلوب اصلاحات جذرية على نسق تعديلات دستورية تتبع حل حكومات وبرلمانات مع وضع قوانين انتخابات جدية تضمن مشاركة الجميع، بضمانات صارمة على التناوب. ووصفت وكالة رويترز للانباء تعهداته امام النواب والشورى ب اجراء مناورة من جانب صالح حتى الان للحيلولة دون نشوب اضطرابات في اليمن. وقال محللون ان تعهد الرئيس قد يكون وسيلة حقيقية للخروج بشكل لائق لكنه ايضاً ربما يكون يأمل في الانتظار حتى يهدأ التوتر الاقليمي ويفرض سيطرته مرة اخرى. واوضحت وكالة الصحافة الفرنسية بان مهرجانات الخميس الماضي طالبت بتنحي حليف رئيسي اخر للاميركيين في الشرق الاوسط بعد الرئيس المصري حسني مبارك الذي يحكم منذ ثلاثة عقود. واضافت تقول كما في مصر، على الولاياتالمتحدة التوفيق بين معطيين غير منسجمين في المبدأ هما استقرار سياسي يضمن مصالحها واحترام مبادئ الديمقراطية خشية قيام نظام سيكون مناوئاً لها في المستقبل. واشنطن تدعو لتجنب الاستفزازات ودعت السفارة الامريكيةبصنعاء المعارضة الى تفادي الانشطة الاستفزازية والرد بايجابية على مبادرة الرئيس صالح لحل الخلافات عن طريق الحوار والتفاوض. وجاء في موقع السفارة على الانترنت ندعو كل الاطراف الى مواصلة الحوار الوطني والعودة الى مائدة المفاوضات للتوصل لاتفاق سيكون محل ترحيب من الشعب اليمني وفي صالحه. وقالت السفارة الامريكية نحن مستمرون في حث المنظمات الامنية اليمنية والمتظاهرين على الاحجام عن العنف وان تحترم الحكومة حق مواطنيها في حرية التجمع بشكل سلمي وحرية التعبير. وحث الرئيس الامريكي باراك اوباما الرئيس اليمني بمكالمة هاتفية على اتباع تعهداته بالاصلاح باعمال ملموسة، وقال اوباما انه من الواجب ان يتخذ اليمن اجراء قوياً ضد القاعدة في جزيرة العرب. وبحسب بيان للبيت الابيض فان اوباما اتصل بالرئيس الاربعاء للاشادة بالاصلاحات المهمة التي اعلنها في اليوم نفسه ويطلب منه الايفاء بوعوده وهو يتخذ الاجراءات الملموسة. كما طلب وفقاً للبيان ان تلتزم قوات الامن اليمنية ضبط النفس وان تمتنع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين الذين يمارسون حقهم في التجمع وحرية التعبير. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية فيليب كراولي نرحب بكل القرارات التي اتخذها الرئيس صالح والتي من شأنها ان تحقق تقدماً سياسياً في اليمن بسبل غير عنفية وديموقراطية. واضاف كراولي انها تصريحات ايجابية. كما شهدنا في مصر.. من المهم ان تقرن حكومات المنطقة اقوالها بافعال وان تجري اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية. واعتبر حزب رابطة ابناء اليمن رأي المبادرة الرئاسية بانها بعيدة كل البعد عن ملامسة جذور الازمات المركبة في البلاد. موضحاً في بلاغ صحفي ان المبادرة جاءت لتستدعي من جديد اتفاق فبراير 2009م غير الدستوري ولتشكل تمديداً له، وشكلت ايضاً تواصلاً للتعاطي مع مظاهر الازمة ونتائجها. من خلال الحديث عن ادوات واليات ومساوات انتخابية، نجزم انها لا تقود إلا إلى مزيد من التأزيم والاحباط واليأس من اي توجه جدي لمعالجة جذور الازمات. نقلا عن صحيفة الناس