لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص ودوي انفجارات المدافع في مساءات صنعاء التي باتت مغرقة بالخوف والجزع والترقب للحظة الانفجار الكبيرة . التوجس من شبح حرب أهلية وشيكة دفع البعض إلى تحمل كلفة خيارات طارئة من قبيل التوجه بعائلاتهم إلى القرى البعيدة والقريبة، فيما لم يعدم السواد الأعظم من السكان أسبابهم الخاصة والاضطرارية للتمترس خلف النوافذ والتحديق في الظلام صوب فضاءات صاخبة بلعلعات الرصاص الحي وانفجارات صواريخ الهوزر وقذائف ال"آر .بي .جي" . أحمد عبدالرحمن السيد أحد هؤلاء، فهو موظف حكومي في الخمسينات من العمر ويقطن منزلاً بالإيجار في عمارة سكنية بحي سنهوب المجاور لكل من محيط قصر الشيخ الأحمر والحدود الغربية لمعسكر فرقة اللواء الأول مدرع . الموظف البسيط الذي التقته “الخليج" بدا أكثر توجساً وحنقاً وغضباً تجاه كل ما يحدث في شمال العاصمة وتحديداً منذ اللحظة التي فاجأته فيها زوجته بثلاث رصاصات عثرت عليها في غرفة طفلتيهما اللتين لا يتجاوز عمر أكبرهما الست سنوات . يقول أحمد: “لقد اخترقت الرصاصات نافذة الغرفة لتصطدم في الجدار المقابل وتسقط على الأرضية، وحين أتصور أن إحدى هذه الرصاصات أو كلها كان يمكن أن لا تصطدم بالجدار، بل بجسد إحدى ابنتي أو كلتيهما افقد قدرتي على كظم غيظي، وأود لو كان بإمكاني أن اقتلع قصر الشيخ الأحمر ومعسكر اللواء الأول مدرع بيدي واقذف بهما إلى قعر بئر واطمرهما بالرمل ربما هدأت نفسيتي ومخاوفي، أين اذهب بأولادي وزوجتي والخروج من صنعاء أصبح مجازفة كالبقاء داخلها" . الحاجة آمنة، مسنة في الستينات، كانت على موعد مساء الأحد المنصرم مع المصير الأسوأ، رصاصة طائشة انطلقت من بندقية أحد المقاتلين في معارك الحصبة الضارية لتعبر الأجواء باتجاه تجمع سكني مجاور لمستشفى “كزم" التخصصي وتستقر في رأس المرأة المسنة التي كانت للتو قد فرغت من أداء صلاة الوتر . النجل الأكبر للعجوز المغدورة حامد المطري روى ل"الخليج" ملابسات مصرع والدته المسنة بالقول “لم أرها طوال النهار لأنني كنت خارج المنزل، وحين عدت في وقت متأخر بعد منتصف الليل لمحت ضوءاً في غرفتها فأحببت أن أمسي عليها وأقبل يديها ورأسها كما تعودت كل ليلة قبل دخولي إلى غرفتي للنوم بين أطفالي، وحين فتحت الباب وجدتها مكومة على الأرض فسارعت إلى احتضانها ورفعها إلى السرير المقابل لأصدم بوجود دماء غزيرة تغطي مقرمتها (رباط نسائي للرأس)، وحين أزحت “المقرمة" تسمر جسمي وأنا أرى ثقباً في الجانب الأيمن من رأس أمي والدماء تتدفق منه، حتى الدموع جفت في عيني، ولم استطع حتى أن اصرخ ليهرع إلى الغرفة أشقائي وزوجتي، فقط أغمضت عيني وأنا في حالة صدمة، لقد قتلت أمي رصاصة طائشة، ولا يهمني من أطلقها فغريماي الرئيسيان هما صادق الأحمر وعلي عبدالله صالح" . رصاصة طائشة أخرى أخطأت وجهتها لتستقر في رأس “عنزة" تملكها الحاجة فاطمة النهمي (60 عاماً)، التي تقطن وعنزتها المغدورة منزلاً متهالكاً في حي مسجد النصر بمنطقة “الحصبة" . وقالت ل"الخليج" “حتى “العنزة" لم تسلم من القتل، فما بالك بالأوادم، ما عاد يشتي علي عبدالله صالح للمه (لماذا) ما يروح له ويسكه “يريح" الناس من أذيته .