قمة روما ويوفنتوس تشعل الصراع الأوروبي    أول تعليق من رونالدو بعد التأهل لنهائي كأس الملك    جامعة صنعاء تثير السخرية بعد إعلانها إستقبال طلاب الجامعات الأمريكية مجانا (وثيقة)    اليوم الإجتماع الفني لأندية الدرجة الثالثة لكرة القدم بساحل حضرموت    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انهيار سريع وجديد للريال اليمني أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف الآن)    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    وفي هوازن قوم غير أن بهم**داء اليماني اذا لم يغدروا خانوا    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    غارسيا يتحدث عن مستقبله    احتجاجات "كهربائية" تُشعل نار الغضب في خورمكسر عدن: أهالي الحي يقطعون الطريق أمام المطار    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    الحوثيون يعلنون استعدادهم لدعم إيران في حرب إقليمية: تصعيد التوتر في المنطقة بعد هجمات على السفن    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يحسم معركة الذهاب    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    الرئيس الزُبيدي يعزي رئيس الإمارات بوفاة عمه    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    عن حركة التاريخ وعمر الحضارات    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    بعد شهر من اختطافه.. مليشيا الحوثي تصفي مواطن وترمي جثته للشارع بالحديدة    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انعدام التوازن بين الدول
نشر في يمنات يوم 12 - 12 - 2011

تختلف الدول عن بعضها البعض من حيث عناصر القوة التي تملكها. وإذا كان من الصعب إجراء تقييم دقيق للعناصر المادية التي تساهم في تكوين قوة الدولة بالمقارنة مع دولة أو دولة أخرى، فإنه يمكن التأكيد على أن قوة الدولة لا ترتكز على عامل واحد فقط، فالاتساع الجغرافي مثلا لا يمكن الادعاء بأنه يشكل العنصر الحاسم في قوة الدولة، وإن كان عدد السكان أو التطور الاقتصادي والتكنولوجي أو غير ذلك من عوامل القوة فلا يمكن اعتبار أي منها الأساسي الوحيد لقوة الدولة.
فالواقع أن قوة الدولة لا تنبني على عامل واحد فقط وإنما ترتكز على عوامل متنوعة، منها ما هو طبيعي ومنها ما هو مكتسب. وهناك أيضا ما يسمى بالعناصر المكتسبة والتي تشكل عناصر القوة للدولة والتي تزيد وتنقص تبعا لمستوى التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، ودرجة الاستعداد العسكري، وكفاءة القيادة السياسية، والروح المعنوية، فهذه العناصر تساهم في تكوين قوة الدولة بشكل مباشر ومؤثر.
1- مستوى التقدم الاقتصادي والتكنولوجي : ويمكن التمييز بين ثلاث عناصر أساسية تبرز دول العالم الاقتصادي كعامل من عوامل القوة في المجال الدولي، وهذه العناصر هي التقدم الصناعي ومدى التطور التكنولوجي والمصالح الاقتصادية، وامتلاك الدولة للموارد الطبيعية لا يعتبر في حد ذاته مصدرا من مصادر القوة مالم تكن تملك إلى جانب ذلك الوسائل الكافية لاستعمال هذه الموارد في الأهداف العسكرية والصناعية ولذلك فإن التقدم الصناعي الذي تعكسه الطاقة الإنتاجية والآلات الحديثة وخبرة العمال ومهارة المهندسين والعبقرية الابتكارية، وحسن الإدارة هو من العوامل الهامة التي تؤدى بدون شك إلى التأثير في الشؤون الدولية. ومن الملاحظ أن أي تغيير في درجة التقدم الصناعي كان مصحوبا في العادة بتبدل ميزان القوة، فقد ظلت بريطانيا أقوى دولة في العالم طيلة المدة التي لم يوجد فيها من ينافسها كدولة صناعية، كما أن تدهور مركز فرنسا كدولة عظمى بالنسبة إلى ألمانيا تزامن مع تأخر فرنسا وتفوق ألمانيا صناعيا بحيث أصبحت هذه الأخيرة الدولة الصناعية الأولى في القارة الأوروبية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وعندما يقال اليوم بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي أقوى دولة في العالم فإن المقصود بذلك هي الدولة الصناعية الأمريكية، وليس هناك أدنى شك أن تفوق الولايات المتحدة واحتكارها للأسلحة النووية في السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية كان ثمرة لتفوقها الصناعي، وإن كان الاتحاد السوفياتي استطاع أن يبرزها في بعض الميادين كميدان الفضاء، ويحقق توازنا إستراتيجيا منذ نهاية الخمسينات فإن كفة التقدم الصناعي مازالت ترجح كفة الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة مع روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي. ويمكن القول بأن التقدم الصناعي تختلف درجته من دولة إلى أخرى، ولكن التقدم الصناعي والتحسن الكبير لوسائل الإنتاج الذي حصل في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان، أدى إلى تفاوت بين الدول وانقسام العالم إلى دول صناعية متقدمة تحظى بالرفاهية ودول تعاني من التخلف الاقتصادي، ولذلك فإن الأمل معقود على تصنيع دول العالم الثالث المتخلفة للقضاء على هذا التخلف الناتج عن تخصيص المركز المتقدم في الإنتاج الصناعي والإنتاج الصناعي الأكثر تطورا، وتخصيص الأطراف أو المحيط في الإنتاج الأولي والإنتاج الصناعي الهامشي. ومؤدى ذلك أن جوهر التقدم الصناعي يتمثل في إقامة الصناعات التحويلية، لا الصناعات الاستفراضية وحدها، والمقصود بالصناعات التحويلية الصناعة التي تنصب على تحويل المواد الخام والمواد الأولية إلى سلع مصنعة ونصف مصنعة، بينما تنصب الصناعات الاستخراجية على استخراج المواد الخام، ومعنى ذلك أن التقدم الصناعي يعني قيام قطاع تحويلي هام متقدم تقنيا بحيث يصبح هو القطاع القائد في الهيكل الاقتصادي المحلي، ويصير الاقتصاد الوطني كله بالنتيجة اقتصادا صناعيا وهذا ما ينطبق على أوربا والولايات المتحدة واليابان والاتحاد الروسي.
والواقع أن هناك علاقة بين التقدم الصناعي والتكنولوجي، فالدول المتقدمة صناعيا هي في ذات الوقت دول متقدمة تكنولوجيا ،وعلى العكس من ذلك فالدول المتخلفة صناعيا هي دول متخلفة تكنولوجيا. التقدم الصناعي والتكنولوجي يتجلى في مستوى النمو الذي وصلت إليه الدولة من حيث الصناعة والكفاية الاقتصادية والتنظيم، فمهما توافرت الموارد الطبيعية والمادية فإن هذه الموارد تظل من قبل الإمكانيات المعطلة أو المهدورة إذا لم يتم استغلالها بكفاءة من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية، ويمكن من واقع المقارنات بين الدول الصناعية والدول التي لازالت تحارب التخلف الاقتصادي والاجتماعي، تلمُس الفارق في مستوى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها كل من هاتين الفئتين من الدول، فحينما يرتفع حجم الدخل القومي ومتوسط الدخل الفردي، وتتسع قاعدة الإنتاج وتزداد معدلات الاستهلاك عند الفئة الأولى، فإنه يلاحظ بالنسبة للفئة الثانية هبوط الدخل القومي وانخفاض مستوى المعيشة وتزايد الاعتماد الاقتصادي على الخارج وليس من قبيل الصدفة أن نجد أقوى دول العالم اليوم هي أقواها اقتصاديا وأرقاها في مستويات التطور الإنتاجي والتكنولوجي.
وفي تاريخ العلاقات الدولية أمثلة عديدة للمنازعات والصراعات التي حدثت بسبب المصالح الاقتصادية، ويدخل في هذا الإطار الصراع الذي أعقب الثورة الصناعية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر من أجل التحكم في المواد الأولية والسيطرة على منافذ التجارة الدولية، أو الحصول على الأسواق اللازمة لتصدير المنتوجات المختلفة. لقد أدت الحاجة إلى أسواق جديدة بسبب الإنتاج المتعاظم للمصانع الكبيرة، إلى تزايد التنافس الاستعماري، ونتيجة لذلك اشتد الصراع من أجل السيطرة على إفريقيا وآسيا وأوربا. فإنها إلى جانب ذلك تتميز بوجود مخزونات ضخمة من البترول. كما أنها من الأسواق الكبرى لاستهلاك سلع ومنتجات الدول الصناعية وخاصة الأسلحة، فقد تضاعفت قيمة الأسلحة المستوردة من قبل الدول العربية في الشرق الأوسط من سنة 1973 إلى سنة 1976، كما أن ثلاث دول بترولية هي السعودية والعراق وإيران استوردت سنة 1979 ما يعادل 64% من واردات السلاح. وكل ذلك يعني أن المصالح الاقتصادية جعلت الدول الكبرى تتنافس من أجل الحصول على امتيازات ومكاسب في هذه المنطقة، وكان ذلك السبب الذي دفع ببريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا إلى اتباع ما سمي بدبلوماسية البترول في الشرق العربي، أي إقامة مناطق النفوذ التي تمكنها من الوصول وحدها إلى مخزونات البترول في هذه المنطقة، والملاحظ أن هناك ارتباطا تاريخيا بين المصالح الاقتصادية للدولة ومصالح الرعايا التابعين لها.
هذا الارتباط كان نتيجة منطقية للأخذ بمفهوم الدولة الليبرالية التي لم يكن لها مصالح مباشرة في الخارج غير مصالح رعاياها، وكانت وظائفها تقتصر على الدفاع الوطني والأمن الداخلي والقضاء والتمثيل الدبلوماسي مع ترك النشاطات الأخرى للمبادرة الفردية وعدم التدخل في العلاقات بين الأفراد والاكتفاء بدور الحكم. لذلك كان من الطبيعي أن يقوم الاتفاق والتلاقي بين مصالح الخواص والمصالح الحيوية للدول، فالقوة الاقتصادية للدول في الخارج تدعم نفوذها السياسي، وعلى أساس هذه الوحدة بين مصالح الدولة ومصالح الخواص التابعين لها، سيطرت الدول الأوروبية والولايات المتحدة على النشاط الاقتصادي في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خلال القرن الماضي واتبعت حكومات هذه الدول أسلوبين لتدعيم قوتها الاقتصادية في الخارج وهما أسلوب التغلغل الاقتصادي وأسلوب الضغط العسكري، في الوقت الحاضر يمكن القول بأن المصالح الاقتصادية للدول الغربية لها ثلاث مجالات رئيسية في الاستثمارات والتجارة والمواد الأولية، فما من شك في أن ضخامة الاستثمارات الغربية في دول العالم الثالث تجعل مصلحة الدول الغربية في المحافظة على هذه الاستثمارات وضمان مردوديتها.
ومن حيث التجارة فمن مصلحة هذه الدول المحافظة على الأسواق وعلى طرق الوصول إليها وربما أنها تزود بنسب متزايدة من المواد الدولية، فمن المهم اقتصاديا إستراتيجيا لها أن تستمر هذه المواد في تغذية الأسواق الغربية مع حد أدنى من التقلبات سواء في الأسعار أو الكميات. لكنه لا يمكن إغفال عامل مهم يؤثر على المصالح الاقتصادية للدول العربية في العالم الثالث وهو أثر الصراعات الداخلية المسلحة، على هذه المصالح فعند تصعيد العنف المسلح تصبح التكاليف الاقتصادية أكثر ارتفاعا وتصبح الاستثمارات والأموال الغربية مهددة مباشرة، فالاقتصاد الذي تضر به الحرب يصبح غير مربح كما في الماضي وعبء الحرب يثقل اقتصاد الدولة ويكون له أثر سيء وضار على الصادرات الغربية لاسيما إذا لم تستطع الدول الغربية بيع الأسلحة للدولة التي يوجد فيها ذلك الصراع العنيف لكن الآثار تكون أخطر وأسوأ فيما يتعلق بإمدادات المواد الأولوية إذا كانت هذه الإمدادات غير منتظمة وغير متحكم فيها فإن ذلك سيحدث أثار اقتصادية وسياسية ضارة بالنسبة للغرب ومنها ارتفاع الأسعار، وهذا ما يفسر قيام معظم الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة بإرسال أساطيلها الحربية إلى منطقة الخليج سنة 1987 نتيجة لتصعيد حرب الناقلات من جهة وزرع الأنغام في مياه الخليج من جهة أخرى ومشاركتها في حرب الخليج ضد العراق في يناير 1991.
أما بالنسبة للمصالح الاقتصادية لدول العالم الثالث فيمكن القول بأن هذه الدول رغبة منها في الحصول على منافع أكبر تلجأ إلى إتباع سياسات مشتركة في مجال إنتاج وتسويق المواد الأولية وذلك عن طريق التكتلات الاقتصادية مثل منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك، التي تسمح لها بالدفاع عن مصالحها المشتركة وتنسيق مواقفها ويمكن اعتبار الأوبك من أهم التكتلات الاقتصادية للدول النامية وأكثرها دفاعا عن مصالح هذه الدول منذ منتصب السبعينات، كما أنها من أكثر القنوات تأثيرا ونفوذا لدى الدول الصناعية.
الواقع أن المصالح الاقتصادية للدول كثيرا ما تنعكس على مواقفها السياسية وتعاملها الدولي وتدفعها بالتالي إلى تمتين روابط التعاون الاقتصادي المشترك فيما بينها ويتجلى ذلك بصورة أوضح في التعاون الاقتصادي المشترك بين الدول الأوروبية، فالرغبة هي عقوبة التعاون بين الدول الأوروبية التي تربطها مصالح متبادلة هي التي شجعتها على إقامة تكتلات اقتصادية بين دول أوروبا الشرقية سابقا والسوق المشتركة بين دول أوروبا الغربية، وإلى جانب عامل الاقتصادي توجد عوامل أخرى مكتسبة من أهمها درجة الاستعداد العسكري والتي تفرق بين قوة الدول إلى جانب الروح المعنوية.
2- جاهزية الاستعداد العسكري:
يمثل الاستعداد العسكري المظهر الرئيسي للقوة في المجال الدولي فمن البديهي أن تكون أقوى الدول هي أقواها من الناحية العسكرية وهذا ما يجعل الولايات المتحدة وروسيا القوتين الرئيسيتين في العالم بحيث أن التوازن الإستراتيجي يقتصر عليهما ولا يمكن للدول الأخرى ولو كانت مجتمعة أو تعادل من حيث القوة العسكرية ما تمتلكه إحداهما من هذه القوة وهذا ما يؤكد أن الاستعداد العسكري يضفي الأهمية الفعلية على عوامل القوة الأخرى وبالتالي يكون أساسيا وضروريا لدعم وتنفيذ الدولة لسياستها الخارجية، وتتجلى درجة الاستعداد العسكري في تقنية الحرب والقيادة ونوعية وضم القوات المسلحة فالتفاوت في تقنية الحرب جعل الدول الاستعمارية في أوروبا تفوق على البلاد الأخرى في إفريقيا وأسيا وتسيطر على العالم الجديد في النصف الغربي من الكرة الأرضية ذلك أن إدخال سلاح الإشارة والمدفعية على أسلحة الحرب التقليدية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر أدى إلى تحول ضخم في توزيع القوة لفائدة الدول الأوروبية التي تمتلك هذه الأسلحة الجديدة قبل غيرها. وقد شهد القرن العشرون ابتكارات جديدة في تقنية الحرب، وأعطت ميزة مؤقتة للجانب الذي استخدمها قبل خصمه أو قبل أن يتمكن هذا الخصم من وقاية نفسها منها. وكانت الغواصة هي الابتكار الأول في الحرب العالمية الأولى إذ استخدمتها ألمانيا ضد السفن البريطانية، وظهرت في وقت ما كافية لتقرير نتيجة الحرب لصالح ألمانيا إلى أن وجدت بريطانيا في نظام القوافل، الرد على هذا التهديد الشديد الخطورة وكانت الدبابة السلاح المبتكر الثاني إذ استخدمتها بريطانيا بأعداد كبيرة ومركزة ضد ألمانيا التي لم تعرفها إلا في المرحلة النهائية في الحرب العالمية الأولى، ولاشك أن الدبابة كانت عامل من عوامل انتصار الحلفاء في هذه الحرب وكان الابتكار الثالث هو التنسيق والتعاون بين القوات الجوية والبرية والبحرية مما أسهم إلى حد كبير فيما حققته ألمانيا واليابان من تفوق في المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثانية، وقد أخذت الهزائم الذريعة التي ألحقها اليابانيون بالأمريكان والبريطانيين والهولنديين برا وبحرا في 1941 و1942 أهمية تفوق اليابان في تقنية الحرب وأساليبها وإلى جانب ذلك ظهر في الحرب العالمية الثانية، إبتكار جديد في تقنية الحرب أثر في مجرى الحرب وهو استخدام المطارات العائمة المنتقلة المتمثلة في حاملات الطائرات من قبل الولايات المتحدة واليابان.
ولكن أهم ابتكارات تقنية الحرب تتمثل في إنتاج واستخدام السلاح النووي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. بل إن احتكارات الولايات المتحدة للسلاح النووي ببضعة أعوام بعد الحرب العالمية الثانية منحها ميزة تقنية ضخمة في مجال القوة العسكرية ولم يتبدل هذا الوضع إلا في نهاية الخمسينات حينما بدا واضحا أن الاتحاد السوفياتي حقق توازنا إستراتيجيا في الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة وأصبح في إمكانه إصابة الأهداف الأمريكية بواسطة الصواريخ العابرة للقارات.
والواقع أن ظهور تقنية الحرب النووية كان بداية لجيل جديد من الابتكارات العسكرية التي لم تعد تقتصر على الحرب في الأرض وفي أعماق البحار والمحيطات وإنما أصبحت تتعدى ذلك إلى الفضاء الخارجي بسبب اختراع الأسلحة الفضائية والإشعاعية التي قد لا يستدعي استخدامها سوى بعض ثوان ومؤدى ذلك كله أن الدول المتقدمة تكنولوجيا من الناحية العسكرية تستطيع أن تحرز ميزات حاسمة على أعدائها الذين لم يحرزوا مثل هذا التقدم التكنولوجي رغم قدرتهم على حشد قوات ضخمة غير مدعمة بأساليب الحرب الحديثة، وهذا ما تجلى واضحا في حرب المالوين بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982 وحرب الخليج عام 1991 وحرب كوسوفو عام 1999.
وإلى جانب التقنيات الجديدة في مجال الحرب تلعب القيادة العسكرية دائما دورا حاسما في مجال القوة العسكرية فقوة بروسيا في القرن الثامن عشر كانت إلى حد كبير تشكل انعكاسا للعبقرية العسكرية التي امتاز بها فريدريك الأكبر ولكن فن الحرب تبدل تبدلا كبيرا بعد موت فريدريك الأكبر عام 1786 عندما استطاع نابليون في معركة فيينا عام 1806 تحطيم الجيش البروسي الذي كان من ناحية مستواه العسكري وقوته معادلا تماما لما كان عليه قبل عشرين عاما ذلك أن قادة الجيش البروس أصبحوا يفتقرون إلى العبقرية العسكرية التي امتازوا بها في معارك فريدريك الأكبر في أوربا بأسرها، إذ انتقلت هذه العبقرية إلى الجانب الآخر ممثلة في نابليون الذي طبق أفكاره الجديدة في فن القيادة التي قررت دون شك مصير المعركة لفائدة فرنسا وقد أصبحت نفسية خط ماجينوا التي سيطرت على القيادة العليا الفرنسية في فترة ما بين الحربين العالميتين مثالا للتفكير العسكري الخاطئ، ففي الوقت الذي مالت فيه اتجاهات التقنية الحديثة نحو حرب الحركة السريعة واستعمال الآليات في النقل والمواصلات ظلت القيادة العامة الفرنسية تفكر في إطار حرب الخنادق التي سادت الحرب العالمية الأولى، أما القيادة العامة الألمانية فقد أدركت من ناحية أخرى المزايا العسكرية للحرب الآلية لذلك وضعت خططها على أساس حركية لم يسبق لها مثال وقد أدى التصادم بين هذين المفهومين وليس في معركة فرنسا وحدها ولكن في معارك بولونيا والاتحاد السوفياتي أيضا إلى أن حققت حرب الصاعقة الألمانية تفوقها، كاد يصل بها إلى حد النصر النهائي لولا أن الدول المغلوبة على أمرها وجدت سندها في التقنية المتفوقة للولايات المتحدة وفي القوة البشرية الهائلة للاتحاد السوفياتي من أجل إحباط إبتكارات هتلر وإلحاق الهزيمة بجيوشه ولكن عناصر القوة في المجال العسكري لا تقتصر على الأخذ بتقنيات الحرب الحديثة وكفاءة وعبقرية القيادة العسكرية وإنما تشمل أيضا نوعية وكم القوات المسلحة، فقد يتيسر للدول الحصول على تقنيات الحرب الحديثة وقد يتفوق قادتها العسكريين في مجال فنون الحرب ولكنها مع ذلك تظل ضعيفة من الناحية العسكرية. وبالتالي من الناحية السياسية إذ لم يتوافر لها الجهاز العسكري اللازم لأداء المهام الموكولة إليه سواء من حيث الكم أو حيث الكف.
ولاشك في أن متطلبات القوة العسكرية الكافية كما وكيفا تختلف من دولة إلى أخرى لعدم وجود تجانس بين الدول من الناحية المادية فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد أو من الناحية المادية، فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد أو من الأفضل لها أن يكون لها جيشها مكونا من وحدات صغيرة عالمية التدريب والتجهيز ؟ وهل من المفيد للدولة عسكريا أن تتسلح بالأسلحة الدفاعية أو بالأسلحة الهجومية ؟ وهل يمكن الوصول بالحرب إلى نتيجة حاسمة عن طريق سلاح جديد كالمدفعية في بداية القرن الخامس عشر والغواصة والدبابة في الحرب العالمية الأولى والطائرة بالنسبة لفترة ما بين الحربين العالميتين والأسلحة النووية والفضائية بعد الحرب العالمية الثانية؟
إن الإجابة الخاطئة على مثل هذه الأسئلة أوصلت كل من بريطانيا وفرنسا إلى حافة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية التي تطلبت أساليبها التقنية العسكرية ردودا مغايرة لتلك الأسئلة وما من شك في أن الإجابة على هذه الأسئلة بصورة صحيحة أو خاطئة تؤثر تأثيرا مباشرا على قوة الدولة فحجم القوات المسلحة وحده لا يكفي وإنما يلزم أيضا التركيز على الجوانب الكافية في إعداد القوات وتجهيزها للقيام بمختلف المهام التي ستسند إليها ورفع مستوى قدرتها القتالية.
وإلى جانب ذلك فالاستعداد العسكري يتطلب من الدولة القدرة على حشد طاقاتها وإمكانياتها بأكبر ما يمكن من السرعة لأن الدول التي تفشل في التعبئة الشاملة والسريعة لقواتها في الوقت المناسب تفقد ميزات في مواجهة أعدائها كما أنه يستدعي إلى جانب ذلك إعداد الجبهة الداخلية لخدمة الجهود العسكرية، فحشد إمكانيات وطاقات الدولة للحرب لا يمكن أن ينحصر في الإطار العسكري وحده وإنما يجب أن يمتد إلى الجبهة العسكرية والمدنية في نفس الوقت.
-------------------
*هشام نكاو: باحت في العلاقات الدولية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.