يصادف اليوم الذكرى ال35 لجريمة اغتيال الرئيس ابراهيم الحمدي، التي لم تكن مجرد جريمة لاغتيال رئيس بل جريمة لاغتيال بلد بأكمله. في 11 اكتوبر 1977؛ قتل الحمدي وشقيقه عبدالله (قائد لواء العمالقة)، في مؤامرة نفذتها مراكز القوى التقليدية، التي استولت على ثورة 26 سبتمبر، ومازالت تسيطر على اليمن حتى اليوم. استدرج الحمدي الى عزومة غداء، اختفى بعدها ساعات، ثم ظهر بعد ذلك قتيلا مع شقيقه عبدالله. في 11 اكتوبر 1977؛ كان الحمدي طبقا لروايات متطابقة لأسرته ومقربيه، قد بدأ تناول وجبة الغداء في منزله، غير انه تلقى اتصالا من احمد الغشمي رئيس هيئة الأركان نائب رئيس مجلس القيادة، الذي اصر عليه ان يحضر "عزومة" الغداء في منزله. توقف الرجل عن الأكل ونهض خارجا نحو قتلته. اقيمت وجبة الغداء بمناسبة نجاح العملية الجراحية لاستئصال الزائدة الدودية التي اجريت لعبد العزيز عبد العني، رئيس الوزراء وعضو مجلس القيادة، وقد دعي اليها عدد كبير من الوزراء والشخصيات السياسية والاجتماعية المهمة. قرر المضيف انه والضيوف لن يتناولوا الغداء الا اذا احضر الرئيس وامام تهرب الحمدي من تلبية الدعوة وتحججه بمغادرة سائقه الخاص الحمامي (قتل في بداية الثمانينات اثر سقوطه في بئر) عرض الغشمي عليه ارسال سائقه الخاص، الذي يعتقد انه(م،ح) اصبح فيما بعد قائد الحرس الخاص للرئيس السابق علي عبدالله صالح قائد لقوات المظلات ثم الشرطة العسكرية). تفيد المعلومات ان ابراهيم اخذ الى منزل مجاور لمنزل "عزومة الغداء"، الذي كان المعزومون ينتظرون فيه الوجبة التاريخية بقي جنود حراسته في الباب ودخل هو داخل المنزل، تقول المعلومات المتداولة أنه وجد شقيقه عبد الله مقتولا حاول التفاوض مع قاتليه عارضا عليهم مغادرة البلاد الا انهم رفضوا وفي المتداول يعرض الحمدي في لحظاته الاخيرة على قاتليه التالي: "تريدون السلطة خذوها واكملوا ما بدأناه هذا الشعب امانه في اعناقكم، انا مستعد للتنازل اذا قبلتم ببقائي في اليمن كان بها، واذا اردتم ان اخرج فسأخرج تذكر يا ابو صادق (مخاطبا الغشمي )اننا ودعنا القاضي الارياني من تعز معززا مكرما، اردنا ان تكون حركتنا تصحيحية بيضاء نقية لم نبدأها بالدم". يقال ان الغشمي راق له العرض، ولكن بعض الموجودين اعترضوا، موضحين ان الحمدي "اذا خرج فسيعيده الشعب وعلى اجسادنا، التي ستكون البساط الأحمر الذي سيمشي فوقه، لأننا كشفنا اوراقنا كما اننا قد قتلنا اخاه هل تعتقد (موجهين حديثهم الى الغشمي) انه سيسامحنا؟ كلمة واحدة منه الى الشعب ستفتح علينا ابواب جهنم! وبطريقة هستيرية اطلقوا النار عليه". بعد اطلاق الرصاص عليه؛ تم اخراج جثته من بوابة اخرى وقيل لجنود حراسته انه قد غادر المنزل، فعاودوا ادراجهم بدون الرئيس. في الليل، اعلن ان ابراهيم قتل مع شقيقه عبد الله. ثم ظهرا في منزل مع فرنسيتين، في حبكة حاولت تلفيق الجريمة كما لو انها قتال بين الاخوين بعد جلسة "شراب" مع عشيقتين لقد حاول القتلة النيل من سمعة الحمدي، غير انهم فشلوا في ذلك. عند منتصف الليل والغالبية العظمى نيام اعلن الخبر الفاجعة بصوت المذيع عبد الملك العيزري، فظن الناس، اول الأمر، ان الخبر مجرد كابوس. في اليوم التالي؛ اخرجت من منزل في ضواحي العاصمة جثتان لفتاتين فرنسيتين ادعى القتلة انهما قتلتا في الحادث، وانهما كانتا على " علاقة غرامية" بالأخوين الحمدي. ولكن لم تفلح محاولتهم في تزوير الحقائق حيث علق كل من سمع او قرأ ذلك بالقول: "لقد اختيرت التهمة غير المناسبة في الوقت غير المناسب". لم يشر البيان، لا من قريب ولا من بعيد، الى "عزومة الغداء" التي ذهب بموجبها الرئيس الى منزل نائبه بلا عودة خاصة مع وجود شهود عليها، كما تم التسريب الى وسائل الاعلام العالمية بما اسموه الفضيحة؟ وقد سئل الشيخ سنان ابو لحوم في مقابلة صحفية مع صحيفة "الأيام" في 2001 عن ذلك اليوم فأجاب: "باختصار ذهب الحمدي الى بيت الغشمي ولم يخرج".!. يوم الجنازة هتف المشيعون: "انت القاتل ياغشمي". وطبقا للمعلومات ؛ فقد رموه بالأحذية. كان يوما حزينا لم يتم فيه دفن الحمدي فقط، بل دفن اليمن معه. وحتى اليوم لم تخرج اليمن من القبر التي وضعت فيه الى جوار ابراهيم الحمدي. جاء الحمدي الى الحكم في حركة 13يونيوالتصحيحية 1974م، وخلال فترة قصيرة احدث نقله في اليمن؛ دولة وشعبا. فالرجل لم يحقق نموا اقتصاديا لا فتا فحسب ، بل اعاد لليمن كرامته المهدورة. لم يحض زعيم يمني بالود والشغف الذي حظي به الرئيس الراحل ابراهيم الحمدي، الرجل الذي اكتسب اشعاع خاصا لا ينقطع حتى وهو في قبره. تحل اليوم ذكرى قاسية على ملايين اليمنيين، لواقعة تجلت فيها اخلاق الغدر والخسة في اوضح صورها، ففي 11 اكتوبر 1977، حدثت افظع جريمة سياسية في التاريخ اليمني الجديد، لقد هزت واقعة اغتيال رئيس الشطر الشمالي من الوطن وجدان اليمنيين، لقد كان هو الرئيس المحبوب والأكثر شعبية وكان بمثابة التجسيد الحي لما انقطع من الأحلام المشتركة التي حركت ثورة 26 سبتمبر 1962. تشير جميع المعلومات الى تورط المملكة العربية السعودية في الجريمة، وبعد اشهر من وقوعها زار الأمير نائف بن عبد العزيز صنعاء، والتقطت صورة يظهر فيها ممتشقا جنبية يمنية، ويرقص مع احمد الغشمي، الذي ورث موقع رفيقه الحمدي في رئاسة البلاد. في الصور يبدو الأمير السعودي كما لو انه يرقص فرحا لنجاح نظام اسرته في القضاء على المشروع الوطني في اليمن، حتى اليوم، ما زالت تفاصيل جريمة مقتل الحمدي مغيبة وغير معروفة، في تأكيد على ان النظام لم يتغير بعد. من اهم ما تفعله الثورات هو انها تكشف عن حقائق ما جرى غير ان ثورة الشباب لم تفعل ذلك بالنسبة للحمدي وبالنسبة لغيره من القضايا. والمؤسف هو محاولة التنكر للحمدي، والامعان في جريمة قتله عبر رفض اقامة جمعة الوفاء له، وللمطالبة بقتلته، ويتجلى هذا الاصرار في استمرار الجريمة في معارضة المسيرة التي ستخرج اليوم من اجل هذا المطلب. مازال قتلة الحمدي في الحكم وهم حلفاء السعودية، ومازالت السعودية ترقص على جثة اليمن. يقف اليوم تجمع الاصلاح في الطرف المعارض لأي حديث عن الحمدي، او اي محاولة للانتصار له، او كشف تفاصيل جريمة الغدر التي تعرض لها. ولئن كان هذا الأمر مفهوم بالنظر الى ان حلفاء هذا الحزب متورطون في جريمة لا تقل عن التورط في عملية القتل. على ذلك ؛ فالحمدي بحاجة الى ثورة جديدة تعيد له الاعتبار، وتكشف حقيقة الجريمة التي تعرض لها. ولد الحمدي عام 1943 في مديرية قعطبة في محافظة اب، تعلم في كلية الطيران، ولم يكمل دراسته وعمل مع والده القاضي في محكمة ذمار في عهد الإمام احمد حميد الدين. واصبح في عهد الرئيس عبد الله السلال قائدا لقوات الصاعقة، ثم مسؤولا عن المقاطعات الغربية والشرقية والوسطى في عام 1972 اصبح نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية، ثم عين في منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة. عن: يومية الشارع