سنان بيرق في خضمّ هذا العالم المضطرب، حيث تتلاطم الأمواج الجيوسياسية، وتتقاطع المصالح وتتشابك الخطوب، هناك ميثاقٌ وُلد من رحم الخراب، ونشأ من رحم حربٍ عالميةٍ مزّقت وجه الإنسانية... ميثاقٌ لم يكن مجرد ورقة وقّعها القادة، بل كان قسمًا جماعيًا من ثلاثين أمة، ثم ازداد اثنتين، بأن أي يدٍ تمتد بالعدوان، ستجد في مواجهتها سيفًا جماعيًا، لا يُغمد. ذلك هو حلف شمال الأطلسي – الناتو. ليس مجرد تحالف عسكري عابر، بل درعٌ معقود على شرف الشراكة، ومُقام على أساس قداسة السيادة، وضمانةٌ بأن لا دولة في الحلف تُترَك وحيدة في وجه العاصفة. منذ أن وقّعت الولاياتالمتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وتركيا، والنرويج، وكندا، وآيسلندا، وغيرهم من الدول المؤسسة، على معاهدة واشنطن في عام 1949، أعلن العالم أن زمن العزلة قد ولى، وأن العدوان لن يُواجه بالصمت، بل بجوقةٍ من النار والسياسة والقانون. المادة الخامسة من المعاهدة ليست مجرد بند قانوني، بل قسم جماعي مفاده: "إذا هوجمت دولةٌ واحدة، فالهجوم وقع على الجميع". لا تأويل ولا تردد ولا مساومة. تلك المادة ليست وعدًا بل التزامٌ ملزم، بسلطان القانون وسيف القوة. تخيَّل أن تُمسّ حدود ليتوانيا، أو تُستفز بولندا، أو تُهدد رومانيا... فتنهض بريطانيا من بحرها، وتقلع الطائرات من قواعد أمريكا، وتتحرك القوات من قواعد تركيا، الدولة الجسر، التي تربط الشرق بالغرب، وتفهم لغتي السيف والدهاء. تخيل أن تُمسّ إستونيا، فترد ألمانيا وصربيا وكرواتيا والجبل الأسود بصوتٍ واحد: "لن تمروا". إن عضوية الناتو ليست مجرد شرف، بل حصانة سياسية وعسكرية ودبلوماسية. إنها رسالة للعالم أجمع أن كل دولة في هذا الحلف، من آيسلندا الباردة إلى تركيا النارية، من السويد المحايدة سابقًا إلى الولاياتالمتحدة القائدة دومًا، تعيش في كنف ضمانة كبرى: الحلف سيحارب لأجلها، إذا ما اشتعلت النيران عند بابها. لا خوف على دولة تلبس درع الناتو. لا وجل على دولة ترتفع رايتها بين رايات 32 أمة تعاهدت على عدم ترك الساحة لأي عدوان منفرد. إنه الحلف الذي يصنع من الفرد أمة، ومن الأمة حائط ردع لا يُخترق. لقد أثبت التاريخ أن من يحتمي بالحلف، لا يُكسر، بل يُحسب له ألف حساب. ففي زمنٍ تُقاس فيه العلاقات الدولية ليس فقط بالنيات، بل بالقوة والتحالفات، يبقى الناتو وعدًا صادقًا، ودرعًا لا يصدأ، وعهدًا لا يُنكث