محيي الدين سعيد أول ماطلعت صنعاء نازحا من الحديدة 2018م، كنت اغلب الأوقات اقضيها في شارع المطاعم مع الاصحاب والاصدقاء نشرب شاهي مدهش ونزبج للظهر، ايام كانت ضحكة محمد القعود تجلجل وتملأ قلوب الجميع … كنت اعود للبيت محملا بنص دجاج نفعل مرق وفتة وكبسة والامور بخير واخزن بخمس مية ريال . قالت ام ليث بدل ماتضيع وقتك بالتحرير، اجزع شوف مدرسة تدرس فيها ليش تبدد موهبتك واشارت الى مدرسة كبيرة قريبة صاحبتها من اثرياء صعدة الجدد .. مريت واخبرتهم اني مدرس لغة عربية وخبرتي ثلاثين عاما، قالوا عز الطلب نشتي مدرس عربي للصفين الثاني والاول الثانوي بمعدل عشرين حصة تقريبا ، وهذا العدد من الحصص كبير لرجل في عمري ذلك اليوم ، قالوا كم تشتي قلت لهم مئة الف قالوا لا ثمانين قلت لا قالوا خلاص تسعين آخر كلام قلت على بركة الله … كانت المدرسة خالية فاصطحبوني لرؤية الفصول التي سأدرس فيها ، شعرت بسعادة كبيرة ، كانت فصول صغيرة وفيها كراسي لما يقارب عشرين طالبا ، قلت هذا ممتاز ، سوف استمتع بالتعليم من جديد . اعطوني كتابا لتحضير الدرس، وأشاروا لي الى موضوع عن الشهيد زيد، مشيت على أن اكون صباحا تمام الثامنة في المدرسة وانا افكر بالامام زيد صاحب مقولة "القرآن لايتركني أن أسكت"، مع ان القرآن داعية للتدبر والتأمل والتفكير وليس للهدار والداوية. في الصباح الباكر التقيت بواحد يعرف اني موظف حكومي ، ولكني نازح ومحتاج وظيفة معلم في مدرسة خاصة ، وحسبت بنظرات غير ودية ناحيتي فسألني هل انت من تعز ، ومن اي حزب شكلك اشتراكي او ناصري قلت له انا حزبي الريال اللي آخذه بعرقي وجهدي وماليش في الحزبية والاحزاب ابدا وانا في غاية الصدق والانزعاج، وهي اول مرة ادخل مدرسة خاصة وكانت الأخيرة. قام استأذن من مدرس في الفصل لمدة عشر دقائق لكي ادخل وليرى طريقتي في التدريس ودخل معي ، لم يعجبني هذا فأنا محتاج لحصة كاملة ، المهم اول شئ صدمني ان الفصل الصغير الذي كان بالأمس أصبح متروس ترس طلاب عمالقة ، خمسين طالب تقريبا يتزاحمون على كراسي لعشرين طالب وطوال الوقت يتقاتلون على الكراسي القليلة ، استغربت من اولياء الامور كيف يسجلون اولادهم في وضع مشابه ويدفعوا في حدود ربع مليون للطالب دون ان تتاح امامهم فرصة للاطلاع على الفصل .. ومن الضمير الميت لأصحاب المدرسة واين الرقابة الحكومية . المهم بدأت شرح الدرس وامامي عشر دقائق لذلك ، ومش عارف من اين ابدأ الكلام حول بطل الحصة الامام زيد بن علي ، المشكلة ان الدرس كله كلام عن سيرة زيد ومقرر حفظ والله تخيلت الطلاب وهم يحفظون مقالا …شعرت بوجع ، لم تعد الكتب التي كنا ندرسها لأجبال من اليمنيين ، تحولت خلال سنوات الى مناهج عقيمة لايجد المدرس موضوعا يستهويه لم أشعر انني في مكاني المناسب للمرة الأولى خلال ثلاثين سنة من الوقوف امام اجيال من الطلاب والطالبات …غادرت بعد عشر دقائق والامور على غير مايرام ، احتجيت على العشر الدقائق .. قالوا لي ليس الموضوع هو الدرس ولا العشر الدقائق ، قلت لهم وماذا اذن ؟ قالوا بأنك لم تعجب الطلاب لأنك شيبة ….. قلت لهم انا بادرسهم او (كلمة بذيئة لايجوز ذكرها …) ورميت لهم الكتاب ، وخرجت مغادرا بكنتهى الاحباط والانزعاج لكي اشرب واحد شاهي يعدل مزاجي الذي انكسر مثل الزجاج ويصعب جبره …