هم لدينا وديعة فقط.. وتهمتهم التواصل مع منزل    هم لدينا وديعة فقط.. وتهمتهم التواصل مع منزل    استمرار عمليات انقاذ ناقلة غاز مسال في خليج عدن    قراءة تحليلية لنص "هاشم" اسم أثقل كاهلي ل"أحمد سيف حاشد"    قراءة تحليلية لنص "هاشم" اسم أثقل كاهلي ل"أحمد سيف حاشد"    وفاة 15 شخصًا بينهم نساء في حادث مروري مروع بمحافظة مأرب    الاتحاد الأوروبي: فرض عقوبات على "إسرائيل" لا يزال على الطاولة    كتائب أبو علي مصطفى تعلن تسليم جثة جندي صهيوني    المغرب يتوج بلقب كأس العالم للشباب تحت 20 عاما    تكريم 47 طالباً من طلاب حلقات القرآن الكريم في مديرية شعوب    الإسباني ألكاراز والبيلاروسية سابالينكا يحتفظان بصدارة التصنيف العالمي للتنس    الحوثيون ينقلون حربهم المزعومة مع إسرائيل إلى مساجد صنعاء وذمار    "تنمية المهارات" يؤهل 20 كادر من مؤسسة الشهيد زيد مصلح في المونتاج والجرافيك    نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين 5.2%    برقيات التعازي باستشهاد اللواء محمد عبدالكريم الغماري .. تؤكد .. مسيرة الجهاد والمقاومة ولّادة للقادة العظماء أمثال الشهيد الغماري    في أربعينية شهداء "26 سبتمبر" و"اليمن" شهداء الكلمة والموقف.. سلام على دمائهم الطاهرة    مرض الفشل الكلوي (24)    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى أكثر من 68 ألف شهيد    قتل أبناء عدن مستمر.. من عذاب الكهرباء إلى التهديد بالموت عطشاً    مليشيا الحوثي تحتجز جثمان مختل عقلياً في قسم شرطة بإب    الأحزاب والمكونات السياسية في عدن تطالب بتحرك عاجل لإنهاء معاناة السكان    سقوط إعلام الإخوان في اليمن.. تخادم مكشوف مع الحوثيين لضرب الجنوب    ثوار 14أكتوبر وعدوا شعب الجنوب بأكل التفاح من الطاقة    تصريح العليمي الكارثة وطائرة الحوثي    الخدمة المدنية بعدن تعلن عن فتاوى لآلاف الوظائف الجديدة وتتجنب الحديث عن معايير توزيعها    أسرة المتوكل توضح بشان الاتهامات الموجه له باختطاف طائرات اليمنية    رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية الأستاذ عبدالوهاب المهدي ل"26 سبتمبر": نطالب بتدخل أممي عاجل لوقف استهداف العدوان المباشر أو غير المباشر للمناطق الأثرية    برشلونة غارق في الديون: 159 مليون يورو مستحقة لأندية أوروبا    الراية الثقيلة... عام على رحيل صالح الناخبي الحاضر في الغياب    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يزور فرع مصلحة الضرائب في شبوة    صنعاء.. تشييع جثمان رئيس هيئة الأركان العامة السابق    الدين العام الأميركي يسجل رقما قياسيا    الونسو: مبابي لاعب حاسم يمنحنا النقاط، وهذا ما نحتاجه    اتفاقيات لدعم موازنة الحكومة اليمنية وتوفير نفط للكهرباء    يونايتد يذيق ليفربول الخسارة الرابعة تواليا    مدرب ليفربول متفاجئ من خسارة فريقه أمام مانشستر يونايتد    عدن غارقة في الظلام والمرتزقة ينهبون الايرادات    خلال 7 دقائق.. عملية سرقة "لا تقدّر بثمن" في متحف اللوفر    قبل الكلاسيكو.. مبابي يعيد الريال إلى الصدارة    الشهادة بداية حياة وليس نهايتها    في تشييع مهيب.. صنعاء تودع الشهيد الفريق الركن محمد الغماري    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن. "17"    فيما تم تدمير 300 لغم من مخلفات العدوان .. المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام يبحث توسيع الشراكة والتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر    الاتحاد السياحي اليمني يكشف عن فساد في مجلس الترويج السياحي    قراءة تحليلية لنص "رغبة في التحليق" ل"أحمد سيف حاشد"    الإمارات شعلة العلم في سماء الجنوب .. من بناء المدارس إلى ابتعاث العقول.. بصمات لا تُمحى في مسيرة التعليم الجنوبي    أبعدوا الألعاب الشعبية عن الأندية!    رئيس تنفيذية انتقالي لحج الحالمي يُعزي الشيخ نائف العكيمي في وفاة والده    وزارة الإعلام تُكرم الفائزين بمسابقة أجمل صورة للعلم اليمني    إشادة بتمكن عامر بن حبيش في احتواء توتر أمني بمنفذ الوديعة    لو فيها خير ما تركها يهودي    المداني خلفا للغماري .. بعضاً مما قاله خصمه اللدود عفاش في الحروب الست    اليمن انموذجا..أين تذهب أموال المانحين؟    معهد امريكي: شواء اللحوم يزيد خطر الاصابة بالسرطان    متى يبدأ شهر رمضان 2026/1447؟    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لنص "هاشم" اسم أثقل كاهلي ل"أحمد سيف حاشد"
نشر في يمنات يوم 21 - 10 - 2025

الاسم عندما يستخدم كأداة للإقصاء، يعكس فشل الدولة والمجتمع في تبني مفهوم المواطنة..
محاكمة الهوية قبل الفعل، جانب من أزمة اليمن في التمييز الجهوي والمذهبي والقبلي..
الهوية الشخصية حينما تتحول إلى معركة مستمرة في زمن الانقسام والصراع..

"هاشم" اسم أثقل كاهلي
أحمد سيف حاشد
هاشم الاسم الرابع لاسمي.. اجتمع ضد اسمي المتعصبون ضد "هاشم" والمتشددون في حبه.. اجتمع من لا يطيق اسم "هاشم" مع من يستأثرهُ، ويحاول بقضه وقضيضه أن يحتكره لنفسه.. وزاد عليهم الانحطاط كله.. تكالب علينا الباطل من كل الجهات.. من يريد قتلك ومن يريد ابتلاعك، ومن ينتظر سقوطك إلى مزبلة انحطاطه.. لا ميمنة لي ولا ميسرة.. أطبق عليّ الحال وقال: أنت هالك لا محالة.. وجدتُ نفسي أُسحق بين شقي الرحى، دون ذنب أو جريرة.
يتهمونني بما لا يُتهم.. يحاكمونني دون محاكمة.. يدينونني دون دليل أو قرينة.. إدانتهم تداهمني قبل أن تنبس شفتاي دفاعاً عن نفسي ببنت شفة.. يهتاجون ويشنّعون قبل أن يكون لي فيما يقولون كلمة واحدة.. لا يسمحون لي بجواب سؤال، أو نقطة نظام، أو اعتراض بإشارة.. يطلقون أحكامهم جزافاً وحماقة.. مشهد أكثر من عبثي مما نعيشه اليوم من ضيق وابتلاء وكربة.
اجتمع التشدد بنقيضيه على اسمي ليدينني بما ليس فيَّ.. اجتمع الباطل بتزمّته وشدّته، ومعهم التافهون ليجتمع ما لا يجتمع على ضحية وجدوا في صاحبها عدوهم المشترك، وما لديهم نحوه من مقت وكره.. سادت تلك الكراهية، بعد أن بلغت العنصرية عنفوانها، وبلغت الحماقات منتهاها، وأي حماقة هذه التي تدينك بسبب اسمك؟!!
ضرب الجهل على اسمي طوقه، ولف على عنقي مشنقة.. لعن الله الساسة عندما يسقطون في وحل السياسة، وما أوحل منهم ومنها إلا أن يجد إلى السلطة تافهوها والمطبلون لها والمسترزقون منها، طريقاً سالكاً إليها.
متشددون متشبعون بالجهل والحماقة والادّعاء.. يهرعون إلى الماضي بزعم نجدته، ثم يستعيدوا أكثر صفحات التاريخ سواداً وقتامة، ومعها يستعيدون الموت وبرك الدم وكثيراً مما هو بشع وشائه، ثم يعيدون إنتاجه من جديد على نحو أكثر قبحاً وبشاعة.
يكررونها بمزيد من الإمعان والإغراق والوحشية؛ لتدور معها دورات العنف والحقد والكراهية التي يجري استجرار نفاياتها وإعادة تدويرها، وضخّها من جديد، ولا يستطيعون الاستمرار في الحياة والعيش إلا بها، بل ومزيد منها.
يستمتعون بالعودة للماضي المثقل بمآسيه.. يكرسون الباطل حتى يصيروا بعضاً منه.. يعيدون إنتاج الظلم على نحو أكثر وقاحةً وفجاجة.. يستجلبون ركام أكثر من 1400 عام، وكل عام يحمل من الأوزار ما لا تحمله الجبال.. تجتمع عليك الخلافة والولاية، والتفاهة ثالثة الأثافي.. يجتمع عليك بكل وجوههم وجيوشهم وذبابهم التي تعتاش على المال الحرام، وقبلها على دم أبناء شعبنا ودافعي الضرائب، وكدح المغلوبين والمنهوبين.
* * *
نشأتُ وترعرعت دون أن أشعر أن اسمي عبء على كاهلي.. لم يكن لي مع اسمي الرابع مشكلة.. لم أجد بصدده ما يجعله محل مأخذ أو نظر.. في عدن وخلال مدة طويلة حللتُ وأقمتُ فيها لم أشعر يوماً أن اسمي كان عبئاً أو عقبة أمام نيل حقوقي أو مسّها بحال.. كل شيء كان يسير على ما يرام.
في عدن وتحديداً في السبعينيات على الأرجح، تم إلغاء أسماء المحافظات الست المكونة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية واستبدالها بالأرقام.. عدن المحافظة الأولى، ولحج الثانية، وأبين الثالثة، وشبوة الرابعة، وحضرموت الخامسة، والمهرة السادسة، وتم منع نسب الأسماء إلى المناطق أو إلى القبائل.. خطوة أو خطوات كانت في الاتجاه الصحيح.
تم إلغاء لقب الجوفي والحسني والمهري وغيرها من ألقاب كبار أسماء قادة البلاد، ومع ذلك وبسبب الصراع السياسي في النصف الأول من الثمانينيات انقلب الحال، وتم التحريض والتعبئة المناطقية بفجاجة، وعلى نحو جرّار، ثم تم تعميدها بالدم والدموع.
* * *
في هذه الحرب التي عشناها سنوات ثقال، وشهدنا أوارها و احقادها، تعاطت جل سلطات الأمر الواقع هنا وهناك مع الأسماء كانتماءات سياسية، وطائفية وجهوية وقبلية ومناطقية تكلف أحياناً دفع كلفة باهظة على أصحابها.. ربما بسببها تكلّفك بعض مشقة في حياتك، أو تطول وتستهدف حريتك أو حياتك نفسها.. من المحتمل بسببها تفقد أشياء كثيرة، وربما تفقد كل الأشياء بسبب اسمك المرتاب فيه.
أصبحت بعض الأسماء عبئاً على أصحابها، فإن كانت هنا تجلب لك حظاً ووفرة أو تعاوناً وتسهيلاً، فإنها في منطقة أخرى ربما تعني تهديداً وخسراناً.. في الحرب وفي هذا العهد الأكثر توحشاً ودمامة صارت اسماؤنا عبئاً علينا وربما خطراً محتملاً يتهدد حياتنا، في واقع قبلي ومناطقي وعنصري يتعقب الأسماء، ويبحث عن أنفاسها حتى وإن كانت بدون أنفاس.
* * *
عندما أتيتُ إلى صنعاء من عدن عام 1990بعد الوحدة كان اسمي أحمد سيف حاشد هاشم. كان هذا هو اسمي في بطائقي وكل وثائقي التي أتيت بها معي من ألفها إلى يائها.. جميعها تحكي هذا الاسم لا سواه.. لا تغيير فيه ولا تبديل.
في 1990عندما أتيت إلى صنعاء ليس على اسمي لبس أو غبار، ثم تم تغيير اسم "حاشد" إلى اسم "قائد" في كشوفات الدائرة المالية التابعة لوزارة الدفاع، وخضت مراجعة مضنية استمرت لشهور؛ لأستعيد اسم جدي حاشد في كشف المرتب الشهري، فيما ابن عمي عبده فريد حاشد المستشار في وزارة الخارجية في إحدى معاملاته استبدلوا اسم حاشد ب "حامد" حتى تمكن هو الآخر من استعادة اسم جده بعد مراجعة.
لم أسئ الظن يومها بما حدث، ولم أرجعه إلى فساد طوية، ولكن في أحد نقاشاتي اللاحقة مع أحد مديريَّ المنتمي إلى محافظة حجة، أحسست باستكثار أن يكون اسم جدي حاشد، وكان يومها لحاشد القبيلة جاه وهيبة، ومكانة اجتماعية أكثر من غيرها.
وفي مستهل عضويتي بمجلس النواب أو بعدها بقليل، أتذكّر أن رئيس المجلس الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وهو من قبيلة حاشد، وشيخ مشايخها، قرأ اسمي "أحمد سيف" ثم توقف لبرهة عند اسم "حاشد" وما لبث أن تجاوز ذكره، وأنتقل إلى هاشم، حتّى صيّره "أحمد سيف هاشم".
أما اليوم وفي ظل سلطة الأمر الواقع في صنعاء، فقد صادرت اسم جدنا "هاشم".
* * *
عندما بدأ عهد "الفيسيوك"، كنت لا أحسن استخدامه في أول الأمر.. كان يتم فتح حسابات في "الفيسبوك" بأسمائنا دون علمنا.. كان بعض الخبثاء ينتحلون شخصياتنا ويتلبسون بأسمائنا.
طلبتُ من صديقي وأحد المساعدين لي وهو صادق غانم الذي أدبرته معي، أن يفتح لي حساباً "فيسبوكياً" باسمي حيث كنت حينها لا أجيد فتح حساب لي فيه.. كان لدي "الفيسبوك" مازال عالماً مجهولاً لا أعرف منه غير عتبة داره، وبالكاد.
فتح لي صديقي حساباً فسبوكياً باسم أحمد حاشد هاشم، وأخبرني أن الفيس رفض قبول اسم سيف لوجود حسابات أخرى تطابق اسمي، فاستعاض عن اسم أحمد سيف حاشد هاشم بأحمد حاشد هاشم، وهو ما كان متاحاً يومها.
اسم هاشم هذا هو اسم جدي الثاني، وهو اسم حقيقي، وليس مجلوباً أو دخيلاً على اسمي الرباعي، وتعاطيت مع اسم أحمد حاشد هاشم في وسائل التواصل الاجتماعي، دون تسييس أو بحث عن انتماء نسب، أو توجه سياسي، بل لم أفكر في أمر كهذا مطلقاً حتى من باب الاحتمال.. لم أكن أفكر أو أعلم بمكسب أو عبءٍ وتبعات لهذا الاسم، وصديقي أيضاً هو الآخر لم يفكر بهذا.
لم أكن أعلم أن هاشم وهو بعض من اسمي الرباعي سيتم استخدامه للإساءة، ويتم اتهامي باستخدام اسم "هاشم" لأغراض انتهازية أو سياسية أو اجتماعية.
* * *
وظف ناشطو حزب التجمع اليمني للإصلاح اسم هاشم للنيل مني على نحو واسع وكثيف.. شنوا بكثافة حملة شعواء على هذا الاسم، وتحديداً بعد مؤتمر "اليمن إلى أين" عام 2012 والذي انعقد في بيروت.. خصصت صحيفة "الناس" و "الأهالي" مقالات عدة ومتجنية على شخصي وبسبب اسم "هاشم".. رموني بما هو فيهم من تخلّف وعاهة.
ورغم توضيحي الصادق الذي نشرته في صحيفة "المستقلة" يومها إلا أن كثافة الضخ لاسيما في وسائل التواصل الاجتماعي كانت طاغية على الحقيقة، ووجدتُ نفسي وأنا أوغل في الإيضاح كمن يحرثُ في البحر.
* * *
واليوم وفي هذه الحرب مازلتُ أدفع ثمن اسم لم أخترهُ أنا، ولكن ببساطة، أجدادنا لم يعلموا أنه سيأتي عهد متخلّف وأحمق ندفع نحن فيه ثمن الأسماء التي اختارها آباء أجددانا لأبنائهم!!
آباء أجددانا كانوا بسطاء ولا يعلمون أننا سنأتي على أيام غارقة في الجهل، والعصبيات المنتنة. لم يكن يخطر ببالهم أن الأمور ستأخذ هذا المنحى، وهذا القدر من الانحطاط الذي وصلنا إليه اليوم.. كانوا لا يعلمون أن أسماء مثل حاشد، وهاشم ستصير جريرة أو خطيئة على أبنائهم وأحفادهم.. كانوا لا يدركون أننا سنجتر صراع 1400 عام، ونستعيد ذكرياته الأليمة، بل ونحييه بانتشاء وانتقام، ونعيد إحياء عهده بإمعان وإصرار.
* * *
توجهتُ في نهاية شهر ديسمبر 2016 مع زملاء في لجنة العفو العام الفرعية، والخاصة بأبناء محافظة لحج من صنعاء إلى تعز، وكانت وجهتنا إلى "سجون مدينة الصالح" في تعز؛ لتطبيق القرار بحدود الاختصاص، وكانت هي المرة الأولى التي أتجه فيها إلي تعز منذ بداية الحرب.
والعجيب أن سلطة صنعاء في الحرب غيرت اسم جامع "الصالح" إلى جامع "الشعب"، ومؤسسة "الصالح" إلى مؤسسة الشعب، ولكنها لم تغيِّر اسم مدينة الصالح التي استحدثوا فيها أو حولوا بعضها إلى سجون، موزعين فيها المعتقلين الكثار. لم يتم تحويل اسمها إلى "سجن الشعب" على غرار جامع الشعب أو مؤسسة الشعب، وإنما أبقوا على اسمها وأضافوا إليها اسم "سجن" لتصير "سجن مدينة الصالح"!
في رحلتي تلك شاهدت عشرات النقاط العسكرية على طول طريق صنعاء تعز، ولم أشاهد علم الجمهورية باستثناء علم واحد في نقطة واحدة بعد نقيل يسلح، بل هو بقايا علم ممزق ومهترئ ومتآكل يجسد الحال كما هو في الواقع دون زيف أو رتوش، فيما عَلم الجماعة كان في كل نقطة عسكرية يعلن سيادته وانتصاره.
بعض النقاط العسكرية عندما كانت تسألني عن هويتي كنتُ أعرض عوضاُ عن بطاقة الهوية الشخصية، بطاقة عضويتي الخاصة بمجلس النواب، والثابت اسمي فيها "أحمد سيف حاشد هاشم".. كنت ألاحظ أحياناً لمن يقرأ حيرة من يطلبها، ثم يعلِّق بعضهم بسؤال: كيف حاشد وهاشم ؟! كان يعقّب بعضهم: حاشد وهاشم ما تركب!! ويسألني بعضهم: هاشم من أين؟!
* * *
كل وثائقي ومؤهلاتي بما فيها بطاقتي الشخصية العسكرية تحكي اسمي الرباعي، غير أن جواز سفري تم إثبات وتغيير اسم "هاشم" باسم منطقتي دون رغبتي وإرادتي، وفي هذه الحرب أيضاً تم منحي بطاقة شخصية تم فيها تغيير "هاشم" بنسبي إلى منطقتي رغماً عن إرادتي أيضاً، وعن حقيقة اسمي الرباعي.
مضى عام وعامان وثلاثة، وأنا أدنو من الأجل أريد تسجيل رقمي الوظيفي في الخدمة المدنية، ولا أريد أن أورّث أبنائي المتاعب في حقوق تخصّهم بعد رحيلي في هذا العهد المُغالي حتّى في التسمية والتعاريف.
متابعة أستمرت لتصحيح اسمي حتى أدركني اليأس من التصحيح.. لم أستطع استعادة اسمي الرباعي.. لقد قضموا أكثر من خُمس اسمي ربما بكبر وعصبية، وباذخ من عناد.. كم سنة أحتاج لدى أمن ومخابرات صنعاء لأثبت لهم اسمي الثابت في وثائقي الأكيدة والمسلمة نسخة لها عبر مندوب الأحوال الشخصية، ولأكثر من مرة.؟!. كم أحتاج من الوقت ليقبلوا اسمي كما هو..؟! ما ذنبي أن يأتي اسم "حاشد" على "هاشم". ولماذا يستكثرون اسم "هاشم" عليَّ وأنا لا أعده أكثر من اسم، متمماً لاسمي الرباعي؟!.
إنه بعض من اسمي الحقيقي لا يجوز إقصاؤه أو تغييره واستبداله.. إنني لم أدْعُ ولا أنازع به في ملك أو ولاية.. إنني أدعو دوماً للمساواة والمواطنة والعدالة منذ ريعان شبابي إلى اليوم، ولم أحِد عنها يوماً قيد أنملة.. إنني أريد فقط تأكيد حقيقة اسمي وهويتي التي تريد عُقدهم المتجذرة في وعيهم مصادرتها عنّي.. أريد بطاقة تثبت هويتي بالاسم الذي يتطابق مع كل مؤهلاتي ووثائقي ومع الحقيقة قبلها.. أنا لا أدعو ولن أدعو يوماً إلى أي عصبية منتنة.. أنا إنسان لم أتنازل يوماً عن إنسانيتي.. شعاري هو إنسانيتي أولاً.
من مأساة الوعي والتاريخ أن نجد أنفسنا ندفع ثمناً في حياتنا لمَّا ولم يكن على بال.. إننا اليوم نعيش عهداً ناضحاً بالرداءة والتعاسة، والوعي الشائه والدميم.. عهد صارت فيه الأسماء والألقاب تجني على أصحابها المعاناة، وربما تبلغ حد مصادرة مستقبل أصحابها، أو قطع العيش و"المعاش" عنهم، وربما استلاب حياتهم.
اسمي تتفحصه وتمنعه عنّي المخابرات.. ما هذا الهراء والوعي المثقل بعصبية لا تطاق.. من أين آتي لهم باسم آخر؟! اسمي أحمد سيف حاشد هاشم .. ليس لدي مشكلة مع الأسماء.. هذا اسمي الحقيقي منذ الولادة، وسيظل كذلك حتى بعد الرحيل، وأظنه بات وشيكاً.. يصرون على استنفاد ما بقي لدي من حياة في متابعة استعادة اسمي الرباعي الذي صادروه، أو يريدون مصادرته ما بقيت حياً، ثم ميتاً.
لقد نشرتُ تعليقاً على هذه المعاناة بالقول: أريد أن أنتزع منهم حقي في اسمي؟! هل يريدون الانتقام حتى من أطفالنا في حقوقهم بعد أن نموت…!!
مأساة أسمائنا تطول وتذكرني بما كتبه الأديب السوري الساخر محمد الماغوط:
"سأنجب طفلاً أسميه آدم، لأن الأسماء في زماننا تهمة".
* * *
أنا أحمد سيف حاشد هاشم ابن الدباغ الإنسان.. الطريف أن أحد المرافقين لمسؤول كبير أخبرني أن كنيته كانت "أبو هاشم" وعندما قرأ في تفاصيل حياتي أنني ابن "الدباغ" قلب اسمه إلى أبو علي.. أنا أحترم كل المهن وكل الناس الذين يأكلون من كدهم وعرق جبينهم، بل واعتبرهم عظماء كباراً.. ليس لدي عُقد أو مواقف انتقاص حيال أي إنسان حر وشريف.
واذا كان لدينا مأخذ أو نقد في المسميات فهي تلك التي تحتدم أسماؤها مع جوهرها ومضامينها.. تلك الأسماء التي تتنافي مع توجهات وحقيقة مسمياتها المضللة والمخادعة للناس والشعب، مثل مسميات بعض الأحزاب والجماعات، كالأنصار والإصلاح، وهي التي جلبت لنا وللوطن أقداراً من جحيم.. جعلونا فحماً وشواء.. صلبونا على جدران الجوع.. سامونا الضيم والعذاب.. معاناة تطول ولا تنتهي بانتهاء ما بقي لنا من عمر، بل وعمر أولادنا و أحفادنا أيضاً.
* * *
قراءة تحليلية للنص باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي DeepSeek & chat GPT & Gemini
نص "هاشم.. اسم أثقل كاهلي" للنائب البرلماني أحمد سيف حاشد هاشم، والمنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر" يُعد شهادة ذاتية مكثفة في صيغةٍ أدبيةٍ تحليلية، تزاوج بين الاعتراف الشخصي والاحتجاج السياسي والفكري.
وهو نصّ يُعرّي فيه البرلماني حاشد واقعاً اجتماعياً وسياسياً مأزوماً في اليمن، يختزل أزمة الانتماء والهوية، ويحوّل الاسم من علامةٍ للتعريف إلى تهمةٍ تُجرِّم صاحبها.
وينتمي نص "هاشم.. اسم أثقل كاهلي" إلى أدب السيرة الذاتية التحليلية، ومن خلاله يحكي "حاشد" تجربته الشخصية مع اسمه الرباعي، ويكشف أبعادها الرمزية والاجتماعية والسياسية.
البنية السردية
1. الوعي الذاتي: عرض المعاناة الشخصية مع الاسم، والإحساس بالظلم الاجتماعي والسياسي.
2. السياق التاريخي والسياسي: استعراض مراحل الصراع السياسي في عدن وصنعاء، وتغيير أسماء المناطق والقبائل.
3. التحليل الرمزي: توظيف الاسم ليصبح مرآة لأزمة الهوية والانتماء، وانعكاس العصبيات والتاريخ المؤلم على الأفراد.
4. النتيجة الإنسانية: التأكيد على أن الاسم ليس جريمة، وأن المعاناة الإنسانية مرتبطة بفشل المجتمع في بناء المواطنة.
الأبعاد الرمزية للاسم
الاسم في النص يتجاوز كونه وسيلة تعريف ليصبح رمزاً للهوية والانتماء ومؤشراً على الصراع الاجتماعي والسياسي.
"هاشم" يمثل النسب الهاشمي، و"حاشد" يمثل القبيلة؛ وهكذا يصبح الاسم عبئاً اجتماعياً وسياسياً على صاحبه.
ويظهر النص؛ كيف يتحول الاسم إلى أداة للإقصاء والملاحقة السياسية، وهو ما يعكس فشل الدولة والمجتمع في تبني مفهوم المواطنة.
الأسلوب البلاغي والأدبي
التكرار: استخدام الكاتب لتكرار اسمه الرباعي ("أنا أحمد سيف حاشد هاشم") كأداة لتأكيد الوجود والمقاومة ضد مصادرة الهوية.
التضاد: تضاد بين الاسم والاتهام، بين الهوية والاغتراب، بين الماضي والمستقبل.
السخرية والتهكم: الاستشهاد بمقولة الماغوط، لإبراز عبثية أن يصبح الاسم تهمة.
الأسلوب الاحتجاجي: لغة مشحونة بالغضب والأسى، لتعكس الواقع الاجتماعي والسياسي الرديء.
البعد النفسي
والنص هو صرخة نفسية ضد "اغتصاب الهوية". إنه وثيقة تشرح الآثار المدمرة للتعصب على النفس البشرية، حيث يتحول أبسط مكونات الشخصية (الاسم) إلى مصدر للخطر والقلق الوجودي.
وهنا لا يعاني" حاشد" من اضطهاد خارجي فقط، بل يعاني من الصراع الداخلي الذي يخلقه هذا الاضطهاد: صراع بين من يعرف أنه هو، وبين من يريدونه أن يكون.
والحالة النفسية المسيطرة هي مزيج من الصدمة، الغضب، العجز، واليأس، وهي التي عبر عنها البرلماني حاشد بسردية شخصية مؤلمة تفضح الانهيار النفسي والاجتماعي الذي تسببه العصبيات البغيضة.
وهذا النص ليس مجرد شكوى، بل هو تشريح لجرح نفسي جماعي ينزف في جسد الأمة.
البعد الاجتماعي والسياسي
يُعالج النص قضية اجتماعية سياسية عميقة الجذور في المجتمع اليمني، تتجسد في مشكلة الاسم والهوية كعبء وسبب للتمييز والاضطهاد.
ظواهر
ويتجاوز النص المعاناة الشخصية ل"حاشد" إلى تحليل ظواهر اجتماعية سائدة، تتمثل في العصبية: الاسم كدال على الانتماء الاجتماعي والسياسي، وكيف أصبح الاسم (خاصة "هاشم" و "حاشد") أداة للتصنيف والاتهام والملاحقة، بدلاً من كونه مجرد تعريف شخصي.
واقع مقسم
وهنا يبرز البرلماني حاشد أن الأسماء لم تعد محايدة، فبعضها "يجلب حظاً ووفرة" في منطقة، بينما "تعني تهديداً وخسراناً" في أخرى. ما يكشف عن واقع اجتماعي مُقسّم ومُسيَّس، حيث تُحدد الأسماء مصير الأفراد وتؤثر على حقوقهم وحرياتهم.
صراع النسب
ويبين النص أن الاسم يصبح في زمن السلطات الجهوية والعصبوية ضحية صراع اجتماعي أوسع حول "النسب" (حاشد وهاشم) والهوية، حيث تحاول السلطات المتلاحقة مصادرة أو تغيير اسم الكاتب بما يتناسب مع أيديولوجياتها أو عصبياتها (محاولة تغيير حاشد إلى قائد أو حامد، وتغيير هاشم بنسبته للمنطقة).
هيمنة العصبيات
والنص يكشف بوضوح عن هيمنة "العصبيات المنتنة" (القبلية والمناطقية والطائفية) التي جعلت من الأسماء "تهمة". ما يمثل تراجعاً عن مفهوم الدولة والمواطنة (الذي كان الكاتب يشهد بوادره في عدن السبعينيات عند إلغاء أسماء المحافظات والنسب القبلي).
استدعاء الماضي
ويبرز النص كيف تسيّس العلاقات الاجتماعية ويجعل الولاء للقبيلة أو الطائفة أو المنطقة يطغى على الولاء للوطن، ما يشير إلى استدعاء الماضي وتدوير العنف.
ويُدين النص المتشددين الذين "يستمتعون بالعودة للماضي المثقل بمآسيه" ويستعيدون "أكثر صفحات التاريخ سواداً"، ثم يعيدون إنتاجه. هذه عملية اجتماعية ثقافية خطيرة تقوم على "إعادة تدوير" العنف والحقد والكراهية.
وإشارة النص إلى أن "المخابرات" بأنها هي من تتفحص وتمنع الأسماء، يعكس هيمنة الأجهزة الأمنية والقمع على أبسط الحقوق المدنية (الحق في الاسم).
البعد الإنساني
ورغم كل المعاناة، يؤكد النائب حاشد على مبدأه: "أنا إنسان لم أتنازل يوماً عن إنسانيتي.. شعاري هو إنسانيتي أولاً". ويدعو دوماً "للمساواة والمواطنة والعدالة". هذا البعد يمثل رسالة إصلاح اجتماعية تطالب بالعودة إلى القيم الإنسانية المشتركة ونبذ العصبية المنتنة.
تلخيص المأساة
اختتام حاشد لنصه بمقولة محمد الماغوط "سأنجب طفلاً أسميه آدم، لأن الأسماء في زماننا تهمة" يلخص المأساة، ويدعو بشكل ساخر إلى التجرّد من كل الأسماء التي تحولت إلى تهم، والعودة إلى الاسم الأول للإنسانية.
ركام الماضي
و النص في كنهه هو تشخيص عميق لمرض اجتماعي مزمن في اليمن يتجلى في تسييس الاسم، هيمنة العصبية (القبلية والطائفية)، استدعاء الصراعات التاريخية كوقود للحرب، وتفكك مبدأ المواطنة.
كما يكشف النص عن واقع اجتماعي يدفع فيه الفرد ثمن اسمه، وتُصادَر فيه هويته الحقيقية لحساب هويات فرعية مُعاد تدويرها من ركام الماضي.
النتائج
1. الاسم في النص يتحول إلى رمز للصراع السياسي والاجتماعي، وهو ما يعكس واقع اليمن السياسي والثقافي.
2. النص يُظهر أثر العصبيات التاريخية والطائفية والقبلية على الفرد والمجتمع.
3. الأسلوب الأدبي يحقق توازنًا بين البعد الشخصي والبعد السياسي والرمزي، ويجعل النص شهادة ضد الانتهاك المتكرر للهوية.
4. النص يؤكد على أن المقاومة قد تكون كتابية، حيث يصبح تأكيد الاسم واستعادته فعل مقاومة وحق للوجود.
الاستنتاجات
يقدم نص البرلماني أحمد سيف حاشد هاشم مثالًا واضحًا على الأدب الذي يمزج بين السيرة الذاتية والتحليل السياسي والاجتماعي.
والهوية الشخصية، كما يوضح النص، ليست مجرد تعريف بل معركة مستمرة في زمن الانقسام والصراع.
والنص يُعد دعوة للتفكير في مفهوم المواطنة والعدالة الاجتماعية، بعيداً عن الانتماءات القبلية والطائفية.
والنص يربط بين الألم الشخصي والتاريخ السياسي، ويجعل من تجربة الاسم نموذجًا لدراسة الأزمة الإنسانية في المجتمعات المنقسمة.
الخلاصة
يقدم أحمد سيف حاشد في هذا النص وثيقة إنسانية سياسية تختزل التحول المأساوي للهوية في زمن الانقسام.
إنه نصّ عن الإنسان الذي يُحاكم بسبب اسمه، لا بسبب فعله، وعن المجتمع الذي نكص إلى الجذر القبلي والطائفي بعد أن فشل في بناء وعي مدني.
وهو نصّ عن المقاومة بالكتابة: فحين تُصادر منك الهوية، تصبح الكتابة نفسها فعلَ استعادةٍ للذات.
ويعد نص "هاشم.. اسم أثقل كاهلي" نصّ احتجاجي ذو بعد إنساني عميق، يزاوج بين البوح الشخصي والتحليل الاجتماعي، ليجعل من الاسم مرآةً تعكس مأساة وطنٍ تهاوى فيه مفهوم المواطنة أمام سطوة العصبية والجهل والتاريخ المثقل بالانقسام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.