محمد عبد الوهاب الشيباني في 17 و 18 نوفمبر 1974 شهدت مدينة تعز أول صدام مباشر بين الناصريين والاخوان المسلمين على خلفية ترديد النشيد الوطني في مدرستي ناصر في اليوم الأول، ومدرسة الثورة الثانوية في اليوم التالي. هذه الصدامات كانت تتويجا لاحتقانات كبيرة بين الطرفين، غذتها ، تاريخيا، حالة العداء بين نظام عبد الناصر والاخوان التي ابتدأت في حادث المنشية في اكتوبر 1954، حين حاول الجهاز السري للجماعة تصفية الرئيس ناصر. في سياق اشتغالي على مادة طويلة حول تمسك حزب الاصلاح ( الإخوان المسلمون سابقا) بتعز توقفت أمام حالة العداء الشديد التي أبدتها الجماعة للقوى السياسية (القومية واليسارية) وعملت بكل الوسائل على شيطنتها والتحريض عليها داخل المدينة وخارجها. قبل أحداث نوفمبر هذه اختبرت الجماعة قوتها في أكثر من مناسبة، الأولى كانت حينما نظمت مظاهرة في صنعاء في ابريل 1965، ضد الرئيس السلال والمصرين على خلفية تصفية القاضي الزبيري ببرط، متهمة الطرفين بدم مؤسس (حزب الله)، اعتقل فيها عبد المجيد الزنداني مع آخرين. والثانية مع البعثيين (الطرف المؤثر في حركة نوفمبر) على خلفية تأسيس المجلس الوطني أواخر الستينات (مارس 1969)، بسبب رغبتهم في احتكار تمثيل الشباب في المجلس على حساب بقية القوى، ثم مظاهراتهم الاحتجاجية التي قادها الزنداني التي قمعها الفريق حسن العمري على خلفية اعتراضهم على تسمية كلية الشريعة والقانون عام 1970. أعيد هنا نشر جزء من شهادة الكاتب الصحفي حسن العديني أحد الشهود عليها والفاعلين فيها، وسبق نشرها في صحيفة ( التجمع) في العام 2000، في انتظار شهادة موازية من الطرف الآخر الذي لم استطع الحصول عليها. ومما جاء في شهادة العديني مواجهة لم نسع إليها عهدنا تحية العلم في المدارس من أربع جمل تحيا الجمهورية العربية اليمنية، تحيا القومية العربية الله أكبر والنصر للعرب، ومنذ سيطر الاخوان على جهاز التربية والتعليم بعد حركة 5 نوفمبر استبدلت الجمل الثلاث الأخيرة ب الله اكبر والعزة لله ولرسوله والمؤمنين. العزة لله شاء الناس أم ابوا، ولكنها النزعة المعادية للعرب لا تريد النصر للعرب، وقد ذكرت كيف عدنا التحية القديمة في مدرسة ناصر الابتدائية وما جرى من فصل الطالب الذي قاد زملاء في هتاف طابور الصباح، ثم بعد ذلك الحديث في المقهى وقرارنا بنقل التحدي إلى الثورة الثانوية على أن تكتفي بجمل ثلاث "تحيا الجمهورية العربية اليمنية الله اكبر والنصر للعرب" واخترنا زميلنا فؤاد عبد الواحد الآن مدير عام في وزارة الصناعة، اذ صعد من الطابور مستبقا الطالب الاخونجي الذي يحيي العلم كل يوم وهتف بالنصر للعرب فثار الاخوان وجدوا أيديهم لكنهم تلقوا وجبة ساخنة اوجعت اجسادهم، وبالتأكيد نفوسهم وقلوبهم. في العصر كنا نمشي في شارع 26 سبتمبر ورأينا الاخونجيين بالعصي والجنابي يسيرون مثنى وثلاث ورباع، تجاهلناهم وواصلنا السير، تبعونا إلى شارع التحرير، دخلنا شارعا فرعيا يواجه سينما سبأ، حيث توجد مكتبة وقفنا أمامها نقلب في المجلات والصحف، بعضهم لحق بنا فانصرفنا راجعين إلى الشارع الرئيسي، وعند مرورنا من جانبهم خاطب مفيد عبده سيف، مهدي أمين سامي هو الآن موظف في محافظة تعز وعضو في المؤتمر الشعبي "مهدي لا تلعب بالنار تحرقك". لم يحاولوا الاشتباك معنا ولكنهم ارتدوا ورانا، وكان اكثرهم مدعاة للتفكه عبد الله أحمد علي النائب في البرلمان الآن المعروف ب عبد الله العديني ذلك أن لديه قصور في إحدى ساقيه فجعل العرج عصاه يعلو ويهبط مع إيقاع مشيته. ولولا بعد المسافة ومضينا نحن إلى جلستنا المعتادة في المقهى، وفيه تدبرنا ما ستفعل في الغد اذ بدا واضحا أن ذلك الاستعراض انذار ووعيد بالانتقام. قررنا الا تراجع وأن يهتف للعربية في اليوم التالي مع استعداد للمواجهة أن فرضت علينا، حددنا كيفية توزع الزملاء في صفوف الطابور حتى لا يؤخذون مرة واحدة، وينفردون بهم واحدا واحدا، رأينا أن نشعر زملاها الذين لا يشاركوننا الجلوس في المقهى وتوزعنا في زيارات إلى منازلهم وابلغناهم بما قد يكون، وماذا علينا أن نفعل بالأصح، وماذا عليهم أن يفعلوا لأني لن أكون معهم بل في مدرسة ناصر حيث أودي الخدمة. كان اليوم هو ال 17 من نوفمبر وفي الثامن عشر منه سوف تضع تعز وتشهد اعصاراً هائلاً ستسمع به اليمن كلها. ________ معركة فاشلة للاخوان قادها ياسين عبد العزيز يوم 18 نوفمبر 1974 كان أطول واعنف يوم في تاريخ الحركة الطلابية بتعز منذ المواجهات الكثيرة التي شهدتها المدينة منتصف الستينات بين الاتحاد الطلابي، تمثل الحركة القوميين العرب والقاعدة الطلابية التي شأها الناصريون وكانوا في طور التبلور التنظيمي. وكنت ذكرت الأسبوع الفائت ان استعراض الاخونجيين عصر اليوم السابق في شوارع المدنية أوحي لنا أن معركة تنتظرنا في الصباح ورغم أن الذين استفزونا في الشارع لم يكونوا كلهم من طلاب المدرسة الثانوية فلم يدر بخلدنا أن هؤلاء وغيرهم سيحضرون الغد، وتصورنا أن المشكلة ان وقعت سوف تنحصر في طلبة الثانوية من الإخوان والناصريين. نحن اجرينا ترتيباتنا على هذا الاحتمال وكان عبد العزيز عبد الحميد كعادته ميالا الى الحماس والاندفاع، وقد عرض مسدس والده فضي اللون على مفيد وأخبره انه سيحمله في الصباح للتحوط لأي عنف محتمل من الطرف الآخر، لكن مفيد عبده سيف المعروف بالحصافة والمهارة السياسية نصحه الا يفعل واقترح على الجميع استعمال " الفرجال" الموجود في علبة الادوات الهندسة اذا جاء الآخرون بخناجرهم والجنابي واستخدموها. بدت الثورة الثانوية ذلك الصباح على غير المعتاد هناك غرباء مندسون في صفوف الطابور ومدرسون يعملون في مدارس أخرى وطلاب ايضا احدهم مهدي أمين سامي الذي قاد استعراض عصر البارحة وهو طالب في مدرسة الشعب الاعدادية لكن سنه أكبر من مستواه الدراسي، ثم انه معروف بفتوته ومداومته على تلقي تمرينات على ممارسة العنف كالمصارعة وغيرها. كان هناك غرباء ايضا يعتلون سور المدرسة وفي أيديهم فؤوس وعصي، كما أن الاخونجيين في الطابور يحزمون خواصرهم بالجنابي أو يحملون العصية. ثم اكتشف فيما بعد أن الثكنة الرئيسية المعبأة الفتوات والقادة الذين يوجهون هي مدرسة تحفيظ القرآن وهي مبنى صغير يحاذي السور الخلفي للمدرسة الثانوية. وكان يتزعم المجموعة هناك ياسين عبد العزيز المسؤول الأول عن الاخوان في اليمن (المراقب العام) والمدير العام السابق للتربية والتعليم في المحافظة. وسوف يطلق النار من مسدسه على مفيد عندما ينهزم رجاله في ساحة المدرسة وينتقل الطلاب الى مدرسة التحفيظ لكن الرصاصة تخطئ الهدف بسنتيمترات قليلة وتقع على خوذة أحد رجال الشرطة. كانت قوة شرطة صغيرة قد حضرت الى المدرسة وفشلت في ايقاف العنف، حان وقت تحية العلم وتقدم عبد الله عبد الولي وتناول الميكرفون من مدرس التربية الرياضية (مصري الجنسية) والقي تحية العلم فاندفع مهدي امين سامي نحوه، وسأل عبد الله عبد الجليل مدير المدرسة: وهذا ما جاء به، فرد عليه المدير مالك منه، لكن مهدي أمين جذب عبد الله من ذراعه وعبد الله عبد الولي صاحب القامة المديدة والجسد المفتول اشتيك مع مهدي وطرحه أرضا، ثم تناول ساق كرسي كانت بالقرب منه، ولعله قد جلبها معه ووضعها في مكان قريب وعلى مرأى منه وحده؛ راح يضرب كل من لقيه أمامه من الإخوان واشتدت المعركة. كان زملاؤنا قد توزعوا في الطابور بجانب عتاة الاخونجيين أو خلفهم ثم أن بعضهم سارع الى اغلاق بوابة المدرسة الخارجية لمنع دخول المتسللين من الخارج، غير انهم فشلوا في حراسة الاسوار التي تقافز منها المتربصون من الاخونجيين. لم تكن القوى متكافئة، لكن فساد جهاز التربية الخاضع لسيطرة الاخوان غير ميزان القوى لمصلحة زملائنا … فالطلاب اخذوا يخرجون من حيادهم جماعة بعد أخرى حتى تحولت المدرسة الى جبهة واحدة ضد الاخونجيين، وخلال عشرين دقيقة كانت المعركة قد حسمت بهزيمة ساحقة لمشعلي الفتنة من الاخوان المسلمين، وتم اقتياد اثنى عشر شخصا منهم الى غرفة المدرسين واغلاقها عليهم. ____ دعم مالي من أمير جيزان لجمعية الآمر بالمعروف في اليمن ومازال الحديث متصلاً عن المشكلة التي حدثت بين الطلبة الناصريين والإخوان المسلمين في مدرسة الثورة الثانوية بتعز في الثامن عشر من نوفمبر 1974م وقد تحولت فور بداية الاشتباك بالأيدي إلى صدام بين جموع الطلبة وبين الإخوان المسلمين طلاباً ومدرسين (كان عباس العقاد يسميهم خوَّان المسلمين). كان ذلك في زمن مضى، والآن فالله وحده يعلم خفايا النفوس. واود أروي احداثا مرت عليها 34 سنة، فإنما اردت ايقاظ ذاكرة صديق ناصري تحدث في وقت سابق عن أنه وأخرين كانوا في صدارة الحركة الطلابية في تعز 73- 78م لم يكن ذلك صحيحاً، اذ لم يكونوا في الحركة الطلابية ولا في هذه الاحداث. قبل متابعة وقائع ذلك اليوم اتوقف قليلا عند الرجل المتجهم سعيد فرحان الشرعبي، وقد ذكرت من قبل اني لا اعرف اين ذهبت به السنون، وعنه اخبرني الصديق عبد الواسع السقاف وعبد الرب القدسي انه يعمل الآن مقاولا في المملكة العربية السعودية ووافقاني على أنه كان مستقراً، إلا أن عبد الواسع زاد أن سعيد فرحان تولى إدارة المدرسة الثانوية فترة من الزمن دون أن يكون قد حصل على الثانوية العامة. عودة إلى ذلك الصباح وقد انتهى الاشتباك في الثانوية إلى 12 من الإخوان محتجزين في غرفة المدرسين وبحسب عبد الخبير مهيوب الموجه في التربية الآن؛ أن البعض هرب إلى الحمامات فأغلقت عليهم من الخارج. يقول عبد الخبير إن التحاق مجموعة من الإخوان بزملائهم عبر السور الفاصل بين الثانوية ومدرسة تحفيظ القرآن زاد في هياج الطلاب ،وأنهم أعطوا الضيوف ما يستحقونه ثم اقتحموا مدرسة التحفيظ، وهناك كان ياسين عبد العزيز وغيره من القادة، ثم توجه المتظاهرون إلى مدرسة عثمان ابن عفان فمدرسة الزبيري والأخيرة كانت أكبر معاقل الإخوان، وكان أحد طلابها فتى تركهم لاحقا وأصبح وجها معروفا في المجتمع (الدكتور فارس السقاف). كانت المدارس تغلق أبوابها بعد أن يسمع مسؤولوها زمجرة الهتاف ويشاهدون المتظاهرين قادمين، لكن المثير واللافت أن الطلاب كانوا يندفعون من الفصول عبر أبوابها والشبابيك ويفتحون أبواب مدارسهم امام الزاحفين وينضمون اليهم ثم يرشدونهم إلى الأماكن التي يختبئ فيها الإخونجيون مدرسين وطلبة. كان المتظاهرون يعرفون قادتهم وينفذون رغباتهم ولهذا استطاع عبد الله عبد الولي حماية الشيخ ناصر الشيباني وكان مدرسا في الزبيري، فاصطحبه في الخارج ودفع به في احدى السيارات ثم رجع يقود مع زملائه الجموع الغاضبة إلى المحطة التالية، المركز الاسلامي في شارع 26 سبتمبر، وفيه تناولوا من وصلت أيديهم إليه من الموظفين والمرتادين ولم يلحقوا بالذين هربوا في السطح، اذ انشغلوا بتفتيش المحتويات وقد عثروا بينها على حقيبة مملؤة بالوثائق ومنها أوامر من أمير جيزان بمبالغ مالية تصرف بنظر أحد قادة الإخوان المعروفين باسم جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للاستعانة بها في مقاومة الشيوعية في اليمن شمالاً وجنويا ومعها كشوف بأسماء الذين يتلقون تلك المساعدات. من حائط الشيباني على الفيسبوك