بالرغم من محاولات الصهاينة، تقديم الكيان الصهيوني، كدولة حضارية وديمقراطية، إلا أن سجلها يبقى حافلاً منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 بالإرهاب والمجازر والمآسي التي لم توفر طفلاً أو عجوزاً ولا شاباً أو حجراً . ولعل من أبشع هذه المجازر، مجزرة صبرا وشاتيلا التي ماتزال حاضرة في الأذهان، رغم مضي ثلاثين عاماً عليها، وسيبقى تاريخ الصراع العربي "الإسرائيلي" يسجل محطة مظلمة، هي دخول قوات الاحتلال "الإسرائيلي" أول عاصمة عربية (بيروت)، بعدما دكت أحياءها بجميع أنواع القذائف والقنابل المحرمة دولياً، وقطعت عنها الماء والكهرباء، والمواد الغذائية والطبية وحليب الأطفال . في الأول من سبتمبر/ أيلول 1982 كانت قد غادرت مرفأ بيروت إلى ميناء طرطوس السوري الدفعة الأخيرة من مقاتلي المقاومة الفلسطينية، ليبلغ عدد الذين غادروا لبنان منذ بدء خطة الانسحاب في 21 أغسطس/ آب 1982 وفق خطة فيليب حبيب 14749 مقاتلاً بينهم 167 جريحاً، إضافة إلى لواءي القادسية وحطين في جيش التحرير الفلسطيني، واللواء 85 من الجيش السوري، وقد تم ترحيلهم إلى الأردن والعراق وسوريا وتونس واليمنين الشمالي والجنوبي والسودان والجزائر . بعدها في 2-9 بدأ تنفيذ الخطة الأمنية الجديدة لبيروت وضاحيتها الجنوبية بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، كما بدئ بفتح الطرقات وإزالة الموانع والدشم . وفي العاشر من سبتمبر/ أيلول 1982 بدأت القوات المتعددة الجنسيات المشكلة من قوات المارينز الأمريكية والقوات الفرنسية والبريطانية والإيطالية مغادرة بيروت، وقد استكملت مغادرة هذه القوات، برحيل الوحدة الفرنسية في 13-9 أي قبل أسبوع من انتهاء مهامها . وفي يوم 14 سبتمبر/ أيلول تم اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في مقر حزب الكتائب في الأشرفية، وفي 15 سبتمبر/ أيلول أي في اليوم الرابع بعد المئة للغزو "الإسرائيلي" للبنان، اندفعت القوات "الإسرائيلية" المتمركزة على مشارف بيروت وضاحيتها الجنوبية، نحو أحياء المنطقة الغربية من العاصمة على ستة محاور . كانت المتاريس والدشم والعوائق والألغام قد أزيلت قبل أقل من 48 ساعة، وكان مضى 14 يوماً على رحيل المقاتلين الفلسطينيين عن بيروت، وانقضاء يومين على انسحاب القوات المتعددة الجنسيات . منذ اللحظة الأولى لبدء قوات الاحتلال غزو بيروت، أحكمت الطوق على مخيمي صبرا وشاتيلا، مانعة الدخول إليهما أو الخروج منهما، ولم تسمح للصحافة المحلية او المراسلين الأجانب بدخول المخيمين . ثلاثة أيام بلياليها، استمر الإغلاق المطبق للمخيم والتعتيم الشامل على ما يدور في داخله، لتتكشف بعدها الوقائع الفظيعة التي أذهلت العالم . ففي 18 سبتمبر/ أيلول ، بدأت تتكشف الحقائق الفظيعة، ثمة مذبحة تقشعر لها الأبدان، وتشكل منعطفاً خطراً في تاريخ الإنسانية . رؤوس أطفال مقطوعة، بطون نساء مبقورة، شباب مذبوحون، أجساد نخرها الرصاص، أوصال مقطعة مرمية في مختلف الأمكنة . آلاف البشر من اللبنانيينوالفلسطينيين قصفت أعمارهم بحقد أعمى قل نظيره في التاريخ الإنساني، بدت تل أبيب أمام هول وفظاعة هذه المذبحة، مرتبكة، فوزعت الاتهامات يميناً وشمالاً، في محاولة لتبرئة قياداتها وعلى رأسها أرييل شارون، وجنودها من "الهولوكست" الفظيع، فاتهمت في البداية قوات "جيش لبنان الحر" بقيادة الرائد العميل سعد حداد بارتكاب الفظائع، لكن هذا الأخير نفى ذلك نفياً قاطعاً وسرعان ما نفت "إسرائيل" أن يكون لجماعة الجيش الحر وحداد دخل في المذابح، رامية التهمة على القوات اللبنانية وحزب الكتائب، مؤكدة أن جيشها دخل المخيمين لمنع العناصر المتطرفة في القوات والكتائب من ارتكاب المجازر . وأجبرت "المليشيات المسيحية" حسب تعبير الناطق باسم جيش العدو على مغادرة المخيمين فور علمهم "بوقوع الحادث" . "القوات اللبنانية" و"مجلس الأمن الكتائبي" بديا مرتبكين، وإن نفيا ما تردد عن مشاركة عناصر منهما في أحداث المخيمين . وبشكل عام، فقد روى شهود عيان في حينه عن الكثير من المذابح ومشاهد الرعب في مخيمي صبرا وشاتيلا، وعن عمليات التعذيب قبل القتل، والقتل الجماعي، وقطع الرؤوس، فالقتلة حسب الشهود كانوا يريدون الرؤوس، وخصوصاً رؤوس النساء لسلب الحلى التي يحملنها في أعناقهن، ورؤوس الشباب التي كانوا يتقاذفونها في أقدامهم، ككرة القدم، إضافة إلى تفجير الجثث بقنابل موقوتة . كما روى الشهود، أن المجرمين أدخلوا معهم إلى المخيمات جرافات وآليات عملت على تهديم البيوت على من فيها، وفي حفر القبور الجماعية لمئات الجثث، كما تم دفن العشرات من الناس وهم أحياء . وكل ذلك من أجل تضليل الرأي العام عن معرفة الرقم الحقيقي لهذه المذبحة البشعة التي أذهلت العالم الذي عبر عن استنكاره الشديد واشمئزازه حيال هولها وفظاعتها .