مصر تستعيد من هولندا آثارا مهربة    تعز .. تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي الشريف للعام 1447ه    شركات هائل سعيد أنعم تعلن عن تخفيضات جديدة في أسعار الدقيق بدءًا من هذا اليوم السبت    تواصل الحملة الرقابية بالمحفد لضبط أسواق المحال التجارية والخضار والأسماك    جمعية حزم العدين التعاونية في إب... تجربة رائدة في التمكين الاقتصادي    سرقة مجوهرات مليونية ب 90 ثانية    الثائر علي بن الفضل الحميري    المؤرخ العدني بلال غلام يكتب عن جولة أضواء المدينة "جولة الفل"    الهيئة الأوروبية تدعو لإحالة جرائم مليشيا الحوثي للمحكمة الجنائية الدولية    مأرب.. اعتقال صحفي بعد مداهمة منزله    مسؤولة أممية: الأزمة الإنسانية تتفاقم في اليمن والبلاد تواجه شبح كارثة انسانية    ترامب: اللقاء مع بوتين كان ممتازا    حكومة التغيير والبناء.. أولويات ملحة في حماية الأمن القومي والاقتصادي والأتمتة    الارصاد يتوقع امطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على اجزاء من المحافظات الجبلية والساحلية    إدارة مكافحة المخدرات تضبط مروج للمخدرات وبحوزته 60 شريطا من حبوب البريجبالين    تخفيض رسوم المدارس الأهلية في العاصمة عدن 30%    أبو بارعة: مسؤولون في حجة يحوّلون الأجهزة الطبية إلى غنيمة    الرئيس الزُبيدي يعزي العميد عادل الحالمي في وفاة والدته    السيول تقطع حركة النقل بين ساحل ووادي حضرموت    النصر السعودي يضم الفرنسي كومان رسميا من بايرن ميونخ    قائد اللواء الثاني حزم يتفقد الخطوط الأمامية لجبهة كرش الحدودية    وقفة وإضراب جزئي لصيادلة تعز لمطالبة شركات الأدوية بخفض الأسعار    توترات غير مسبوقة في حضرموت    موقع صهيوني: اليمنيون مستمرون في إطلاق الصواريخ    صحيفة عبرية تكشف استعداد حكومة الخونة للقتال مع الكيان الصهيوني    أضرار في تعز وتحذيرات من السيول بالمرتفعات    تقرير أممي: الالاف يواجهون خطر المجاعة في حجة    رايو فاليكانو يصدم جيرونا بثلاثية    اختتام الدوري التنشيطي لكرة القدم في نادي شمسان    جواريولا يجهز رودري.. ويتمسك بسافينيو    وفاة 23 شخصا بتعاطي خمور مغشوشة في الكويت    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    تريم على العهد: وقفة للمطالبة بالعدالة لدم الشهيد #يادين (بيان)    كسر طوق الخدمات.. الرئيس الزُبيدي يقود معركة فرض الاستقرار    هل يُحسم أمر التشكيلات العسكرية الخارجة عن إطار الدولة في حضرموت؟    فنانة خليجية شهيرة تدخل العناية المركزة بعد إصابتها بجلطة    "الريدز يتألق".. ليفربول يستهل حملة الدفاع عن لقبه بفوز مثير على بورنموث    ثمرة واحدة من الأفوكادو يوميا تغير حياتك.. وهذه النتيجة    العثور على جثمان لاعب شعب إب خالد الجبري قرب الحدود اليمنية–السعودية    مارسيليا يسقط بالوقت القاتل ضد رين    بمعنويات عالية شعب إب يستعد لمباراته أمام السهام الحالمي    ذمار.. محاولة جديدة لاختطاف طفلة والسلطات تتلقى بلاغات عن فقدان أطفال    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    المدينة التي لن تركع(3) مأرب.. دروس في الدولة والتاريخ    منذ قرابة 20 ساعة.. مئات المسافرين عالقون بين إب وصنعاء بسبب انقلاب شاحنة    تعز.. سيول جارفة في قدس تلحق اضرارا فادحة بالممتلكات وتهدد قرى بالجرف والاهالي يوجهون نداء استغاثة    مدقق مالي: شركات الادوية الكبرى تسعر الدواء في صنعاء بسعر يتجاوز السعر الرسمي للدولار باكثر من 40٪    حاشد .. صوت المقهورين وقلم المنفيين    المحويت.. كتل صخرية ضخمة تهدد عدد من القرى ومخاوف الانهيار تجبر عشرات الأسر على النزوح    وفاة لاعب يمني في رحلة تهريب إلى السعودية    الإمارات تدعم شبوة بالكهرباء ومشاريع صحية وتنموية تخفف معاناة آلاف المواطنين    تظاهرة شعبية غاضبة في الضالع    ندوة ثقافية بذكرى المولد النبوي في كلية العلوم الإدارية بجامعة ذمار    العثور على مدينة قبطية عمرها 1500 عام في موقع عين العرب    حالة من الذعر تهز الأرجنتين بسبب "كارثة" طبية أدت لوفاة العشرات    تحضيرات مبكرة لاستقبال ذكرى المولد النبوي بامانة العاصمة    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    فيديو وتعليق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تنتعش الانتماءات ما قبل الوطنية؟
نشر في يمن برس يوم 05 - 09 - 2015

أظهرت ثورات الربيع العربي عموماً، والثورة السورية خصوصاً، أن الانتماءات التقليدية ما قبل الوطنية (القبلية، الطائفية، العشائرية، الجهوية، الإثنية...) ما زالت متجذرة في الوعي الشعبي في البلدان العربية، وأن التصور الذي ساد لدى باحثين اجتماعيين وسياسيين عديدين أن عمليات التحديث التي تمت في معظم تلك البلدان بعد الاستقلال أدت إلى تجاوز تلك الانتماءات، لم تكن مبنية على قراءة متعمقة لواقعها المجتمعي، إذ برهنت أحداث السنوات الأربع الماضية على بروز واحد أو أكثر من تلك الانتماءات في بلدان الربيع العربي (وفي بلدان عربية غيرها)، وإن اختلفت فيما بينها في النوع والدرجة.
ففي تونس، حيث اشتعلت أولى ثورات الربيع العربي، برزت الجهوية (شمال- جنوب، ساحل- داخل) كإحدى المحركات الرئيسية للثورة، وفي ليبيا كانت القبلية أقوى ظهوراً، وفي اليمن اختلط العامل القبلي بالعاملين، الطائفي والجهوي، وفي مصر شكل العامل الديني (مسلمون- أقباط) واحداً من العوامل المؤثرة في الأحداث، وإن لم يكن العامل الأهم. وفي سورية، تجلت الطائفية بأشد أشكالها في الاستقطاب بين النظام ومعارضيه، كما برزت المسألة الكردية التي كانت حاضرة دائماً، لكنها صارت تشكل إحدى محركات الصراع الرئيسية، منذ اندلاع الثورة السورية، وأخذت إثنيات أخرى عديدة تعمل على استعادة هويتها.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا عادت هذه الانتماءات إلى الظهور بهذه الأشكال الحادة بعد الثورات؟ وهل قامت أنظمة ما بعد الاستقلال بتفكيكها بالفعل، أم أن الأمر اقتصر على تغطيتها بأغطية هشة، تداعت عند أول هزة جدية لها؟
بداية، لا بد من التمييز بين الانتماء، بوصفه واقعاً موضوعياً، وتعاظم الشعور به، بحيث يتفوق على غيره من الانتماءات، أو يكاد يتحول إلى الانتماء الوحيد في بعض الحالات. فالمرء يرث حاله من دين أو طائفة أو قبيلة أو إثنية... معينة، كما يرث حاله ابن عائلة معينة ومن منطقة معينة، من دون أن يكون له دور في اختيار ذلك الانتماء. إنه واقع موضوعي، لا علاقة له بالإرادة أو الوعي. والتنوع القبلي والطائفي والإثني في بلد ما ليس، بالضرورة، مصدراً للصراع، بل قد يشكل، في حالات معينة، مصدراً للغنى الثقافي للبلد المعني. غير أن أهم شرط لعدم تحول الانتماء إلى طائفة أو قبيلة أو إثنية إلى عامل للصراع يتمثل في ديمقراطية النظام السياسي والحياة الاجتماعية. والأنظمة السياسية العربية، في محاولتها تحديث الهياكل المدنية في بلداننا على مدى أكثر من نصف قرن بعد الاستقلال، لم تتمكن من إلغاء الإرث الاجتماعي الثقافي للهويات ما قبل الوطنية. ذلك أنها حاولت تحديث البنى الاجتماعية قسراً، بواسطة أجهزة الدولة البيروقراطية والأجهزة الأمنية القمعية، فأنشأت بذلك أنظمة استبدادية مافيوية، تسلطت على رقاب الناس، ونهبت خيرات البلاد وأفقرت أبناءها، واستخدمت كل وسائل القهر والإذلال للإبقاء على سلطتها. ولم يجد الناس وسيلة للاحتماء من سلطة أجهزة الدولة وعسفها سوى اللجوء إلى قبائلهم أو طوائفهم أو إثنياتهم، والتي ظل الشعور بالانتماء لها كامناً، لم تمحه الخطابات المزيفة حول التحديث والقومية والاشتراكية وغيرها.
"أهم شرط لعدم تحول الانتماء إلى طائفة أو قبيلة أو إثنية إلى عامل للصراع يتمثل في ديمقراطية النظام السياسي والحياة الاجتماعية"
يتطلب تفكيك البنى التقليدية أنظمة مدنية ديمقراطية حقيقية، تؤسس للشعور بالمواطنة المتساوية التي تحل محل الشعور بالانتماء إلى الطائفة أو القبيلة أو الإثنية، عن طريق تحولات اجتماعية اقتصادية، تحقق العدالة الاجتماعية، وترتقي بمستوى الناس المعيشي. أما عندما يرى الناس أن حكامهم يضطهدونهم ويسلبونهم خيرات بلادهم، فإنهم يكتشفون زيف الشعارات الوطنية والقومية وما شابهها، ويتحول كثيرون منهم إلى قبليين أو طائفيين أو متعصبين لإثنيتهم.
الطائفية، إذن، مثلها مثل القبلية والجهوية والعائلية، هي إعلاء الانتماء إلى الطائفة (وكل الانتماءات الأخرى ما قبل الوطنية) على الانتماء الوطني أو القومي. وعندما يتعمق الشعور الطائفي، تبدأ القوى السياسية المختلفة باستغلاله لصالحها. هكذا، يستغل نظام الأسد الطائفة العلوية في سورية بتخويفها من "الأكثرية" السنية التي ستبيدها إذا استلمت السلطة، وهكذا تستغل داعش وأخواتها الطائفة السنية بإبراز المظالم التي تتعرض لها من النظام "النصيري"، وهكذا تستغل إيران الطوائف الشيعية في البلدان العربية، بتحريضها على حكوماتها "السنية" الظالمة. الطائفية (والقبلية والعشائرية والجهوية والعصبية الإثنية...) هي تزييف للوعي الاجتماعي. هي محاولات لتغطية الطبيعة الحقيقية للصراع: بين حكومة مستبدة فاسدة وطبقة طفيلية متحكمة بثروات البلاد، وبين شعب مضطهد ومُفقر ومهدور الكرامة.
والطائفية لا تعني التمسك بإيديولوجية طائفة ما، بل تعني الاعتماد على طائفة معينة، لتحقيق مكاسب معينة (طبقية أو سياسية أو غيرها). وهي الاستناد إلى الطائفة في تبرير الهيمنة والسيطرة وتهميش الآخر. ولا يهم هنا الإيمان بأيديولوجية الطائفة، ولا حتى معرفة تلك الإيديولوجية. والبحث في الطائفية لا ينبغي أن "يُشيطَن"، كما لا ينبغي أن يحل محل البحث في القضايا الاجتماعية- السياسية الأخرى، كقضايا التنمية والتحديث والعدالة الاجتماعية، أو قضايا الوطنية والمواطنة التي ينبغي أن يعلو الانتماء إليها جميع الانتماءات الأخرى.
علينا، نحن الباحثين، ألّا نخشى الخوض في هذه الظواهر، تجنباً لتهمة الطائفية، بل علينا أن ننخرط في بحث مآل ظاهرة الطائفية، وتحولاتها المحتملة. تكونت البُنى التجمعات (الطائفة، والقبيلة والعشيرة، والإثنية وما شابه) عبر التاريخ، وتكونت لها خصائص، صارت تؤثر في الحراك السياسي، شأن الخصائص الطبقية وغيرها. وعلينا التفكير بآليات ورؤى جديدة، وأن نعيد النظر في مفاهيمنا ومقولاتنا التقليدية التي درجنا عليها زمناً طويلاً، بعيداً عن التعميمات التي كوناها بتأثير الإيديولوجيات الفكرية والسياسية. علينا أن لا نشيطن الانتماء الطائفي أو القبلي أو الإثني. فالناس، بطبيعتهم، يعودون إلى هذه الانتماءات في أوقات الأزمات والصراعات. وليس مستغربا أن تعود إلى الصراع مجموعاتٌ سكانية ذات أصول طائفية، أو قبلية مختلفة تعايشت عقوداً، وربما قروناً، عندما يتهدد وجودُها، أو مصالحها.
لا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى خطأ، يزداد شيوعاً هذه الأيام، هو المتعلق بمفهوم الأكثرية والأقلية. فهناك من يدّعي أن الطائفة التي تشكل الأكثرية، في بلد ما، هي التي ينبغي أن تتسلم السلطة السياسية، قياساً على المبدأ الديمقراطي القائل بحكم الأكثرية، غير أن مفهوم الأكثرية والأقلية في الديمقراطية مفهوم سياسي، وليس طائفياً (أو قبلياً أو إثنياً...). الأكثرية الطائفية أو القبيلة أو الإثنية غالباً ما تبقى هي نفسها بمرور الزمن، أما الأكثرية السياسية فقد تتحول إلى أقلية في دورة انتخابية واحدة أو عدة دورات. وبهذا، تتبادل الأقلية والأكثرية الأماكن في الحكم والمعارضة. وهذا من أبسط مبادئ النظام الديمقراطي الذي تتطلع إليه شعوبنا العربية.
* العربي الجديد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.