كانت مجلة فورن بوليسي وعدد من الدراسات الغربية قد تحدثت قبل اسابيع ان السعودية خسرت امام ايران في الشرق الاوسط، لاسيما في سوريا ، لبنانالعراقواليمن . وبعد تفجير الازمة اللبنانية باعلان استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري من الرياض، قبل ان يعود ويتراجع عن الاستقالة في بيروت، وظهر ان نفوذ السعودية اصبح ضعيفا في لبنان، لصالح نفوذ ايران. عودة الحريري عن استقالته ، وبالتالي عدم مواصلة هجومه على حزب الله ونفوذ ايران في لبنان، اظهر ان الامور سارت في بيروت بشكل يخالف المزاج السعودي، الذي عمل على اصدار قرار من الجامعة العربية بشأن حزب الله يدين فيه تدخله في الدول العربية ، خاصة التي يؤثر امنها على الامن الخليجي "اليمن" ، واعترضت عليها الحكومة اللبنانية لان في ذلك اتهاما مبطنا لها بانها تضم ارهابين "حزب الله" ظهر الزهو الايراني بعد عودة الامور في بيروت لطبيعتها، وبقاء حزب الله مشاركا في الحكومة، لكن بعد اسابيع تغيرت المعادلة في رقعة جغرافية اخرى في اليمن التي كانت سبب تفجير الازمة في لبنان مساء 4 نوفمبر 2017 باعلان الاستقالة، حيث كان العنوان العريض لاستقالة الحريري، العودة عن الاستقالة مقابل نأي حزب الله بنفسه عن التدخل الاقليمي لاسيما في اليمن، حيث يهدد الحدود السعودية والامن الخليجي . فاطلاق انصار الله الحوثيين لصاروخ باليستي، اصبح اليوم ورقة تستخدم ضد ايران للضغط عليها دوليا من قبل الولاياتالمتحدةوالاممالمتحدة، بسبب نتائج التحقيق التي كشفت تورط ايران في تصنيعه. حيث اصبح الحوثيون جماعة يمنية محلية مدعومة من ايران ، تشكل تهديدا حقيقيا للعواصم العربية ، ولي العهد السعودي كان واضحا بانه لايريد حزب الله جديد على الحدود مع السعودية، لكن هل اصبحت حركة انصار الله الحوثية فعلا "حزب الله"جديد ؟ تخلص الحوثيون من شركائهم واخرهم حزب المؤتمر بطريقة وحشية، فبعد شهر من اطلاق الصاروخ تم تصفية علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر والتنكيل بجماعته، وهذا يجعل الجماعة حاكما مطلقا على جميع مناطق نفوذها في الشمال في حدود ما قبل وحدة اليمن في العام 1990 ، حيث اصبح اليمن مجددا يمن شمالي يحكمه الحوثيون، ويمن جنوبي يتمركز فيه حلفاء الحكومة الشرعية ومنهم اليوم حزب المؤتمر الشعبي وكل هؤلاء تحت دعم ورعاية التحالف السعودي -الاماراتي وبالتالي تتوحد اليوم جميع القوى اليمنية ضد الحوثيين ، وان كانت هذه القوى مختلفة في الاساس الا انه اصبح يجمعها هدف واحد ضد الحوثيين. برغم الخلاف بين التيارات الجنوبية وحزب الاصلاح من جهة والخلاف مع المؤتمر الشعبي من جهة اخرى. هذا الامر لايبدو ان يحظى بقبول ايران التي تلتزم الصمت، وتبقي على بعثتها الديبلوماسية في صنعاء، وتطالب بالمشاركة في التحقيق بشأن الصاروخ الحوثي، ويظهر انها تتحكم قليلا في ردود فعلها و نبرتها امام التصعيد الديبلوماسي والاعلامي الذي يقوم به الرئيس الامريكي دونالد ترامب، حتى ان حزب الله التزم الصمت منذ قتل الحوثيين لحليفهم صالح. واشنطن التي لاتقبل ان تهدد الجماعات الايرانية امن حلفائها في الخليج بحسب البيت الابيض . تصعد باتجاه ايران مستخدمة الحوثيين كدليل وحجة، مما يجعلنا نسأل ، هل اصبح الحوثيون مصدر قلق وخطر على ايران ، بدلا من ان يكونوا ذراعا مهما لها في المنطقة؟ التحالف والشراكة نموذج حزب الله كما يظهر في لبنان هو نموذج الشراكة، وهو يقوي نفوذ ايران، ويختلف تماما عن نموذج انصار الله في اليمن ، فشراكة حزب الله بقيت ثابتة برغم عاصفة "استقالة الحريري" واكدت ان قوة الحزب اللبناني تأتي من حلفاء الداخل، برغم الدعم الايراني المالي واللوجستيني للحزب، والذي صرح به امين عام الحزب "حسن نصر الله"، في حين قوة انصار الله الحوثيين في اليمن تضعف برغم الدعم الايراني بسبب الاقصاء الذي يمارسوه. فقد اصر حزب الله ومعه الحكومة اللبنانية والرئيس اللبناني ميشيل عون على عودة الحريري الى بيروت، ووحد الصف الداخلي امام هذا المطلب، ليبدو مطلبا لبنانيا وطنيا وليس مطلب حزب الله، ووقف الحزب في صف الحريري وحقه في العودة وبحث الاستقالة بشكل دستوري مع رئيس الجمهورية، فيما يظهر انه انتصار للدولة والقانون اللبناني. في حين استمد الحوثيون قوتهم من تقويض الدولة اليمنية والقانون اليمني والاتفاقيات واولها اتفاق السلم والشراكة. لقد قوى حزب الله الذي يملك واحدة من اكبر القوى الصاروخية في المنطقة تحالفه في الداخل اللبناني، في حين اظهر الحوثيون بعد صاروخ واحد على الرياض رعونة في التعامل ووحشية في تصفيه الحلفاء والشركاء السياسين والقبلين. ونؤكد هنا ان تحرك حزب المؤتمر بقيادة الراحل صالح ضد الحوثيين كان بعد فترة احتقان طويلة تم فيها تهميش واقصاء رجال المؤتمر كحلفاء . هذا الامر لابد ان يزعج ايران الان، لان هذا يعني ضعف ذراعها اليمني ، برغم ترسخ قوة ذراعها اللبناني، فوجود الحوثي محاصرا بالخصوم في اليمن ، ومفخخ بالصراع في المناطق التي يستولي عليها، يعني بدء ضعف الجماعة، والتي وان اجهزت على خصومها وقتلت زعيم حزب المؤتمر بشكل وحشي، فانها ايضا تكتب بداية نهايتها بطريقة تقدم فيها لخصومها سببا مقنعا للتوحد ضدها، وانهائها بوحشية. وان استمالت القبائل وقادة المؤتمر في مناطق نفوذها بالمال والتهديد، فانها لن تضمن هذا الولاء طويلا، على خلاف حزب الله الذي ادار معركة محاولة تفخيخ الداخل اللبناني بالسياسة والتعقل ولملة الصف اللبناني، والانتصار للدولة، حيث كان المتحدث في الازمة هو الرئيس اللبناني ووزير الخارجية. الحوثيون يريدون ان يصبحوا هم الدولة، دولة بوليسية قمعية ، قبلية ، وضاربة بقوة، سلطة مطلقة بلاشريك ، واجبار المؤتمر على الشراكة بعد التنكيل به يحوله من حليف الى اجير، فقد اقالوا وزراء المؤتمر "حليفهم السابق" وسيطروا على مقراته وقنواته الاعلامية، وحولوا الحزب العريق الى تابع الميادين تفضحهم 1000 يوم من الحرب والعدوان والحصار 1000 يوم من الدمار والقتل والدم .. منذ بدء عمليات عاصفة الحزم التي يشنها التحالف السعودي على اليمن، ولاول مرة منذ الف يوم يظهر الحوثيون وحدهم في المشهد بلا حلفاء سياسين. لاول مرة تلتقي الخصوم اليمنية وتتوحد ضدهم حتى المحايدين منهم، وحتى من كانوا حلفاؤهم في البداية ، كل هذا حدث منذ عشية مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح والبدء بالتنكيل بخصومه، لتظهر المفارقة الباذخة بين نموذج حزب الله في لبنان ، وانصار الله في اليمن. ظهر اولا كذب وتزييف الحوثيين لرواية مقتل الرئيس صالح، فقد كانوا يعلمون ان مقتل الرجل سيفتح عليهم باب جهنم، واردوا امتصاص الصدمة عن طريق تلفيق حادثة هروبه، ليبرر ذلك فعلتهم، لكن تفنيد الرواية جاء على شاشة "الميادين" الايرانية المناصرة لهم، وعلى لسان احد شيوخ القبائل الذي كان ليلتها وسيطا بين الحوثيين وصالح، حيث اكد ان الرجل قتل في منزله، رافضا ان يسلم نفسه. ولو كانت هذه الرواية نفسها على لسان الشيخ قد جاءت على شاشة العربية السعودية او سكاي نيوز الاماراتية ، لكان من السهل التشكيك بها. باب جهنم فتح في اليمن ، بتمديد عمر الصراع، ولكن لاضربة قاضية بين السعودية وايران ، فالحسم هو بتسجيل النقاط، وان كانت ايران قد كسبت نقطة لبنان، فانها الان تراجع نفسها في اليمن لايمكن الحديث عن تخلي الحوثيين بسهولة عن مناطق نفوذهم ، او هزيمتهم الان، لكن الامر ايضا في اليمن بتسجيل النقاط، وتوحد الجبهات وفتح اكثر من جبهة في وقت واحد ضدهم امر يربكهم ويضعفهم اضافة الى تفخيخ مناطق نفوذهم بالخطر الامني، وهذا قد يسمح لهم ايضا بمراجعة انفسهم ، غير ان خبرتهم السياسية الضئيلة سبب رئيس لهزيمتهم الاخلاقية، وعدم ادراكهم انهم كيان ضعيف مهما بلغ قوته في وجود دولة ضعيفة، وان قوتهم وقوة اي فصيل يمني يكمن في دولة قوية متماسكة، وفي وجود حلفاء اقوياء متماسكين المرجح انهم لا يتعلموا ابدا، لذلك فتراجعهم كحلقة قوية في سلسلة السياسية اليمنية مرجح، وكطرف في الحوار والمفاضات، بعد اعتراف الاممالمتحدة بهم كطرف في التسوية، ان هزيمتهم للدولة اليمنية وتقويضها، وفتح باب الحرب مع التيارات اليمنية، يعني ان دولة الحوثيين سقطت اخلاقيا، وسياسيا ، وان تواجدها الان هو بفرض الامر الواقع، وهذا يؤكد ان الامور تسير لحسم المعارك عسكريا. هنا يظهر استنساخهم لشكل حزب الله بعيدا عن روح تجربته السياسة في لبنان، وهذا يؤكد ضمور الوعي السياسي لدى الجماعة الدينية الحوثيه، التي تستنسخ شخصية حسن نصر الله في شخص عبد الملك الحوثي بما يخالف النموذج اليمني، الذي لايعترف بالزعامات الروحية او الدينية، فضلا عن ركاكة شخصية الحوثي نفسها، وافتقاره للكاريزما والثقافة الاجتماعية والسياسية، وتسطيحه للامور، وتعاليه وخطابه الحاد في الداخل، وتقليده الفاضح لشخصية نصر الله ، مما يؤكد عدم امتلاكه شخصية مستقلة. وكونه يستند على نسبه لال البيت فان هذا عامل ضعف له في اليمن، الذي يعمل منذ خمسة عقود على انهاء التمايز الطبقي. بقاء الحوثيين يمكن ان يفتح الحديث في اي وقت عن التفاوض والحوار غير المشروط من قبلهم، في حال شعر الطرف الاخر انه سجل النقاط التي يريد، ولملم صفوفه التفاوض هنا سيضمن لهم البقاء بالحد الادنى في المشهد اليمني. فهم جزء من نسيج يمني عام، ولكن الاستمرار بسياسية التوحش، والقمع، قد ينذر بما هو اسوأ، ويجعلهم مع الوقت في جماعة منبوذة، وايران نفسها لن تسطيع فعل اي شيء لهم. فهذه الجماعة تتصرف ضد حركة التاريخ والواقع والمجريات السياسية، وضرورات المرحلة، وتنسف كل القواعد السياسية التي كان اليمن يؤسس لها منذ عقود، انها تنسف مبادئ الثورات والجمهوريات المتعاقبة، ومبدا مشاركة الشعب وحق الجميع في المشاركة السياسية وترسيخ مبدأ الديموقراطية ، وبناء الدولة المدنية الحديثة. والاهم مبدا استقلال القرار السياسي في اليمن عن التدخلات الخارجية. لانه يعطي مبررا للجميع للتحالف مع الخارج للتخلص من رعونته وسطوته. فهل يستمر الحوثي بحكم الشمال وحده، بطريقة يمن ما قبل ثورة سبتمر 1962 ، وبالتالي ينسف عقودا من التراكم السياسي اليمني، ويعيد اليمن الى حلبة صراع مفرغة، ام يمكنه تدارك الامر والاعتراف انه جزء من اللعبة في الداخل، وان علاقته بايران لاتعني ان يبقى مصدر تهديد في الداخل والخارج ، وان مبدا حسن الجوار الذي اعلنه "صالح" قبل مقتله لايعني بالضرورة التبعية المطلقة للسعودية، هل يفهم ان وجوده مهم للتوازن في اليمن، ووجود الاخرين مهم لتواجده وان التحالف الداخلي يكسب اليمن استقلالها خارج القرار الاقليمي بشكل عام، ولكنه بما يفعله يسلم جزء كبير من اليمن للصراع ويرهن قرار اليمن السياسي للخارج، ويضعف نفسه ايضا.