تعرض الكاتب مروان الغفوري لموجة انتقادات واسعة وصلت الى حد تكفيره بعد نشره لمقال بعنوان " ما ينبغي أن يعلمه الرسول، الليلة" تطاول فيه على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وذهب البعض الى المطالبة بمحاكمته وخاطب الغفوري في مقال الرسول قائلا إن :"اسمك ارتبط بأكثر الأحداث دموية، وأنه في طريقه إلى أن يصبح اسماً سيء السمعة" .. "وإذا كنتَ قد عرِج بك إلى السماء بسرعة الضوء فأنت، بحسب الرياضيات، لم تغادر المجرّة بعد". وأضاف :"يوماً بعد يوم أصبح من الصعب أن أقنع عقلي بأن الإله الرحيم المؤمن الطيب القدّوس السلام الرحمن سيغلق أبواب الجنة ويترك مليارات البشر في جحيم أزلي. ماذا بقي له من الرحمة والقدوسية والسلام والطيبة، إذن"؟
اليمن السعيد يعيد نشر المقال: ما ينبغي أن يعلمه الرسول، الليلة. *مروان الغفوري إلى محمد رسول الله.
نجوى امرأة في الثلاثين من عمرها، لها طفلان. قالت إن اسمَك لم يعُد يثير فيها ذلك القدر من الرهبة والبهاء. وأنها لم تعُد مقتنعة بجدوى أن تحدث طفليها عنك. توفيق رجلٌ في السادسة والأربعين. كتب في صفحته يطالب سلالتك بالاعتراف بصنيعه. ذلك أنه، كما يقول، آمن بنبوّتك وكان سبباً في كسر العزلة المضروبة حولك. قال إنه كان سيهتدي إلى الله دون الحاجة إليك، وأنك كنتَ بحاجة إلى اعترافه لتقاوم أعداءك وتنجو من حصارِك. "لقد أسديت له صنيعاً سيتذكره للأبد" قال توفيق. أما ياسمين، في الثامنة عشرة، فقالت إنها لم تعُد تصلي. وأن كل شيء خرافة. وهي تبحث عن برنامج جديد في play store قالت لصديقتها إن المرء عليه أن يسمع الأمور أكثر خطورة في حياته من الناس الأقل ذكاء والأكثر همجية. ساره، شابه تركيّة في الواحد والعشرين. تلفتتْ كقطّة مذعورة، ثم قالت لي "أشعر بالخزي لأني مسلمة". رميتُ إليها بابتسامتي ونقلتُها إلى موضوع آخر. ربما أنت لا تعلم الآن أن اسمك ارتبط بأكثر الأحداث دموية، وأنه في طريقه إلى أن يصبح اسماً سيء السمعة. فما إن ذكرت صحيفة محلية إن اسم محمّد كان الاسم الأكثر تسجيلاً في العام 2014 في واحد من مشافي المدينة، هُنا، حتى ثارت عاصفة قلق واستنكار. ربط السكان بصورة آلية بين اسم محمد واحتمال نشوء جيل جديد من الإرهابيين. لم يعُد محمد، بالنسبة لكثيرين في العالم، يعني سوى الشريعة. أما الشريعة فأصبحت كلمة مكثفة تعني استجلاب حياة ما قبل التاريخ بكل وحشيتها، كأن يقول عالم شيعي "ولا بأس من الضم والمفاخذة مع الرضيعة" وعالم سنّي "إذا لم تكن الطفلة قد بلغت فيجوز الاستمتاع بها إلى ما دون الإيلاج". قبل أسبوعين كان العنوان الأكبر للدير شبيغل: الإنجيل، الكتاب الأقوى في العالم. اعتمدت المجلة على الأرقام، والأرقام لا تنجّم. بالتوازي كانت "أمة محمد" تحقق في العام 2014 نسبة قتلى يندر أن تجد لها مثيلاً. على سبيل المثال: ثمّة شاب يقول إنك جدّه، وأنك لن تكون سعيداً في قبرِك ما لم يكن هو سعيداً في حياته، هو فقط. أما سعادته فيفسّرها باسترداد حقّه. وأمّا حقّه فهو الملك. نجلك ذاك قتل حتى الآن أكثر من 70 ألفاً من المسلمين اليمنيين. في الماضي قال ماركوس أوريليوس، الملك الروماني، لابنه: إن خطاياك كولد هي خطاياي كأب. ولا أدري هل ستحمل خطايا ابنك، كما فعل ماركوس أوريليوس، أم ستنكرها جملة. بالمناسبة: لا يزال الشاب ابنك يكدّس جبالاً من السلاح ويشتري أفواجاً من الناس، من الذين لا يقيمون الصلاة، ويستعد لقتل أناس جدد. أتذكر أنك قلتَ ذات مرّة لليمنيين بعد حربك في ثقيف، وانحيازك لقومك "لو شئتم لقلتم فلصَدقتم ولصُدّقتم: أتيتنا مخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك" حسناً يا محمد، يا رسول الله. أولادك يقتلون عشرات الآلاف من اليمنيين، واليمنيّون يقولون لك: أتيتنا طريداً فآويناك. وعار أن يكون هذا جزاء اليمنيين. كنتَ طريداً، أنت تعترف بذلك. وكنتَ خائفاً وجائعاً ومشرّداً وضالاً. كنت مهزوماً، اعترفت بذلك، فاستقبلك اليمنيّون وأعادوا إليك اعتبارك وعالجوا روحك الخائفة ومنحوك أمناً. تتذكر الصحراء والغار والهلع والريح والمتاهة؟ لقد أنقذك اليمنيّون من كل ذلك. كان اعترافك لهم بالفضل عظيماً، لكن أبناءك سلكوا درباً آخر. قتلوا الناس الذين أنقذوك.
عندما ارتجف رجلٌ يماني من لقائك قلتَ له "إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة". ارتجف عشرات الآلاف من اليمنيين، أخيراً، وهم يسمعون العربات المدرّعة تسوق الموت ويسوقها أبناؤك. نسي أبناؤك، يا محمد، أن أمّهم كانت تأكل القديد بمكّة، وأن امتيازهم الوحيد في هذه الحياة أن لا يجعلوا رجلاً يرتجف ولا امرأة تشعر بالذعر. فكّرت بنصيحة أبنائك: هل عليهم أن يزوروا قبرَك، أم التل الذي منح أمّك الراحلة قديداً وطيبة؟ قالوا إنك بعثت بالسيف. وقلنا لهم بل بأعشاب القديد. قالوا إنك تقسم العالم إلى قسمين: الكون وعترتي. عندما قالوا ذلك كانوا قد أصبحوا أضحوكة، وألحقوا بسمعتك العار. في هذا العالم الرقمي المعقّد، عالم البلازما، يقسّم أبناؤك الوجود كله إلى "الكون والعترة". بعد أن نالوا حظهم من السخرية نسي الناس خرافاتهم واعتقدوا أنها خرافاتك! لقد ألحقوا عاراً بالدين الذي جئتَ به، وفي طريقهم إلى أن يلحقوا العار حتى بالكلمات. كنت من الناس الذين آمنوا بالرسالة التي جئتَ بها. وعندما أصبحت رجلاً ناضجاً تعاطفت مع كل شرائع العالم وعملتُ في مساعدة الناس على تجاوز آلامهم. ويوماً بعد يوم أصبح من الصعب أن أقنع عقلي بأن الإله الرحيم المؤمن الطيب القدّوس السلام الرحمن سيغلق أبواب الجنة ويترك مليارات البشر في جحيم أزلي. ماذا بقي له من الرحمة والقدوسية والسلام والطيبة، إذن؟ قال أبناؤك: لأنهم لم يعترفوا بالملك لأبناء خاتم الأنبياء.
يا محمد، يا رسول الله. لقد متَّ قبل أن تتخيّل الكون. اسمعني: إذا كنتَ قد عرِج بك إلى السماء بسرعة الضوء فأنت، بحسب الرياضيات، لم تغادر المجرّة بعد. لك أن تتخيل، إذن، هذا الكون الرهيب الذي تفشل أمامه الرياضيات كلّياً. هذا الكون كلّه خلق لأجل شاب من أبنائك اسمه عبد الملك! هذه ليست نكتة، فقد قال قبل عام من الآن إن الله خلق الكون ثم الوصيّة. وتحدث بكلام كثير خلاصته إن الكون كان يتوسّع بسرعة الضوء وكانت الوصية تهبط من النبي إلى الذي يليه، حتى وصلته. وأن هناك حدثين رهيبين في الكون يحدثان منذ الأزل، منذ أكثر من 13 مليار عاماً: تمدد الكون، وهبوط الوصية إلى عبد الملك. أما الوصية فهي أن يحكم عبد الملك الحوثي اليمن. "خلق الله الكون ثم الولاية" قال عبد الملك. ولا شك أنه كان يعي فداحة ما يقوله! يمكن للمرء أن يتخيل خرافات كثيرة، ومعقّدة. فقد تخيل اليونانيون امرأة خلقت الشمس، ثم احتفظت ببعض النار لتطهو به الطعام. ولما لم تجد طعاماً وضعت النار في فرجها فاهتدى إليه الرجال. وأن الإله كان امرأة لقحته الرياح. إلخ إلخ. لكن خرافة عبد الملك الحوثي أكثر تعقيداً من كل ذلك، وبشاعة. إنها تجعل هبوط الوصية إليه موازية لتمدد الكون بسرعة الضوء. كما يوازي خطابه قبل عام بين الانفجار العظيم، طبقاً لفيزياء الكم، والولاية. يحكم الكون أمران: فيزياء الكون، والورقة التي تقول إن عبد الملك سيد المملكات كلها.
أدري أن عبد الملك ابنك، يا رسول الله، وأنك لن تفعل حياله شيئاً. لو أنه كان ابني كنتُ سأنفق عليه الكثير من المال، الكثير جدّاً، وسأقترض كثيراً حتى أضعه في أفضل مركز للتأهيل النفسي في فرنسا أو ألمانيا. فلا يزال شاباً، ويستحق العناء، وهناك دائماً طريق. أثبتت الأحداث أن ترك هذا الشاب طليقاً لن يخلق سوى مزيد من الموت والآلام. لا يوجد رجلٌ في العالم، بين 7 مليارات نسمة، يفجّر بيوت البشر بالديناميت سوى عبد الملك الحوثي. منذ جرّب هتلر أسلحته في حرب أسبانيا، الأهلية، لم يعُد أحد يجرؤ على أن يقصف البيوت بالدبابات والصواريخ سوى عبد الملك الحوثي. ومنذ الحرب العالمية الثانية لم نقرأ عن جيش يفخخ جثث الأطفال. عبد الملك، نجلُك يا رسول الله، يفخخ بالبارود أجساد الأطفال. لقد فخخ جسد طفلٍ في يريم.
يا رسول الله، يا محمد. كنت تقول "نصرتُ من مسيرة شهر". وكانت الإمبراطوريات تقتل رسلك. أنت تدري لماذا. كانت السمعة الأخلاقية لك، ولأصحابك متفوقة. لم تكن بحاجة إلى الكثير من الكلمات. كانت سماتك وأفعالك تجتاز الحدود وتخلق انتصاراتك. ولم يكن الملوك يجدون من حيلة سوى قتل رسلك، ومنع رسالتك.
لم تكن تنتصرُ لأنك "مجاهد مجتهد" بل لأنك طيّب القلب، تحب كل الناس، وترهن ثوبك عند يهودي، وتضحك طول النهار مع نصراني، وعند الغسق تستمع إلى قصيدة عاطفية يصف فيها الشاعر ردفي ابنة عمّه فتمنحه بردتك، وتعود خفيف الثياب. كنتَ طيبَ القلب، تأتيتك زوجتك وامرأة تحدثّك فتقول لها "هذه مغنّية بني فلان، دعيها تغنّ لك". وكنتَ ترى صاحبك على البئر يعاكس النساء الجميلات فتمازحه "أما يزال بعيرك شارداً". وكانت امرأة تسألك وأنت على ظهر بغلتك فيسترق قريبك الشاب النظر إلى ملاحتها فتحجبه بكمك. كان راكباً خلفك فاحتال عليك ونظر إليها من فوق كتفيك، ثم من الجهة الأخرى، وكان خداك أحمرين، وكنت مرتبكاً وطيباً وكان هو يضحك منتصراً. كنت تنتصر لأنك جئتَ لصيانة الحياة والدّين، كل الحياة وكل الدين، كل حياة وكل دين بلا تمييز. خلال 23 عاماً بلغ إجمالي قتلى كل المعارك التي خضتها، من الطرفين، حوالي 281 شخصاً. وكنتَ مثل أصحابك، لم تكن سيداً ولم تكن عبداً. كنت واحداً من الناس تأكل الطعام وتمشي في الأسواق. كانوا يتزوجون بناتك وتتزوج بناتهم، وكان الرجل يذكر ابنته لك ولصديقك، وكنتَ تسبق صديقك أو يسبقك صديقك. لقد اغتالوك، اغتالك أبناؤك.
أنت لا تدري ماذا يجري الآن. بعثوك من قبرك رجلاً آخر جاء لرعاية أسرته وحسب. وضعوك على ربوة عالية وجعلوك تصيح بالعالم: إلى كل أب، أنا أفضل الأباء، إلى كل أم نسائي أفضل النساء، إلى كل ابن، أبنائي أفضل الأبناء، إلى كل شجرة نسب، شجرتي مقدّسة، أنا ملك العالم، وأنتم خدم لي ولعترتي إلى يوم الدّين. وهكذا أحس كل أب بالإهانة، كل أم بالألم، وكل ابن بالغضب، وكل جد بالكراهية. كنتَ نبيّاً جئت لتصلح أعطاب العالم. جعلوك جاراً متعالياً لا يكف عن القول إن أبناء الجيران سيئي الطباع وعديمي النفع، بخلاف أبنائه. ثم نصبوك ملِكاً، وحاربوا بك في الجبال والوديان وذكروا اسمك عند كل جريح، وامتدحوك أمام كل مقبرة. وشيئاً فشيئاً يختفي محمد بن عبد الله الرسول، ويتجلّى محمد عبد الله الأب يتلاشى الرجل الذي جاء من الصحراء ليعيد العالم إلى نصابه، وبدلاً عنه يظهر ملك ساساني مثير للريبة والخوف، يفكّر بذريته ولا يكف عن تبادل السباب مع خصومهم.