مع بدء قدوم أيام العيد في اليمن يزحف آلاف الناس صوب القرى لتمضية أيامه بين الأهل والأصدقاء، وتصبح الطرق الرئيسية أمام هذه الجموع الزاحفة أشبه بطرق النمل، بفارق شيء واحد هو أن النمل تسير وفق حركة منتظمة لم يسجل أحد عليها حوادث مرورية مروعة تذهب بآلاف الضحايا سنويا- كما هو الحال في حوادث المركبات المفجعة التي تتكرر كل عام ومع قدوم كل عيد في اليمن . العيد في اليمن.. مأساة لكثير من الأسر التي تنتظر قريبها بلهفة كل سنة ليرسم الابتسامة وسط أبنائه فيأتيها نعشا تستقبله في المقبرة.. هو إذن سباق سنوي محموم على الموت في اليمن.. يقطع الكثير من الناس مئات الكيلومترات وصولا إليه.. دماء تسيل، وأنهار من الدموع تغسل أيام العيد بالحزن على حبيب كان على وشك أن يأتي ليشاركهم فرحتهم التي هي في اليمن عزيزة جدا بسبب ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
الدنيا عيد.. أماني بسيطة في نظر الناس ومشاريع عملاقة في نظر الحكومة.. حديقة جديدة.. متنفس جديد.. مسرح.. مهرجانات.. أحلام قد تدفع بتبدل قيم جديدة وأنماط سلوكية تخرج بالمجتمع من الثقافة التي صنع لها القات خصوصية تفرد بها عن سائر شعوب المنطقة العربية. الدنيا عيد.. أعباء تثقل كاهل الأسرة، وأرواح تزهق في محرابه، وفرحة ما تزال مؤجلة حتى يأتي عيد اليمن بشي جديد..
يقول محمد السامعي- 35 عاما- أب لخمسة أطفال ويعمل في إحدى الشركات الخاصة في العاصمة: انه مع كل عيد جديد يحرص على زيارة أهله في "سامع" محافظة تعز، لكنه هذه المرة قرر أن يبقى في العاصمة وتحويل مبلغ مالي إلى أسرته لشراء حاجيات العيد التي أصبحت حملا ثقيلا عليه. ويضيف محمد إن قراره هذا جاء بعد مشاهدته لحوادث المرور التي تشهدها اليمن مع حلول الأعياد الدينية خاصة ذلك الحادث الذي خلف 16 قتيلا في محافظة إب قبل العيد بيومين، وحوادث أخرى في عدة محافظات.. ويؤكد محمد إن الحوادث قضاء وقدر نعم .. نعم الله حذرنا أن نلقي بأنفسنا في التهلكة وطرق اليمن مصير للتهلكة، ويتساءل: أيهما أهم في نظر الأسرة بقاء ابنها في العاصمة سليما معافى وعدم مشاركتها أفراح العيد، أم مشاركتها الفجائع قبل وصوله من كثرة ما نسمع عن حوادث الطرق المرعبة في اليمن مع قدوم كل عيد..!؟ اعتقد إن أسرتي ستفضل الخيار الأول.. ويختم محمد بالقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
علي قائد– 28 عاماً- من أهالي فرع العدين، هو الآخر قرر العدول هذا العام عن السفر إلى القرية لمشاركة أسرته المكونة من طفلين وأب وأم وزوجة أفراح العيد السعيد، وجاء قراره هذا بعد سماعه كل عام بحوادث مفجعة لحوادث مرورية تشهدها الطرق الرئيسية في اليمن وتخلف مئات الضحايا. ويؤكد علي انه بدأ يأخذ بفكرة الإقامة في مدينة عدن بصورة دائمة لان الطريق بين عدنوتعز غير مضمونة ويسميها بطريق الموت فلا يمضي أسبوعا دون أن تسمع كوارث حقيقية لهذه الطريق.. أما صديقه احمد على– نجار- أب لطفلين ويعمل في النجارة بمدينة عدن فيعتبر إن السفر إلى القرى في أيام العيد أصبح انتحارا بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. احمد فضل هذا العام البقاء "عزوبياً" في عدن عن السفر إلى القرية، إذ يقول: في كل مرة أسافر فيها إلى القرية كنت أضع يدي على قلبي رعبا من حوادث الطرق، ونفس الحال أسرتي التي تعيد بوصولي أكثر من العيد نفسه.
سامي كليب- 20 عاما- طالب في جامعة صنعاء، قال إنه صار قليل السفر إلى قريته في فرع العدين محافظة إب بعد ما شاهده من حوادث مرعبة تشهدها الطرق اليمنية قبل أيام العيد. ويؤكد إن السفر بين المدن اليمنية سواء قبل العيد أو بعده أو في الأيام العادية هو مغامرة غير محسوبة، فالطرق بشكل عام في اليمن ضيقة والإسفلت قشرة بسيطة منتهية، والإضاءة منعدمة والسرعة الجنونية والسواقين الموالعة كل هذا يؤدي إلى تميز اليمن بتلك الحوادث المرورية المرعبة.
في السياق ذاته يحذر خبراء مرور في محافظ تعز من قيادة السيارات أثناء تعاطي القات الذي تدرجه منظمة الصحة العالمية ضمن أربعة مخدرات هي الأشهر في العلم.. ويعلق أحد ضباط المرور قائلاً: قائد المركبة ينشغل في تقطيف أوراق القات بين حين وآخر، ويستمر على ذلك طول الطريق، فوريقة قات بيد، وقارورة ماء بيد أخرى.. وبالتالي أصبح مقود السيارة بحاجة إلى تدخل شخص آخر، وكأن قائد السيارة في اليمن بحاجة إلى مساعد كابتن كما هو الحال في قيادة الطيران. ويؤكد المصدر- الذي فضل عدم كشف اسمه- إن بعض الدراسات أشارت إلى أن معظم الحوادث تحصل بعد وأثناء تعاطي القات، مناشدا في الوقت نفسه السلطات المحلية في محافظة تعز بزيادة رقعة الإسفلت وتوسعة الطريق والاهتمام بالإشارات الضوئية.
وختاما تبقى حوادث الطرق في اليمن هي الأكثر مأساة، والأكثر رعباً، والأكثر حجما مقارنة بالدول العربية الأخرى.. ويبقى مشروع فرحة العيد في اليمن مشروعا مؤجلا لكثير من الأسر اليمنية التي فقدت رب الأسرة قبيل العيد أو تلك التي تنتظر عودة ابنها من سفره حتى تقوم الجهات المعنية- وعلى وجه السرعة- بتوسعة الطرق، وتوفير قواعد السلامة المرورية فيها وإصدار تشريع قانوني يمنع قيادة المركبات أثناء تعاطي القات..
تقرير قديم للزميل شعلان تم نشره في موقع "نبأ نيوز " ويعيد نشره "اليمن السعيد " تعميماً للفائدة